الرئيسة \  تقارير  \  كي تتحول لقطبٍ عالمي.. كيف تبني الصين شبكة تحالفاتها؟

كي تتحول لقطبٍ عالمي.. كيف تبني الصين شبكة تحالفاتها؟

27.07.2022
محمد محمود السيد


محمد محمود السيد
ساسة بوست
الثلاثاء 26-7-2022
بناء التحالفات هو أحد أبرز إستراتيجيات الدول لتوسيع نفوذها ومدّهِ إلى ما وراء مناطق جوارها الجغرافي، وتاريخيًا لم تتحول أية دولة أو مملكة إلى إمبراطورية ذات ثقل دولي، إلا بعد أن تنجح في مد نفوذها وصولًا إلى حدود العالم المعروفة في كل زمن، سواء عبر الحرب أو علاقات الود والمصاهرة، أو الشراكات التجارية، أو التعاون، أو كل ذلك وفي العصور الحديثة لم تتحول الولايات المتحدة الأمريكية إلى قطب دولي، بعد الحرب العالمية الثانية، إلا بعد أن أسست شبكة حلفاء دولية ممتدة في كافة أنحاء العالم.
واليوم يبدو أن الصين تسير على نفس الخطوات في طريقها إلى عالم متعدد الأقطاب، وقد كشفت الحكومة الصينية بوضوح عن طموحها في هذا الصدد في عدة مناسبات؛ ففي يوليو (تموز) 2017 ذكر مستشار الدولة يانج جيتشي أن بلاده تسعى إلى بناء “شبكة عالمية من الشراكات”، وأن “دائرة أصدقاء بكين قد غطت العالم بأسره”، كما شدد الرئيس الصيني، شي جين بينج، في يونيو (حزيران) 2021 على الحاجة إلى “زيادة جاذبية وفعالية الاتصالات الدولية للبلاد وتوسيع دائرة الأصدقاء الذين يفهمون بكين”.
وانطلقت جهود بناء التحالفات الصينية مع بداية ولاية الرئيس شي جين بينج، وتكثفت خلال إدارة ترامب مع تصاعد التوترات التجارية والتكنولوجية الصينية-الأمريكية، واتخذت بُعدًا جديدًا خلال أزمة الوباء في 2020-2021؛ إذ باتت بكين تمتلك نهجًا لبناء التحالفات يتسم بالمرونة، ويحاول أن يصبغ نفسه بطابع مختلف عن نظيره الغربي؛ إذ ترفض بكين مفهوم “التحالفات”، وتؤكد أنها تصنع “شراكات”، وتكوّن “صداقات”.
وانطلاقًا من محدودية الدراسات الأكاديمية التي تتناول بالتحليل سياسة التحالفات الصينية؛ فقد قام معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية (EUISS)، بإصدار دراسة؛ مهمة حول هذا الموضوع في مايو (أيار) 2022، بعنوان “الصين ومعركة التحالفات”. وهي من إعداد، أليس إكمان، الباحث المتخصص في السياسة الخارجية والأمنية الآسيوية. ونستعرض فيما يلي أبرز ما ورد في هذه الدراسة.
شراكات وليس تحالفات
في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، أعلن رئيس البلاد، شي جين بينج، أن بلاده تحتاج إلى تكوين صداقات أكثر، مع الالتزام بـ”مبدأ عدم الانحياز”، و”بناء شبكة عالمية من الشركاء”؛ إذ ترفض بكين مفهوم “التحالفات”، وهي لا تعارض، فحسب، نظام التحالف الأمريكي – الذي تعتبره غير شرعي تمامًا – بل تعارض أيضًا أي نظام من التحالفات.
وتمتد معارضة التحالفات الغربية تعود جذورها إلى تأسيس جمهورية الصين عام 1949، وحتى بعد اندماج بكين في بنية الاقتصاد الرأسمالي منذ السبعينات أعربت عن رفضها بشكل صريح وواضح لمبدأ التحالفات في عام 2014؛ إذ باتت تنظر إليها على أنها عفا عليها الزمن، كما أنها مُقيِّدة للغاية، وتفرض التزامات شتى على الأعضاء، من تدخل عسكري إلى دعم مالي واقتصادي، حتى في حال معارضتها لسياسة الدولة المدعومة، لذلك، لم تُوقع الصين أي معاهدة تحالف مع أية دولة باستثناء كوريا الشمالية في عام 1961، وحتى في هذه الحالة يمكن اعتبارها شكل من أشكال الشراكة الثانية.
