الرئيسة \  مشاركات  \  كيف تنتصر ثورة سوريا

كيف تنتصر ثورة سوريا

20.05.2013
د. يوحنا أبوحرب


ليس هناك وصفة سحرية أو تعويذة نقرأها؛ وليس الأمر " تعلم الانكليزية باسبوع !" . اقدم ها هنا مجموعة من الأسئلة، علّنا بالاجابة عليها بصدق ومنهجية نصل إلى مشروع يخرج بلدنا من مصير مروّع اقله الشلل المديد .
ماذا لو انتصر النظام على الثورة؟
ماذا لو أي من الفريقين لم ينتصر؛ وانتهت سوريا بفعلهم ؟
كيف ينتصر الشعب، وينهزم النظام، وتبقى سوريا؟
 سؤالنا الأول مخيف ، ويبعث على الاحباط ، ولا نحب أن نسأله ؛ ولكن لو كانت نسبة هذه الاحتمالية في ذهننا واحد بالمئة ، علينا أن نفكّر بها إن أردنا نفيها قطعياً . بداية ، كي نصل إلى إجابة علمية على هذا السؤال ، علينا طرح سؤال آخر فيما إذا كان النظام لا يزال يمتلك مقومات الانتصار .
 ندرك في المقام الأول أن هذا النظام قد صُمّم لا لينتصر على اسرائيل التي تحتل الأرض السورية بل لينتصر على كل من يمكن أن يقوّض أركانه وخاصة حرية الشعب السوري. من هنا نراه عندما استشعر خطر الشعب ، لم يتردد بقمعه حتى بالسلاح الكيميائي ؛ ولم يتردد بخسارة الورقة التي كان يزايد فيها على الجميع والمتمثلة بحزب الله ، عندما زجّه في عملية قتل الشعب السوري ؛ وهو أيضا لم يتردد بفضح علاقته باسرائيل كي يخيف الشعب السوري . النظام ليس غبيا إلى هذه الدرجة كي لا يرى اصطفاف قوى الطغيان العالمية المتمثلة بروسيا وأمريكا معه.
 من جانب آخر يدرك هذا النظام إلى اي درجة كان قد دمّر الحياة السياسية وخرّب النسيج الاجتماعي والأخلاقي في سوريا. لا بد وان نعترف ايضاً أن النظام لا يزال يمارس سلطته ، (حتى لوقلنا إنه يعيش منفصما عن الواقع ) فهناك مراسيم تصدر، ومؤسسات تعمل ، ورواتب تصل ، وآلة إعلامية تضخ كذبا وحربا نفسية يذهب كثيرون ضحيتها بما في ذلك بعض أهل الثورة . علينا ألا ننسى ايضا أن هناك آلة إعلام عالمية جبارة تسوّق لعميلها . أيظن احد ان القنوط والإحباط والتشاؤم الذي يحل بالبعض آتٍ من فراغ؟! ألا يدخل الاعتداءالاسرائيلي الأخير على سوريا ضمن هذا السياق حصراً ؟(فقط لتعزيز النفاق حول المقاومة والممانعة )
 إذا دخلنا في المقومات العسكرية علينا أن نعترف ايضا بان النظام لا يزال يقاتل على جبهة لا تقل بكثير عن ثلاثمائة وستين درجة ؛ فلا تزال طائراته وصواريخه تصل إلى معظم مناطق سوريا وتنشر الرعب والنزوح والاشلاء .
 على صعيد دولي ظاهر؛ هل يستطيع احد أن ينكر أن حلفاء النظام العلنيين لم يتغيّر موقفهم معه درجة واحدة ؟ هذا إن لم نتحدث عن التحالف الباطني بينه وبين اسرائيل مرورا باوربا وصولا إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وهل يأتي إصرار { أصدقاء سوريا } على عدم تسليح المعارضة من فراغ ؟! كلهم يعرفون استعداد هذا النظام لتأمين مصالحهم على حساب شرف سوريا وسيادتها التي طالما تاجر بها . لا أدري إلى أي درجة يفيدنا الحديث عن الاشمئزاز من تواطؤ هذا العالم معه .
 ما يثير الاشمئزاز فعلا ، ويشكل خطرا حقيقيا على ثورة اهل سوريا؛وما قد يشعر النظام بانه غير قابل للهزيمة هو تلك المعارضات التي تكاد تنقل تشرذمها إلى الداخل السوري وتحديدا على الصعيد العسكري .
