الرئيسة \  تقارير  \  كيف دخلت واشنطن إلى قلب الأزمة الإثيوبية؟

كيف دخلت واشنطن إلى قلب الأزمة الإثيوبية؟

10.11.2021
محمد المنشاوي


الجزيرة
الثلاثاء 9/11/2021
واشنطن- بعيدا عن ميادين القتال الدائر بين حكومة أديس أبابا وقوات جبهة تحرير شعب تيغراي وحلفائها أصبحت العاصمة الأميركية واشنطن مسرحا مهما للصراعات الإثيوبية، إذ تشهد نشاطا ملحوظا وفعاليات مكثفة لأطراف النزاع.
وأصبحت العاصمة الأميركية مركزا للمظاهرات المؤيدة للحكومة والمناوئة لها على حد سواء، كما تشهد مؤتمرات صحفية لممثلي الأطراف المتنازعة، إضافة إلى التعاقدات مع شركات اللوبي والعلاقات العامة.
كما أبدى بعض أعضاء الكونغرس قدرا كبيرا من الاهتمام بإثيوبيا، ففي الأسبوع الماضي -على سبيل المثال- اقترحت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ مشروع قانون للتعامل مع إثيوبيا، وهناك أيضا اهتمام مماثل بمجلس النواب.
وهنا يشير سفير واشنطن السابق لدى إثيوبيا ديفيد شين إلى أن أسباب اهتمام الكونغرس بإثيوبيا هي نفسها بالنسبة للبيت الأبيض والخارجية، إضافة إلى أنه في بعض الحالات يوجد تجمع كبير للجالية الإثيوبية في بعض دوائر الكونغرس، ومن هنا يهتم عضو الكونغرس بما يهم قاطني دائرته الانتخابية.
انقسامات ولوبيات
وتتابع الجالية الإثيوبية في الولايات المتحدة الأحداث عن كثب، كما يولي الإعلام الأميركي اهتماما كبيرا لهذه المسألة، وقد كتبت بعض الصحف عدة افتتاحيات عن الأزمة، كما اهتمت مراكز البحوث الرئيسية المعنية بالشؤون الدولية.
وسبّب إعلان تحالف من 9 منظمات متمردة من مختلف المناطق والأعراق في إثيوبيا مع جبهة تحرير شعب تيغراي انطلاقا من العاصمة الأميركية إزعاجا كبير للجالية المنقسمة على نفسها في منطقة العاصمة.
ولجأت الحكومة الإثيوبية ومعارضوها من إقليم تيغراي إلى شركات اللوبي والعلاقات العامة في واشنطن في الأشهر الأخيرة.
وبعد اندلاع القتال العام الماضي تعاقدت السفارة الإثيوبية مع شركة الضغط "فينابل" (Venable) للعمل على تحسين موقف أديس أبابا في أروقة العاصمة وبين كبار المسؤولين، خاصة في البيت الأبيض ووزارة الخارجية ومجلسي الكونغرس، وانتهى تعاقد الشركة مع الحكومة الإثيوبية في أبريل/نيسان الماضي.وأظهرت وثائق وزارة العدل التي اطلعت عليها الجزيرة نت تواصل الشركة مع عدد من أعضاء الكونغرس، وترتيب عدد من اللقاءات للسفير الإثيوبي فيتسوم أريجا مع عدد من أعضاء مجلس الشيوخ.
كما استعانت الحكومة الإثيوبية الشهر الماضي بعضو الكونغرس السابق جو غارسيا من خلال تعاقد جديد مع شركة ميركوري (Mercury) للشؤون العامة.
ويعد عضو الكونغرس السابق عن ولاية فلوريدا أول مشرع سابق يمثل الحكومة الإثيوبية، وجاء التعاقد بعدما اتهمت إدارة بايدن الحكومة الإثيوبية بارتكاب جرائم "التطهير العرقي" في مناطق بإقليم تيغراي.
من جانبه، تعاقد مركز تيغراي للمعلومات والاتصالات -الذي يتخذ له مكتبا في ضاحية الإسكندرية بولاية فرجينيا- مع شركة اللوبي "فون باتن-مونتاغي-يورك" من أجل دفع إدارة الرئيس جو بايدن والكونغرس لإبعاد جميع الأفراد العسكريين الإريتريين والمليشيات الإريترية من تيغراي.
كما تعمل الشركة على دفع واشنطن لممارسة الضغط على الحكومة الإثيوبية للسماح بالوصول المفتوح إلى المساعدات الإنسانية وتعيين محقق مستقل لإثبات مزاعم جرائم الحرب التي ارتكبها الجيش الإثيوبي ضد شعب تيغراي كما جاء في صورة التعاقد المقدم لوزارة العدل.
أولوية قصوى