إن معارضة بكين لمفهوم التحالفات تغذيها رفضها الشديد للوجود العسكري الأمريكي في آسيا وخارجها، وعدائها تجاه سياسات حلف الناتو، فقد كان هذا الاستياء من الولايات المتحدة والناتو حاضرًا تقليديًا في الصين، منذ عهد ماو تسي تونج، الزعيم الشيوعي الذي اتسم بالعداء الأيديولوجي ضد “الغرب”.
واشتد العداء الصيني لأمريكا بشكل كبير منذ مايو 1999، عندما قصفت طائرة عسكرية أمريكية – بطريق الخطأ – السفارة الصينية، كجزء من الضربات الجوية على صربيا من طرف قوات الناتو، ولا تزال السلطات الصينية تتذكر وتذكر هذا الحدث بوضوح، ولم تقبل أبدًا التفسير الأمريكي بأن القصف كان خطأً، بل جرى اعتبار هذا الحادث نقطة تحول في سياسة بكين الخارجية وتوجيهاتها الأمنية، بعد أن عزّز القناعة الصينية بأنها يجب أن تقوّي قدراتها الخاصة لتكون أكثر قدرة على الدفاع عن “سيادتها الوطنية وأمنها ومصالحها التنموية”.
ما سبق يعني أن بكين لا تقوم – ولا تنوي – استبدال نظام التحالفات الأمريكية بنظام بديل أو موازٍ، ولكن تحاول استبداله بمجموعة – مختلفة تمامًا وأكثر مرونة – من الشراكات الأمنية، فبالنسبة لبكين لا ينبغي أن تستند بنية الأمن، سواء في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، أو خارجها، إلى أي نظام تحالف رسمي، وبدلًا عن ذلك تركِّز على تطوير شبكة من الشراكات التي يجري بناؤها خطوة بخطوة على المستويين الثنائي والمتعدد الأطراف.
وبعبارة أخرى ليست بكين مستعدة للالتزام بأي دعم عسكري لدولة ما في حالة الهجوم، ولا تتوقع هذا النوع من الالتزام من شركائها، فمن وجهة نظرها، يمكن اعتبار أية دولة شريكًا أمنيًا بعدة طرق: بدءًا من إجراء التدريبات العسكرية المشتركة المنتظمة، ووصولًا إلى تأييد “المفاهيم” أو المواقف الأمنية للصين.
كذلك تتوقع بكين من الشركاء دعم موقفها دبلوماسيًا (على المستوى الثنائي ومتعدد الأطراف) بشأن القضايا ذات الاهتمام الجوهري (شينجيانج، وهونج كونج، وبحر الصين الجنوبي، وتايوان، وغيرها) أو على الأقل عدم معارضة أو انتقاد موقف بكين بشأن هذه القضايا، وفي ذلك تتشابك الشراكات الاقتصادية، والتكنولوجية، والأمنية، وتتطور، وقد يتطور الشريك التكنولوجي إلى شريك أمني من خلال شراء التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج أو التكنولوجيا العسكرية.
وتشكل جهود بناء التحالفات الصينية جزءًا من طموح البلاد لإعادة هيكلة “الحوكمة العالمية”؛ إذ إن بكين غير راضية عن الحوكمة العالمية الحالية وهندسة الأمن، بل تصر على إعادة تشكيلها بما يتماشى مع رؤيتها لعالم “ما بعد التحالفات”، ويسود تصور في بكين مفاده أن البلاد قبلت لفترة طويلة هيكل حوكمة عالمي غير شرعي شكّله الغرب، والذي لم يُوفِّر للصين قوة تصويت كافية أو يمنحها مكانتها المستحقة.
على أساس هذا التصور عزّزت بكين على مدار العشرين عامًا الماضية مشاركتها في المؤسسات القائمة؛ إذ استضافت العديد من مؤتمرات القمة والمنتديات متعددة الأطراف في السنوات الأخيرة: قمة مجموعة العشرين ومجموعة بريكس، ومنظمة شنجهاي للتعاون، وقامت في الوقت نفسه بإنشاء مؤسسات ومنتديات جديدة متعددة الأطراف تهدف إلى لعب دور نشط فيها، مثل “البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB)”.
كيف تصنع الصين صداقاتها؟
يمكن تلخيص نهج بكين في بناء التحالفات في ثلاث سمات:
غير رسمية: لأنها تفضل بناء شبكة مرنة من الشراكات بدلًا عن التحالفات الرسمية.
سريعة الخطى: فبكين سرّعت من خطواتها لتوطيد هذه الشبكة منذ عام 2014.