 { لدي الكثير في هذا السياق ولكن أوفره حرصا على أرواح ومشاعر ومعنويات الشرفاء الذين يستحقون التقديس ؛ وأقدمه مقترحات حلول لاحقا في سياق كيفية الصمود والانتصار }
أخيراً وليس آخرا ، لو انتصر النظام على الثورة ، فانه يعد سوريا بالانتقال من النظام الأمني القمعي القاتل لشعبه المتعامل مع عدوه إلى نظام تشبيحي ساقط أخلاقيا وانسانيا بشكل سافر وعلني بامتياز . سيحكم سوريا إن انتصر هذا النظام عصابات من القتلة الطائفيين المتمرسين فاقدي القيم الأخلاقية الذين سيكونون وصمة عار على جبين البشرية وليس فقط على جبين من تسبب بمجيئهم .
****************
سؤالنا الثاني يقول : ماذا لو كان المهزوم سوريا الدولة والوطن والأم والكيان والسيادة؟ لقد فعل الدكتاتور المقبور بسوريا فعلة لم يفعلها أحد من قبله . ولم يكن هناك أي خيار أمام ابنه الا أن يسير على تلك الخطى الشيطانية . لقد ربط النظام كل السلطات به وربط تلك الذات الشيطانية الدنيئة بسوريا ؛ كما وضع كل المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بيد منظومته الامنية . لقد أخذ هذا النظام سوريا رهينة رابطا إياها عضويا بمصيره ؛ بحيث تسقط إن هو سقط . من هنا أتت شعاراته " الأسد أو نحرق البلد " أو " النار في سوريا - أي النار في النظام – ستكون ناراً في كل الجوار " وغيرها من المقولات الارهابية الابتزازية .
 رغم كل تلك الاستعدادات والاجراءات الاجرامية إلا أن تلك المؤسسات التي بناها أهل سورية بدمهم ودموعهم وتضحياتهم تنهار أمام اعينهم . اخص تحديدا في هذا السياق المؤسسة العسكرية التي ما تصوّرها سوري يوما إلا حامية للحمى ومستعيدة للحق الذي اغتصبته اسرائيل. لقد حدث انكشاف عسكري سوري أمام مغتصب الأرض ؛ فلم يعد هناك سلاح لم يُكشَف النقاب عنه وخاصة تلك الأسلحة ذات الطبيعة الاستراتيجية. لقد زج النظام العميل المجرم ذلك الجيش الذي احتظناه بعيوننا من اليوم الأول للحراك الشعبي السوري في حرب تدميرية لا اخلاقية ولا وطنية وغير مقدسة ضد الشعب. فما معنى أن ترى طائرة سورية تتهاوى وتفرح ؟! وما معنى ألا تثور كل خلية في السوري عندما يرى اسرائيل تدمر مواقع سورية؟! لقد تعهّر وتآكل هذا الجيش ؛ وكي تعيد سورية بناءه تحتاج إلى سنين وسنين.
 سورية ليست جزيرة معزولة أومحايدة ؛ سورية دولة قضية ؛ سورية دولة يحتل الصهاينة جنوبها الغربي المتمثل في الجولان وفلسطين ؛ هذه السورية لا تستطيغ إغفال المطامع التركية في شمالها ، ولا طموحات البعض في إقامة كيان لهم في شمالها الشرقي ؛ سوريا هذه قد تتعرض لاقتطاعات من غربها بحجة وجود لبنانيين في تلك المناطق ؛ وهل جنوبها بالمناسبة آمن تجاه بعض الطموحات بحورانها الخصب وبعض منابع مياهها؟! ألا يؤسس ذلك لبعض التعقيدات المستقبلية التي يصعب الخروج منها إذا ما استمرت هذه الارتباطات الطارئة الاجبارية اقتصاديا واجتماعيا ؟ إذا كان هذا هو مصير الأطراف ، أليس حري بنا أن نتوجس تجاه مطامع اسرائيل في قلب سوريا الذي ينبض بتهالك على بعد أربعين كيلو متر من طموحات الصهاينة التاريخية ؟ هل نستبعد أي من هذه الاحتمالات في ظل تآكل قوة هذا النظام الأرعن المجرم غير المسئوول وفي ظل شرذمة الثورة التي قد يُتَرْجَم فعلها على الأرض قيام كنتونات هشة يحكمها التطرف والقتل وتجار الحرب ؟! وهل هذه الضحية ،سوريا،بعيدة عن تدخل أجنبي ربما ينتظر حالة الشلل هذه ليثبّت ذلك الأمر الواقع الكريه؟
 الصورة القاتمة المرعبة أعلاه قد تحدث عند اندحار الفريقين ؛ النظام والثورة معاً . معروف أن النظام سقط فعلا عند اطلاقه أول رصاصة على صدر سوري. لقد تجاوز النظام بدمويته أي احتلال أو غزو غاشم ؛ واتخذ أهل سوريا قرارهم باسقاطه بالمطلق ولو مدوا ما تبقى لهم من أيدٍ إلى الشيطان . لقد دفع إجرام النظام بالكثيرين إلى الانشقاق ، وخاصة على الصعيد العسكري ؛ حتى الصامتين والمحايدين لا مكان لهذا النظام في اعماقهم . القلة الباقية علنا هي هناك بفعل الخوف والمصلحة أو الغباء أو قلة الوجدان فقط .
