الرئيسة \  واحة اللقاء  \  كيف تستخدم روسيا الورقة الكردية؟

كيف تستخدم روسيا الورقة الكردية؟

01.11.2017
علي حسين باكير


العرب
الثلاثاء 31/10/2017
شهدت المنطقة خلال الفترة الماضية العديد من الأحداث المهمة التي ارتبطت بشكل أساسي بوضع الأكراد في سوريا والعراق. دفعت هذه الأحداث القوى المحلية والإقليمية والدولية إلى اتخاذ مواقف علنيّة، وتحديد خطوطها الحمراء، وحدود ما هو مقبول أو غير مقبول في سياق صراع القوى، والنفوذ الجاري في كلا البلدين وعليهما. وحده الموقف الروسي كان الأكثر ازدواجيّة وغموضاً في نفس الوقت، وهو ما يطرح تساؤلات مشروعة حول سبب هذه الازدواجية وأهدافها.
عندما قامت تركيا بإسقاط مقاتلة روسية في نوفمبر من العام ٢٠١٥، استخدمت روسيا الورقة الكردية في وجه أنقرة، ففتحت مكتباً تمثيلياً لميليشيات (بي واي دي) في موسكو، ورُفِعَت في صدر المكتب خرائط تشير إلى اقتطاع الشمال السوري ضمن الطموح الكردي الصاعد. لكن ما إن تمّ تطبيع العلاقات بين البلدين، حتى قامت موسكو بتعديل موقفها بشكل ساعد الجانب التركي على احتواء خطر الميليشيات الكردية على حدودها الجنوبية بشكل مؤقت.
لم يكن ذلك بمثابة تخلٍ نهائي لموسكو عن الورقة الكرديّة، فهي تدعم إعطاءهم المزيد من الصلاحيات الموسعة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية تحت مسمى "الفيدرالية" بشكل يتضارب مع حدود دولة سورية موحّدة، وقد عكست تصوراتها في هذا الإطار في مسودة الدستور الذي أعدته لسوريا، وفي مبادرات أخرى "كمؤتمر شعوب سوريا" لكن ذلك لم يمنعها من تهديد قوات سوريا الديمقراطية التي تشكّل ميليشيات (واي بي جي) الكردية غالبيتها العظمى، أو ربما قصفها بالفعل.
في نفس السياق، كشف الاستفتاء الذي أجراه إقليم كردستان العراق في سبتمبر الماضي عن ازدواجية روسية مماثلة، إذ أصدرت موسكو حينها بياناً تدعم فيه وحدة الأراضي العراقية لكنها أكدت في نفس الوقت على احترام التطلعات القومية للشعب الكردي على حد قولها. وعندما أجرى وزير الخارجية العراقي زيارة إلى موسكو للحصول على دعمها للإجراءات التي تقوم بها الحكومة العراقية، دعا لافروف الأكراد إلى العمل مع الحكومة المركزية لكنه عبر عن تفهمه لـ "آمال الشعب الكردي فيما يتعلق بكفاحهم لتعزيز هويتهم وإدراكهم للذات"، ورفض كذلك إغلاق القنصلية في أربيل أو قطع العلاقات الاقتصادية الروسية مع إقليم كردستان العراق.
لا شك أن هناك من يعتقد في موسكو أن هذه الازدواجية ستساعدها على تعزيز نفوذها في ظل التشظي الشديد الذي تشهده المنطقة ودولها. لطالما كانت الأقليات القومية والطائفية والدينية مدخلاً لتحقيق مثل هذا الهدف حتى في ظل الدولة الموحدة، أما وقد أصبحت معظم دول المنطقة فاشلة، أضحت الحاجة إلى إقامة علاقات قوية مع هذه الأقليات عنصراً ضرورياً لتوطين النفوذ الخارجي والموقف الروسي من الأكراد لا يخرج عن هذا الإطار.
مع تراجع موقع ودور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وتصاعد الدور الروسي مؤخراً، تكتسب العلاقة مع الأقليات بعداً خاصاً في السياسة الخارجية الروسية. موسكو لا تريد أن تترك الورقة الكردية في المنطقة لواشنطن فقط، وتسعى إلى استخدامها في ظل المزاحمة المتواجدة في الأدوار والنفوذ بين اللاعبين الإقليميين والدوليين في العراق وسوريا. وفي هذا السياق، لا تدخل العلاقة بين روسيا والمكوّن الكردي في هذه البلدان في إطار الاكتفاء بتحقيق الأهداف المذكورة أعلاه فقط، وإنما من الممكن استخدامها لاحقاً في إطار التحكم بسلوك ودور المكونات الداخلية في البلدين، أو في سلوك ودور اللاعبين الإقليميين كتركيا وإيران.;
========================
عقدة إيران في المنطقة
فاطمة ياسين
العربي الجديد
الثلاثاء 31/10/2017