متعددة المستويات: لأنها تقوم بتطوير هذه الشبكة على مستويات مختلفة، تشمل المؤسسات المحلية والدول والمنظمات الدولية.
“بناء شبكات الشراكة بين الدول” هو القناة الأكثر تفضيلًا التي تستخدمها بكين لتوسيع “دائرة الأصدقاء” منذ عام 2014، ومصطلح “الأصدقاء” الذي تستخدمه الدبلوماسية الصينية حاليًا كان يستخدمه السوفيت قديمًا، وأخذه عنهم ماو تسي تونج، ثم عاد شي ليستخدمه مرة أخرى.
مؤتمر للحزب الشيوعي الصيني
وتُطلق بكين على بعض الدول المجاورة مسمى “أصدقاء يرتدون ملابس حديدية”، مثل باكستان، وكمبوديا، وصربيا، وهي الدول التي تعتبر مؤيدة لمبادرات بكين بشكل عام ودائم، وهي من أوائل الدول المشاركة في مبادرة “الحزام والطريق”، وكانت من أوائل الدول التي تلقت اللقاحات والمساعدة الطبية الصينية خلال فترة جائحة كورونا.
ومنذ عام 2020 تنظر بكين إلى “الدول الغربية” (بما في ذلك الولايات المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبي، وكندا، وأستراليا، واليابان) على أنها “معادية للصين” بشكل عام، وبالتالي فهم ليسوا شركاء طبيعيين لبكين، وبالتالي ذهبت بكين في علاقتها ببعضهم إلى حد فرض العقوبات، مثلما فعلت مع أستراليا وليتوانيا، أمّا باقي دول العالم، وتحديدًا البلدان النامية والناشئة، تعتبرها بكين “أساس شبكة أصدقاء الصين”.
أمّا روسيا فيبدو أنها تحظى بمكانة خاصة لدى بكين، بحيث وصفها شي بأنها “أفضل صديق للصين”، فقد عزّزت بكين وموسكو التعاون العسكري فيما بينهما على مدى السنوات الثماني الماضية، ولكنهما كثفتا أيضًا التعاون على المستوى المؤسسي، من خلال التنسيق في الأمم المتحدة وغيرها من المؤسسات متعددة الأطراف، لتعزيز مواقفهما في مختلف المنظمات الدولية.
ويمكن القول إن هذا التعاون مُحفَّز بالتقارب المفاهيمي؛ فكل من بكين وموسكو تنظران إلى الناتو ونظام التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة على أنهما “غير شرعيين”، ويعتبر كلا البلدين أيضًا أن “الثورات الملونة” يجري تنظيمها بشكل غير شرعي من طرف القوى الغربية لتعزيز مصالحها الخاصة.
وعلى صعيد آخر تعتبر بكين “مبادرة الحزام والطريق” أداة رئيسة لتوسيع دائرة أصدقائها، فمنذ إطلاقها في خريف 2013 تطورت لتصبح منصة للتعاون بين البلدان، ولا يمكن اعتبار المبادرة مجرد وسيلة صينية لمعالجة القضايا الاقتصادية قصيرة الأجل من خلال تطوير البنية التحتية في الخارج؛ ولكنها أداة الصين لإعادة هيكلة الحوكمة الإقليمية والعالمية.
وفي ضوء المبادرة أسسّت بكين مؤسسات دولية جديدة، مثل البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية في عام 2014، بجانب منصات مبادرة “الحزام والطريق” للتحكيم في المنازعات التجارية، ومنتديات الحزام والطريق، وقد حضر منتدى الحزام والطريق الذي نُظم في عام 2017 أكثر من 20 رئيس دولة، بينما حضر في النسخة الثانية من المنتدى، عام 2019 أكثر من 30 رئيس دولة.
ومنذ عام 2014 كانت بكين تضغط أيضًا من أجل بناء شبكات بين المؤسسات المحلية من مختلف الأنواع تحت رعاية المبادرة، فجرى إنشاء شبكات من الموانئ، وتطوير المدن بمبادرة من الحكومة المركزية الصينية، وروجت لكل هذا العديد من مراكز الفكر الصينية، وبعض الجامعات الدولية.
وينشط الحزب الشيوعي الحاكم أيضًا في توطيد شراكاته وتبادلاته مع الأحزاب السياسية في جميع أنحاء العالم، وهو لا يتواصل فقط مع الأحزاب الشيوعية/الاشتراكية الأخرى، بل تشمل شبكة اتصالاته الأحزاب السياسية بجميع أنواعها، بما في ذلك الأحزاب اليمينية واليمينية المتطرفة.