 قد يأتي اندحار النظام على يد الجيش الحر إن توفرت له امكانية تحييد القوة الجوية والصاروخية التي بدات فعلا تتآكل؛ وللأسف قد يكون ثمن ذلك دمارا للعاصمة ونهاية لمؤسسات الدولة ، والجدير بالذكر ان سيناريو تدمير دمشق ومؤسسات سوريا موجود سلفا لدى النظام منذ سنين ؛ ومن هنا ربْطه ثمن دماره بتدمير سوريا.
 الاحتمال الآخر الذي حسب النظام حسابه في الأشهر الأولى لانتفاضة سوريا هوالانقلاب الداخلي ؛ وهنا لابد وأن أخمن بأن من قتل خلية الأزمة إياها ليس إلا النظام ذاته ؛ وهذا ليس انتقاصا من قدر فعل الثوار ، ولكن تلك المجموعة كانت الأكثر أهلية للقيام بهكذا مهمة ، ومن هنا ربما أتى القرار بإزالتها استباقياً . لو كان ذلك ممكنا لحدث من خلال بعض الاتصالات المحتملة مع رؤوس الصف الأول ، ولكن أكبر راس فيهم بعد آصف شوكت لا بد وأنه محاط بعدة طبقات حامية من هكذا احتمال . يبقى أن يتم أمر كهذا بترتيب مع العائلة أوالحلقة الضيقة جداً ؛ أي نهاية النظام ونجاة تلك الحلقة.
 الأخطر من هذا وذاك ، وحتى من التدخل العسكري للناتو في سوريا هو ان تنجز اسرائيل مهمة الإجهاز على النظام ؛ كما صرح بعض مسئووليها مؤخرا . ذلك سيوشح اهل سوريا بالعار الأبدي الذي عليهم إعتبار بقاء النظام أهون منه . أعتقد أنه صعب على السوري قبول اغتصاب أخته أمام عينه نكاية بزوجها الذي يكرهه . إحتمال الناتو واحتمال اسرائيل ممكنان للإجهاز على النظام ؛ ولكنهما الأخطر على سوريا المستقبل . هذا في البعد النفسي الاجتماعي ، فما بالك بالكوارث البشرية والاقتصادية والبنيوية وما سيتبع ذلك من تشرذم سياسي وعسكري وسباقات رخيصة على الاستيلاء على السلطة لتدخل سوريا من جديد في غياهب الاستبداد .
كل ذلك يدور في العقول ويولد حالة من الضياع والوجع والاحباط والتقاعس والموات القهري التراجيدي للثورة تعجز كل مسرحيات الكون في رسمه بما في ذلك ابداعات الإغريق المسرحية.
بعد هذا التصوير القاتم ، الذي يكاد أن يذهب بسوريا وأهلها إلى الثقب الأسود ؛ هل هناك بصيص نور في آخر النفق ؛ وهذا هو سؤالنا الثالث ؟! بكل ثقة وموضوعية وعلمية ؛ نعم .
***************
 بداية وكما ذكرت أعلاه ، ليس هناك وصفة سحرية ؛ وما من دعاء أو تعويذة تحقق لشعب سوريا وثورته الانتصار سحريا على طغمة تحتل سوريا مدعومة من قوى الطغيان إقليميا وعالميا. علينا بداية أن ندرك بان مشوارنا قد لا يزال طويلا . قد لا ينفعنا كثيرا الاستمرار بتقريع النظام ووصفه بنعوت الاجرام والسفالة ؛ فالوسخ لا يهمه أن تقول له وسخاً ، ومن يداه ملوثتان بالدماء لا يضيره أن ترشقه بالماء. لم يعد أحد يسمع صراخنا . حتى من يسمعنا يسعى إما إلى كتم أنفاسنا أو إلى الخروج بمخططات خبيثة ليربكنا او يدمرنا أكثر. لا ينفعنا أن ننتظر أحدا أن يخرج سوريا من محنتها . قالها الثوار الحقيقيون بكل سجية وبساطة من اللحظات الأولى للحراك الثوري . علينا أن ندرك أن نجاح ثورتنا لن يطيح بالنظام فقط بل أمر يسعى الكثيرون أن يحولوا دون تحققه؛ لانه سيكون سابقة عالمية ومنارة هداية ثورية لكل شعوب العالم .فما معنى ان ينتصر شعب مطالب بالحرية والديمقراطية رغما عن أنف طاغوته وعن محافل القمع العالمية؟!