كان على رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، أن يجد له موقعاً يجعله قريباً من أميركا وإيران في الوقت نفسه، وهي مهمةٌ دائمة لأي رئيس وزراء عراقي سابق، أو حالي، وربما مستقبلي. للولايات المتحدة فضل "أخلاقي" في تخليص العراق من حكم صدام حسين، ولها فضل عسكري في تدريب الجيش العراقي وتسليحه بشكل شبه كامل، فالسلاح المتوفر في العراق جاء عن طريق أميركا، وما زالت للأخيرة مواقع عسكرية ودبلوماسية، وهي تقدم المشورة والنصائح للحكومات العراقية. وفي النهاية، هي الدولة العظمى التي يتمنى أن يعيش في كنفها كثيرون. ولا يمكن لدولةٍ في مثل ظروف العراق أن تكون بعيدة عن هذه الأمنية. أما إيران، فلها تطلعات توسعية واضحة في الإقليم، وتطمح أن يدوم توسعُها طويلاً، وهي تعمل بكدٍّ، لتبقي العراق تحت سيطرتها، إلى جانب سورية ولبنان. وضمن هذا التجاذب، يجد رئيس الوزراء العراقي نفسه أقرب إلى إيران، مدفوعاً برغبات يمليها عليه الشارع، تشكلت على هيئة حشود شعبية، ساهمت بشكلٍ ما في تقليص نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية.
سورية الواقعة ضمن دائرة الطموح الإيراني، يتقدّم جيش "نظامها" على معارضيه، معتمداً بشكل كبير على القوات الإيرانية، أو القوات التي تقدّم لها إيران كل شيء، وهذه القوات بالذات تحولت إلى إيديولوجيا عسكرية، تحاول فرض شعارات الراعي الإيراني في كل مكان تحل فيه. وفي لبنان، لا يُخفي حزب الله أن الإيرانيين يشكلون مصادر تمويله وتسليحه، ولا يخفي شعاراته ولا توجهاته.
تشكل هذه الدول الواقعة تحت النفوذ الإيراني رقعة جغرافية واسعة، تفوق مساحتها ما كان يسيطر عليه تنظيم الدولة الإسلامية، وهذا يعني تهديداً محلياً هائلاً يجعل القلق السعودي مبرّراً، ويفسح المجال أمام تململ رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو. ويعوّل رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، على هذا القلق المشترك من حليفين له في المنطقة، ليواجه به إيران بعد أن أطلق بالون اختبار، برفضه التوقيع على التزامها بالاتفاق النووي، والصد الذي واجهه من شركائه في أوروبا، جعله يمضي نحو الشركاء الإقليميين.
تحتم مواجهة إيران العملَ على فك ارتباطها مع العراق. وتحت هذا العنوان، جاءت زيارة العبادي إلى السعودية. أصابع الضغط الأميركي واضحة على تلك الزيارة، وخصوصا أن العبادي لم يقض في بغداد إلا ليلة واحدة، يمم بعدها شطر طهران، الأمر الذي يعكس بداية التمرد، أو شكلاً من المقاومة، لمحاولة جذب العراق إلى وسطٍ مختلفٍ عن البيئة الإيرانية. وتحت هذه الرغبة بالذات، حطت الطائرة السعودية في مطار بغداد، بعد قطيعة العقود الثلاثة. وعلى الجانب السوري، الموقف الأميركي من النظام محكومٌ بمدى تقارب هذا النظام مع إيران، والعلاقة التاريخية بين نظام الأسد وإيران معروفة وشهيرة. وفي مواجهة حزب الله، استخدمت الولايات المتحدة سلاحاً قديماً وتقليدياً، أثبت أنه غير فعال بما فيه الكفاية، وهو سلاح العقوبات، وإن توسّع هذه المرة، ليشمل المكون السياسي لحزب الله، المتمثل بوزرائه ونوابه، وكذلك حلفائه والمتعاطفين معه.
العداء الأميركي الإيراني قديم، ويعود إلى تاريخ نشوب الثورة الإيرانية، وانتصار العمائم فيها. والطموح الإيراني أيضاً قديم يعود إلى زمن الخميني، وشعارات تصدير الثورة الذي خُفف إلى اتفاقيات تعاون، ومشروعها علني، وتعمل عليه بالقوة أحياناً، كحربها ضد العراق عام 1980، أو بالدبلوماسية كاتفاقية السلاح النووي أخيرا مع أميركا التي لم تحقق حتى الآن أهدافها في إخضاع إيران، أو إجبارها على تخليها عن مشروعها، والبديل المتوفر عن محاولة اجتراح المعجزات هو وجود مشروع مختلف، مغاير، يقوم على التعاون بين الجميع، ما يحتاج إلى تغيير التكتيك المستخدم مع أنظمةٍ معطِلة في الإقليم، كالنظام السوري. ويضعنا هذا الأمر في وسط الحلقة المفرغة التي ندور فيها منذ سنين.