كذلك لا يمكن إغفال أن بكين قد أبدت استعدادها، منذ عام 2015، لتقديم مزايا ملموسة للدول التي وقعت مذكرات تفاهم لمبادرة “الحزام والطريق”، أو تلك التي تستضيف مشروعات تمولها بكين على أراضيها، تشمل هذه المزايا الوصول التفضيلي إلى كبار مسئولي الحكومة الصينية، والقروض الصينية، والتقنيات الصينية أو اللقاحات والتجهيزات الطبية المضادة لكوفيد-19.
مكاسب بكين بلغة بالأرقام
على مستوى الأممي يبدو أن جهود بناء التحالفات الصينية قد آتت ثمارها، مع الأخذ في الاعتبار عدد الدول التي تمكنت بكين من حشدها لدعم مواقفها الأكثر حساسية في الأمم المتحدة. ففي قضايا شينجيانج وهونج كونج، تمكنت الدبلوماسية الصينية من جمع ما بين 50 و70 دولة لدعم مواقفها، إمّا لمعارضة البيانات المشتركة التي تنتقد موقف بكين بشأن هذه القضايا، أو للتوقيع على بيانات مشتركة تدعم مواقفها.
ففي يونيو 2021، عندما حثّت مجموعة مكوّنة من أكثر من 40 دولة غربية، بكين على السماح لرئيس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بالوصول الفوري إلى شينجيانج للتحقيق حول حقيقة احتجاز أكثر من مليون شخص هناك بشكل غير قانوني هناك، سارعت بكين إلى حشد أكثر من 65 دولة لمعارضة هذه الخطوة والوقوف ضد أي “تدخل في الشئون الداخلية للصين في منطقة شينجيانج”.
وتحرص الدبلوماسية الصينية بشكل خاص على إحصاء الدول التي تدعم مواقفها في الأمم المتحدة والوصول إلى أكبر عدد ممكن، حتى لو كان هذا يعني العد بطرق مختلفة، فعلى سبيل المثال كان الإعلام في بكين حريصًا في يونيو 2021 على التأكيد على أنه إلى جانب الدول الـ65 التي أعربت عن معارضتها للتدخل في شئون الصين في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فإن حوالي 25 دولة تخطط لتقديم خطب منفصلة لدعم الصين.
مما يجعل العدد الإجمالي المُنحاز للصين يصل إلى 90 دولة – وهو رقم كان من الصعب تأكيده، ومن المرجح أن يستمر “سباق الأرقام” هذا في السنوات المقبلة في وقت يتعرض فيه الدبلوماسيون الصينيون لضغوط غربية لتحقيق نتائج ملموسة.
ولكن الأمور لم تمض كما تريد بكين تمامًا؛ إذ ثارت اختلافات بينها وبعض الدول النامية حول العديد من القضايا، وأصبحت جهود بناء التحالفات الصينية في الأمم المتحدة تواجه مقاومة لأسباب مختلفة، أهمها يعود إلى التصور السائد بين الدول النامية بأن الصين نفسها لم تعد دولة نامية، ومثلها مثل القوى الكبرى الأخرى أصبحت متعجرفة تجاه “الجنوب”.
كذلك يبدو إن الدبلوماسيين الصينيين يمارسون ضغطًا شديدًا على نظرائهم عند التفاوض معهم في أروقة الأمم المتحدة، وتشير الملاحظات بوضوح إلى أنه في بعض الحالات كان دبلوماسيوها يتصرفون بطريقة انتهازية أو ترهيب.
لكن حقيقة أن العديد من البلدان تشعر بخيبة أمل بسبب سلوك بكين لا تعني تلقائيًا أنها ستعارض مواقف الصين في الأمم المتحدة؛ إذ يفضل الكثيرون البقاء “محايدين” قدر الإمكان، ففي الأمم المتحدة، يمكن تحديد مجموعتين أساسيتين في الوقت الحالي: مجموعة غربية، ومجموعة تلتف حول بكين وموسكو، وتشمل حوالي 20 دولة، وهذه المجموعة غالبًا ما تحاول تحرير المنظمة من الإرادة الغربية، لكن في قضايا حقوق الإنسان عموما تتحالف كل من بكين وموسكو مع دول مثل المملكة العربية السعودية.