 من جانب آخر لا ينفع أن يجلد واحدنا الآخر . إن مجرد قناعتك ووعيك وربما قتالك من أجل إزاحة هذا النظام كافية لمنع أي منا أن يوجه جلدة أو تقريعا للآخر.ألم نصل بعد إلى قناعة أن النظام تدعمه ماكينة عالمية تسعى بكامل قوتها لتشويه مانحن عازمون عليه ولزرع الإحباط والتردد والشرذمه داخلنا وبيننا؟! هل نغفل عن كثيرين تغلغلوا في صفوف الثورة مكلفين رسميا وبكل دهاء وخبث ليقتلوا ثورتنا من داخلها ؟! هل نعرف ما يكفي عن نظام عدو لنا وُجد أساساً ليطوعنا ويدجننا ويمنعنا ان نكون أحرارا لكي نحرر أرضنا التي تعاقد مع المحتل على القيام بذلك مقابل بقائه بالسلطة؟! ببساطة ، من فعل معظم الأفعال الشائنة المجرمة من سرقات واغتصابات ....بهدف إلصاقها بالثورة إلا هذا النظام المتمرس بالجريمة؟! لن أزيد ؛ ربما يعرف الكثيرون أكثر مني عما حدث .
 الآن أنتقل إلى بعض مقومات انتصار الثورة. أول هذه المقومات يتمثل بالصمود الاسطوري لشعب سوريا. لقد اذهل هذا الشعب كل من سمع بما يحدث في سوريا . اهل سوريا مصممون على متابعة مشوارهم مهما كانت الأثمان وربما لسبب سليقي يكمن بادراكهم أن بقاء النظام ، حتى ولو كان مشوها ، سيصليهم عذابا يفوق الذي مروا به حتى ولو خرجوا يوميا بمسيرات تأييد له . من جانب آخر ، يعزز صمود ثورة أهل سوريا صمود الحاضنة الشعبية التي تستحق التقديس . للاطمئنان ؛ تدرك هذه الحاضنة أن العذابات التي تمر بها هي الثمن الغالي للحرية والكرامة وبناء دولة سوريا الغد .
 على صعيد سياسي ؛ هذه الثورة تحتاج إلى تنظيم سياسي يعبر عنها خير تعبير . تنظيم أول صفاته ألا يكون شبيها للنظام الأشوه الذي حكم سوريا لعقود. تنظيم يمتاز بالشفافية والإيثار والوعي والقوة والوطنية . تنظيم يستلهم بحق أرواح شهداء ثورة سوريا فيه الصادق والخبير وصاحب الشيم والمناقبيات والمحب للوطن وللاخر. تنظيم يمثل روح سوريا الطاهرة ... لله لا للجاه ولا للدجل والتآمر والكذب . تنظيم يوّحد القوى العسكرية المقاتلة على الأرض بقيادة مدنية – عسكرية مشتركة تحد من أي تجاوز وتستوعب بحزم ذوي الاجندات الخاصة مجيّرة طموحاتهم نحو بناء سوريا الغد التي تفيدهم أكثر من مكاسب مؤقتة ومشبوهة . تنظيم تعمل قيادته على حماية وإدارة الموارد الانتاجية والخدمية في المناطق المحررة بكل أمانة وشجاعة وعقل . تنظيم يحرص على التواصل مع القوى المدنية والعسكرية السورية التي لا تزال غير منخرطة في الثورة ؛ ويكون اول عناصر مقاربة هؤلاء إقناعهم بجدوى ما سيخرجون لأجله من خلال سلوك وعمل هذا التنظيم . هذا التنظيم يجب أن يدرك أن معركته الكبرى تبدأ بعد زوال هذا النظام وتتمثل بدحر المخططات الخبيثة المتربصة بسوريا .
 بعد تشخيص الواقع القائم ومواصفات المطلوب لا بد من اتخاذ الخطوة التالية والبدء بمهمة عاجلة تحدد ما يجب فعله تجاه ما يسمى "جنيف 2" . بداية يجب ألا يغيب عن الأذهان أنه لو قصد الأمريكيون والروس أن يضعوا حلاً للمسألة السورية وبسرعة ،كان بإمكانهم أن يفعلوا ذلك منذ زمن ؛ ليس فقط بالشكل الذي ينشده شعب سوريا المطالب بحريته وبحق ، بل بناء على ما تنص عليه الشرعية الدولية وبناء على ما تتبجح به أمريكا ذاتهاعلى الدوام بخصوص الحرية وحقوق الانسان . ماكان الأمر يحتاج إلى أكثر من تلويح بقرار دولي [ مجرد تلويح] حتى تُحسم الأزمة . كان بامكان أمريكا وعالم الناتو من خلفها ان يطلقوا مجرد تصريح جاد لارتعدت مفاصل النظام الجبان ولتمّ التوصل إلى حل أيضا منذ زمن . باختصار الكل - باستثناء الشعب السوري الثائر- أراد إطالة المأساة كي يبقى نظام العمالة أو تتحوّل سوريا الى حالة كسيحة . من هنا لا بد من أن نستنتج أن الروس والأمريكيين قد توصلوا الى قناعة مفادها ان سوريا لا بد وصلت الى حالة الكساح التي نشدوها ولكن هناك خشية حقيقية من امتداد النار الى محيطها . ومن هنا خرجوا بهذا الاقتراح الخطير وهم يدركون ان ذلك في مصلحة النظام لانه المأزوم لكن الأكثر تنظيما ممن يعارضه ؛ ولأن المعارضة في طريقها إلى إنجاز هدفها ولكنها مبعثرة .