وما بين هاتين المجموعتين نجد مجموعة ثالثة من الدول يُشكلون حوالي 50% من أعضاء الأمم المتحدة، وهم لا ينتمون إلى أي من الطرفين، إنما يعتمد سلوكهم التصويتي على طبيعة كل قضية على حدة، ويمكن اعتبار الهند عضوًا في هذه الفئة، بمعنى أنها متحالفة بشكل وثيق مع الولايات المتحدة في بعض القضايا، خاصة المتعلقة بمبادرة “الحزام والطريق” الصينية، وذلك لأنها تشعر بالكثير من الريبة تجاه المبادرة، ولكن في قضايا أخرى، مثل تغير المناخ أو حقوق الإنسان، قد تبدو مواقف الهند أقرب إلى مجموعة بكين وموسكو.
مستقبل تحالفات بكين حتى عام 2027
إن طموح بكين في تطوير شبكة عالمية من الشراكات هو نتاج لفترة طويلة من التفكير الإستراتيجي الداخلي، وقد أصبح أحد الركائز الأساسية لسياستها الخارجية، وبهذا المعنى، فمن المرجح أن يظل على رأس جدول الأعمال الدبلوماسي في السنوات المقبلة، ومن وجهة نظر بكين، فإن بناء شبكة من الشراكات هو عملية طويلة الأجل يجب أن تتطور تدريجيًا ويجري استكمالها بحلول عام 2050، مباشرةً بعد الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية.
وسمحت تعديلات الدستور الصيني في مارس (آذار) 2018، لشي جين بينج بالبقاء رئيسًا بعد سنواته العشر الأولى في السلطة (2012-2022)، لذلك فالاحتمال الأكثر ترجيحًا أن يظل شي في السلطة لمدة خمس سنوات إضافية على الأقل، أي حتى عام 2027 (وربما إلى أجل غير مسمى)، وفي ضوء ذلك من المُرجح أن تستمر سياسة التحالفات الصينية الحالية إلى هذا التاريخ على أقل تقدير.
وقد مالت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى التقليل من حجم طموح بكين في توسيع دائرة أصدقائها، وحتى عندما يجري الاعتراف بهذا الطموح، غالبًا ما يُنظر إليه على أنه محكوم عليه بالفشل، ورغم أن جائحة كورونا قد أدت إلى تدهور صورة الصين في عدد كبير من البلدان، بما في ذلك في أوروبا، ولكنها أدت أيضًا إلى رفع مستوى علاقاتها مع عدد لا يقل أهمية من البلدان الأخرى.
لماذا لن تتمكن الصين من زحزحة أمريكا عن عرش العالم قريبًا؟
لذلك فإن العامل الرئيس الذي يمكن أن يُقيِّد جهود بناء التحالفات الصينية في السنوات القادمة سيكون ظهور خلافات جديدة وحادة بين بكين وموسكو، والتي لم تظهر حتى الآن؛ إذ تظل العلاقات الثنائية بينهما ركيزة أساسية لمساعي بكين لبناء التحالفات، مستندين إلى الاستياء المشترك ضد “الغرب” والرفض المشترك لحلف الناتو.
فقد تكثف التقارب الصيني الروسي تحت قيادة كل من شي جين بينج وفلاديمير بوتين، اللذين التقيا شخصيًا 38 مرة منذ تعيين شي جين بينج سكرتيرًا عامًا للحزب الشيوعي الصيني قبل 10 سنوات، وفي حالة تغيير النظام أو القيادة في موسكو أو بكين، يمكن أن يتآكل الأساس المفاهيمي للتقارب الصيني الروسي، وقد لا تكون جهود التحالف المشتركة مدعومة بقاعدة أيديولوجية قوية، لكن هذا السيناريو لا يزال غير مرجح حتى الآن.
كذلك ترتبط قدرة بكين على حشد التعاون والدعم الدوليين، بنفوذها الاقتصادي؛ إذ تمتلك بكين حاليًا ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وقد يصبح الأول قبل عام 2030، وإذا استمر الاقتصاد الصيني في النمو، فقد يقنع البلدان بسهولة أكبر – وأهمها الدول الناشئة – للانضمام إلى شبكة شراكاته من خلال الحوافز والإغراءات المختلفة.
ولا يزال الاستثمار الصيني جذابًا للعديد من البلدان، حتى لو أدت العديد من مشاريع البنية التحتية الرئيسية – مثل سريلانكا أو الجبل الأسود – إلى زيادة الوعي بخطر الاستدانة للصين، فعلى الأرجح، ستستمر بكين في الترويج لمنتجاتها وخدماتها التكنولوجية لعدد كبير من البلدان، والتي قد تكون بعد ذلك معتمدة على بكين من أجل التطوير طويل الأجل وصيانة بعض بناها التحتية الحيوية.