 ترى المعارضة ومعها الثائرون في سوريا ان المشكلة في المؤتمر تكمن بمن سيجلس على الجانب الآخر من طاولة المفاوضات أو الحوار . لن يجلس على ذلك الجانب الآخر إلا من يمثل ويأتمر بأوامر بشار الأسد ونظامه . السؤال الآن ، هل يجلس وفد المعارضة مع ممثلي النظام القاتل أم يرفض . إن جلست المعارضة فهي بنظر الكثيرين تغضب الشعب السوري الذي ثار على ظلم النظام وتخون دماء وأرواح من قضوا ثمناً للحرية ؛ وإن لم تجلس فهي تغضب قطبي العالم القويين اللذين اتفقا على هذا المشروع . فما المخرج ؟ على المعارضة أن تحدد بداية فيما إذا كان لشعب سوريا مصلحة في مؤتمر كهذا . إذا كان هاجس الشعب السوري الآن أن يتوقف زهق الأرواح ونزف الدماء ؛ فهذا انجاز ؛ ولكن هل ثار شعب سوريا لينزف كل هذا ثم يعود الى أطلال بيته ؟ وهل مضمون أن يرفع النظام يده عن الزناد ؟ هل فعلها خلال ستة وعشرين شهرا ؟ هل يستطيع اساساً؟ أنتصور أن النظام لا يدرك أنه بمجرد رفعه يده عن الزناد ، ينتهي ؟
بناء على هذه الأفكار البسيطة ؛ لا بد من النظر بالامور التالية ، علها تكون نقاط هداية لما سيكون عليه القرار بخصوص مؤتمر جنيف 2
* الخشية من غضب أمريكا أو روسيا ومن لف لفيفهما يجب ألا يكون ذا شأن . هما غاضبان على أية حال . لم يتركا وصفاً رديئا أوعبارات محبطة إلا وألصقوها بالمعارضة السياسية التي يفترض أنها تمثل الحراك الثوري في سوريا . تعجبهم المعارضة عندما تكون طوع بنانهم الخبيث ؛ وما أظنها تشتري رضاهم وتبيع قداسة شهداء سوريا وتضحياتها. إن كان هذا هو التخوف فلننساه . إرادة الثورة أقوى منهم بكثير ، ولذلك يلهثون وراء إنقاذ نظام الظلم عميلهم ؛ ويحاولون إخافتنا وتشويهنا بقدر ما يستطيعون .
* في مسألة من يحضر المؤتمر إضافة للدول دائمة العضوية في مجلس الأمن ؛ ليحضر من يحضر :ايران ، السعودية ، تركيا ، ألمانيا ، قطر ، جزر القمر ؛ هذا ليس مهما ؛ علينا ألا نسمح بأي تعقيد أو ذريعة يبحث عنها من يريد " استمرار خراب بلدنا أو بقاء النظام ".
* في مسألة تمثيل الثورة ، أرى أن خير من يمثلها هو فريق من الشهداء ؛ ولكن ذلك مستحيل . ومن هنا على من يمثلها أن يضع في حسبانه أنه ينطق باسم الشهداء وبروح تضحيات وألم ودمار وتشرد اهل سوريا والظلم الذي واجهوه على يد النظام الطاغي والعالم الصامت على إجرامه . فليكن من كان ذلك الفريق ؛ فقضيته لا تحتاج إلى براعة نادرة ولا إلى تمثيل واسع ولا إلى ترتيبات تحت الطاولة ولا إلى " كولكة " وحذلقة وكذب . إنها القضية الأوضح التي لا تحتاج أمثال الجعفري .
* إن كان لا بد من ذلك فليتم اختيار عدد من الأشخاص دون أن يصرَّ أو يتمسك أحد برأيه ودون أن يظن أحد أن وراء أي إسم غاية او مصلحة ؛ ويجب ألا يغضب أو يزعج أحدا غير الأناني الذي لاعلاقة له بثورة سوريا أي مجموعة تتشكل طالما أن هاجسها انتصار الثورة وسلامة سورية وإزاحة الطغيان .
 
* أيضاً إن كان لا بد من ذلك ، وبعد تسليم الأسماء لرعاة المؤتمر تعبيراً عن الإيجابية وعن حسن النية لا بد من الطلب من الراعيين ، وخاصة روسيا ، أن تبلغ النظام بتقديم مبادرة حسن نية بالمقابل تتمثل بوقف القصف الجوي والصاروخي لمدة اسبوع واطلاق سراح المعتقلين ؛ وإن لم يشهد العالم حدوث ذلك فالمعارضة معذورة عن عدم التجاوب مع دعوتهم الكريمة .
بالمناسبة ؛ أقول وبكل صدق وصراحة إن النظام لن يتمكن من تنفيذ هذا الطلب المنطقي الذي تطرحه المعارضه .إنها نهايته الطبيعية إن فعل ذلك ؛ فلنتركه في زاوية حرج وصراع مع حُماته ؛ ولنتابع حصاره في الداخل وفي محيطه أيضا ؛ وهذا ما أقترحه بخصوص مقاربة بعض المسائل مع الدول المنخرطة في المسألة السورية بدرجة أو أخرى .
على المعارضة تشكيل مجموعات تذهب كل منها الى الدول المذكورة ادناه وتوصل إليها رسائل جريئة ومحددة ؛ ويتم ذلك بوقت عاجل ؛ وأبدا بروسيا وأمريكا المعنيتان مباشرة بما يسمى جنيف 2 :
 
 
إلى روسيا
 " ندرك مدى علاقتكم وتأثيركم على النظام وربما كان حري بنا أن نفاوض النظام عبركم وليس معه مباشرة لأنكم تعرفون أي نظام هو وتستمرون بدعمه ؛ ونحن حريصون ألا تسوء سمعتكم عالميا بسبب دعمكم للظلم ، ومؤكد أن هناك من يريد لكم الغوص أكثر في وحل إجرام النظام ؛ ولكن نقديرا واحتراما للعلاقات التاريخية بين بلدينا وتطلعا الى علاقات أفضل وأصدق مع شعبنا الذي ينشد الحرية وانتشالا لكم من هذه العلاقة مع القتل ؛ فاننا نعد بان تقوم بين بلدينا علاقات مبنية على الشفافية والاحترام والصدق . نحن لا نتطلع إلى علاقة تكون يدنا في جيوبكم وقلبنا مع عدوكم ؛ كما كان حال النظام المجرم. لسنا عملاء لأحد إلا لشعبنا الذي لا يرى فيكم الآن إلا مساهمين بقتله واستعباده ؛ وفي الشارع العربي لا تتمتعون بسمعة افضل.
بخصوص هذا المؤتمر ، الكل وضع المفتاح بيدكم . إن أردتم حلا فعلا فلا تستقيم الامور مع إصراركم على بقاء هذا النظام في سوريا . نحن نتفهم عبارتكم القائلة بانكم لا تتمسكون ببقاء بشار الأسد في السلطة ، ولكننا لا نريد ان يتلخص إجرام النظام ببشار الأسد ويُزاح ليبقى هذا النظام كما هو . هناك عصابة تحكم سوريا ، وانتم تعرفون ذلك ؛ فليكن موقفكم مع شعب سوريا لا مع عصابة . وأخيرا إن كان لابد من هذا المؤتمر نريد ان نرى ترجمة لقوة رعايتكم بوقف قصف النظام لشعبنا بالطيران والصواريخ وإطلاق سراح المساجين . "

إلى أمريكا
 " نعرف أن هاجسكم هو اسرائيل . نريد من اسرائيل ما أقرته الشرعية الدولية ؛ والذي يرضي الفلسطينيين يرضينا . أنتم وافقتم على عدم جواز اكتساب أراضي الغير بالقوة ( قرار 242)وعلى مبدأ "الأرض مقابل السلام " لتعد ارضنا وليكن هناك سلام بيننا وبين اسرائيل . نحن نريد أن نعيد بناء بلدنا على أسس الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان .
نحن نعرف أن نظام الأسد كان عدواً لكم ظاهريا وفي العلن ؛ لكنه في حقيقة الأمر كان صديقا قريبا جداً منكم إلى درجة العمالة ؛ فهو على مدار أربعة عقود لم يجلب لأسرائيل على جبهتها الشمالية الأخطر إلا هدوء البال . ونعرف أنكم كنتم تغضبون منه أحيانا لسلوكه الإبتزازي . من جانبنا لسنا حماة بوابة أحد . لن نحمي إلا شعبنا ولن نكون عملاء لأحد . نحن ننشد السلام مع الجميع ؛ ونريد إعادة بناء بلدنا ونتتطلع إلى صداقات وعلاقات شفافة على أسس سليمة من الاحترام المتبادل . نقدر القيم الأمريكية في الحرية والمساواة وتقرير المصير ورفض الظلم ؛ فلا نطلب منكم إلا الالتزام بما أتى به الأباء المؤسسون لأمريكا وألا تحرموننا مما هو هدف للبشرية وتسمحوا باستمرار وقوع الظلم والإرهاب علينا . سنحضر المؤتمر الذي اتفقتم عليه مع الروس ولكن هل تقبلون أن نجلس بصحبتكم في مؤتمر والنظام لا يزال يفتك بأرواح شعبنا بطائراته وصواريخه ويبقي أهلنا في سجونه ظلماً . فقط نريد منكم هذا المطلب الحق ."

إلى إيران
" أنتم الاقل حديثاً بالطائفية والأكثر ممارسة لها بحكم التقية . صحيح أن هناك دماً بيننا بسبب تدخلكم بشؤننا الداخلية وتدخل حزب الله ربيبكم بتوجيه سلاحه إلى صدور أهلنا. دعونا نحترم إسلامنا سنة كنّا أم شيعة . لا نرى أنكم مغرمون بعلاقة مع من يقتل شعبه ؛ ولا نرى بأن هناك مؤامرة عليكم عبر هذا النظام . لا نريد لكم أن ترتكبوا هذه الحماقة التاريخية بخلق عداء تاريخي بيننا . ليكن بينكم وبين أهل سوريا وأهل وادي النيل العرب المسلمين وأهل الخليج العرب المسلمين وأهل المغرب العرب المسلمين علاقة أهل وأصدقاء وأبناء امة إسلامية واحدة ؛ ولنعش سوية بأمان ولنفكر بتطوير بلادنا معا وانقاذها من براثن الفقر والعوز والتخلف .
لقد ذبحتونا بمزاوداتكم تجاه القدس وفلسطين . نحن في حقيقة الأمر الأولى بالموضوع ؛ ولا نتصور أن أحدا يرتاح عندما تشعرونه بالعجز؛ ولا نتصور أن تصرفكم هذا إلا مقصودا وغايته الأساسية إحباطية ليس إلا ؛ ولا شبيه له إلا دعوات معمر القذافي للوحدة العربية . البعض بدأ يعتقد ان بينكم وبين اسرائيل وأمريكا حلفا غير مقدس تغطونه بمزاودات حزب الله وتتصرفون من تحت الطاولة بما لم ينزل الله به من سلطان . نرجو أن تكونوا صادقين معنا ومع انفسكم ؛ ولنعش جميعا بسلام ؛ولا نظن بانكم مغرمون بعلاقة مع نظام يشهد العالم ، لانحن ، بأنه يقتل شعبه . لنبدا معا صفحة جديدة ."

إلى تركيا
" لقد أحرجناكم كثيراً ، وأحرجتم أنفسكم أكثر . إن عبارة السيد أردوغان بأنه لن يسمح بتكرر مجزرة حماة قد حمّست المنتفظين السوريين على ظلم النظام بسبب إحساسهم أن ظهرهم محمي فهناك من سياتي لنجدتهم في حال تكررت مجزرة حماة ؛ ورأيناها ورأيتموها تتكرر عشرات المرات ؛ وما كان من مجيب او معين . على أية حال لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ؛ قمتم بما استطعتم ونشكر لكم سعيكم . حقيقة ما اوجعنا وأحبطنا اكثر تجرؤ العصابة التي تقتلنا عليكم ؛ وما حركتم ساكناً . ليس . نحن نتفهم ما فعلتم بخصوص قاعدة انجرلك عندما رفضتم استخدام الأمريكيين لها لغزو العراق حفاظاً على ماء وجهكم أمام العرب مستقبلاً . القصة مختلفة الآن ؛ فالعرب يريدون منكم دعم من يُقتَل من إخوتهم ويقدرون لكم موقفكم . ليس .
نشكركم على كل ما فعلتم من استظافة لأهلنا الذين شردهم النظام ومن رعاية لمن استجار بكم من رمضاء ناره. أدركنا أعذاركم المتكررة بعدم قدرتكم على فعل شيء إلا بدعم من الناتو الذي لم يات رغم إحضاره للباتريوت إلى أرضكم . ندرك ايضا أن سماحكم لبعض الأسلحة للثوار كان مفلتراً امريكياً .بالتأكيد لا تغيب عنا حالة الإرباك التي كان فيها السيد أردوغان في آخر لقاء كان له مع سيد البيت الأبيض في واشنطن بُعيد تفجيرات تركيا الاخيرة . ليس .
نأمل منكم الآن أن تثقوا بأن سوريا المستقبل ستقدر لكم جهودكم دون ان تكون مستعبدة لكم ودون أن تكون معبراً وممراعميلا لكم . نحن أصدقاء وأبناء ملة واحدة وننشد حسن الجوار والتعاون والمحبة . أصمدوا معنا ؛قدّر الله صبركم وجزاكم عنا خيراً. سنكون أوفياء ونرد الدين باحسن منه ، وباخلاق ."
 
إلى دول الخليج
كثّر الله خيركم وشكر لكم سعيكم . لم تزودوا الثورة بالسلاح عن طريق الأردن الذي يُعتَبَر مقربا جداً منكم ولا ينكر مساعداتكم . أنتم تعرفون أنه كان بامكان الثورة ، لو توفر لها السلاح كما يجب ، أن تغيّر معادلة الصراع وتخفف الكثير من زهق الأرواح وسفك الدم ؛ لم تفعلوا ؛ ونعرف الأسباب . مشيتم - رغم عدم اقتناعكم- مع مقولة الخوف من وصول السلاح إلى الأيدي الخطأ . كان واجبا عليكم ألا تردوا على امريكا ولو مرة واحدة وفي هذا السياق تحديدا . إن طالت الأمور نرجوكم ان تفعلوها .
لقد تقدمتم بمساعدات كبيرة لأهلنا المنكوبين ؛ وهذا مقدر لدينا وعند رب العالمين ؛ وهذا من شيمكم الكبيرة . من جانب آخر قمتم بتزويد البعض بأموال ؛ ولا بد أن ذلك المال مشروط بولاء مستقبلي . إنه حقكم ؛ تريدون المحافظة على مصالحكم ومن يهتم بها في سوريا المستقبل ؛ ولكن هذه المصالح يجب أن تكون مبنية على أسس صحيحة ومع من يحب ويهتم بمصالح سوريا ويضحي من اجلها اكثر من اهتمامه وحبه لأموالكم ويتحوّل إلى مرتهن لها ولا قرار له . صاحب القرار والوطني الذي يهتم ببلاده يحافظ على ملايينكم ومصالحكم الصادقة اكثر بكثير من ذاك الرخيص الذي قد يبيعكم لمن يدفع اكثر ."

إلى الأردن
" نعرف وضعك وحرجك مع كل الجهات العربية والأمريكية والاسرائيلية وحتى الروسية . ونحن على علم بمعاناتك مع الآلاف المؤلفة من السوريين الذين استجاروا بأرضك من رمضاء القمع . لا نريد منك زيادة عما فعلت ؛ جزاك الله عنا خيرا وقدرنا على الوفاء ، لكن ليس بوضع مشابه. نريد منك ان تثق بنا كثورة ؛ فالنظام الذي جاورت لعقود كانت علاقته مع اسرائيل اقوى وأنشط بكثير مما كان يدعي بالنسبة إليك ؛ ولكنها كانت مخفية. لقد هلكك بالمزاودة . لن نظهر شيئاً ونبطن شيئاً آخر كما فعلت عصابة الأسد . سنكون خير جار ؛ كما أنت الان . إن حدث وتأمّن لنا ما نقاوم به من يذبحنا ؛ فلا تظن به علينا . لن ننسى رعايتك لأهلنا الذين شردتهم آلة قتل النظام ؛ولا يغيب عن ناظرنا مشاهد حمل جيشك العربي لاطفالنا وكهولنا بين ايديهم ورعايتهم بارضكم الكريمة التي طالما أغاثت الملهوف ؛ والتاريخ يشهد على ذلك ؛ فما من احد ينسى استضافتكم لسلطان الأطرش ورفاقه أبان الثورة السورية على الاستعمار الفرنسي "
سأترك لبنان بحاله ؛ فهو قد قرر النأي بنفسه وفلّت ذواري حسن نصرالله ليقتلوا السوريين رغما عنه. اما مرسي مصر فهمّه يكفيه على ألسنة المصريين .و بخصوص إسرائيل فإنها تظن نفسها الرابح الأكبر مما يحدث لسوريا ؛ وهذا جزئياً صحيح ؛ ولكن خسارتها على المدى البعيد ستكون الأكبر ، اولاً بخسارة من أراحوها لعقود وثانياً بتحرر الإنسان السوري ؛ ومعروف أن الحر هو الذي يحرر أرضه ويستعيد حقه.
**********
 انا لا املي شيئاً على أحد ولا أفرض رأي وأنما أقدم بعض الأفكار علّها تكون نوعا من نقاط العلاّم التي قد تساعد تلك المجموعات بوضع النقاط على الحروف لمن يهمهم الأمر . ومؤكد أن تلك المجموعات على درجة من الخبرة والوطنية والمعرفة التي تتجاوز هذه المقترحات البسيطة . ولكن لا بد من أن أقول إن من لا يتجرأ على طرح جوهر ما أتى في هذه الملاحظات لا يستحق أن يمثل شعبا يُذبَح .
هذه رؤيتي لما نحن فيه وما علينا أن نقوم به وكيف تنتصر ثورتنا .
أطلت ؛ سامحوني .