وخلال ندوة استضافها معهد السلام الأميركي الأسبوع الماضي تحدث مبعوث واشنطن الخاص للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان عن مصالح بلاده في هذه المنطقة، وقال إن الأولوية القصوى للولايات المتحدة هي "وحدة وسلامة الدولة الإثيوبية" و"التزامها تجاه الشعب الإثيوبي".
وأشار فيلتمان إلى أن متوسط عمر الحرب الأهلية يستمر 20 عاما، وأن الحرب إذا اشتعلت فستكون كارثية بالنسبة لإثيوبيا، وحث جميع أطراف الصراع على "إعطاء فرصة للسلام".
في المقابل، رفضت حكومة أديس أبابا خريطة طريق لإنهاء الأزمة في إثيوبيا قدمها السفير فيلتمان وتتضمن وقف إطلاق النار وانسحاب القوات إلى ما قبل 4 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وإيصال المساعدات الإنسانية، وبدء الحوار فورا.
وأشار فيلتمان إلى أن إدارة بايدن مستعدة لفرض عقوبات تستهدف جميع أطراف النزاع وأولئك الذين يعرقلون عمليات تقديم المساعدات الإنسانية.
حليف قديم
بدوره، يشير سفير واشنطن السابق لدى إثيوبيا ديفيد شين في حديث للجزيرة نت إلى أن إدارة بايدن تشعر بالقلق إزاء استقرار إثيوبيا لأنها صديق قديم للولايات المتحدة ومفتاح الاستقرار في جميع أنحاء القرن الأفريقي.
ويتحدث تقرير حديث لخدمة أبحاث الكونغرس -وهو الذراع البحثية لأعضاء الكونغرس- عن أن "استقرار إثيوبيا وتنميتها يعدان من أولويات مشاركة الولايات المتحدة نظرا لحجمها وقابليتها لانعدام الأمن الغذائي وموقعها في منطقة متقلبة ولكنها إستراتيجية، وقد سعت الجهود المشتركة إلى تخفيف حدة الأزمات الإنسانية والفقر المتوطن ومكافحة الإرهاب وعدم الاستقرار الإقليمي".
وأشار التقرير إلى أن فرصة تطوير العلاقات مع إثيوبيا أتاحت فرصة لتعميق العلاقات، بما في ذلك في سياق المنافسة مع الصين.
واعتبر مراقبون أن الشاغل الإقليمي الأكبر لواشنطن مما يجري في إثيوبيا هو الصومال واحتمال استخدام تلك الدولة منصة للإرهاب الدولي، إذ لطالما ساعدت إثيوبيا الحكومة الصومالية على كبح جماح حركة الشباب وقدمت دعما كبيرا للحكومة الهشة في مقديشو، والتي يبدو أنها على شفا الانهيار.
ويتوقع مراقبون أن يؤدي فشل الدولة في إثيوبيا إلى جعل الأمور أسوأ بكثير في الصومال، وتخشى واشنطن أن ينتج عن عدم الاستقرار في إثيوبيا انتعاش للإرهاب في كل شرق أفريقيا.
وفي حديث مع الإذاعة العامة، أشار كاميرون هدسون المسؤول السابق وخبير الشؤون الأفريقية بالمجلس الأطلسي إلى أن مثل هذه البيئات هي أرض خصبة للتطرف، وقد يقوم هذا الجزء من العالم بتصدير عدم الاستقرار إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير.
وأعرب هدسون عن الخشية من أن يصبح القرن الأفريقي نقطة جذب للإرهابيين من مختلف أنحاء العالم ممن يبحثون عن ملاذ آمن للتدريب والتخطيط للقيام بعمليات حول العالم.
إدارة بايدن والأزمة الإثيوبية
في سبتمبر/أيلول الماضي أصدر الرئيس جو بايدن أمرا تنفيذيا يسمح بفرض عقوبات على الأطراف "المتواطئة في إطالة أمد" النزاع في منطقة تيغراي.
واعترف فيلتمان بأنه من غير المعتاد الإعلان عن فرض عقوبات دون ذكر الطرف المستهدف، وأوضح أن الإدارة تريد إعطاء جميع الجهات الفاعلة فرصة للتحول نحو السلام.
وفي الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري أبلغ بايدن الكونغرس عزمه إنهاء تصنيف التجارة التفضيلية لإثيوبيا اعتبارا من مطلع 2022، وهو ما يحرم إثيوبيا من مكتسبات "قانون النمو والفرص الأفريقية" الذي يسهل وصول صادرات الدول الأفريقية إلى الأسواق الأميركية.
وقبل أشهر أرسل بايدن صديقه السيناتور الديمقراطي كريس كونز إلى أديس أبابا للاجتماع مع رئيس الوزراء آبي أحمد لنقل "المخاوف الخطيرة للإدارة بشأن الأزمة الإنسانية وانتهاكات حقوق الإنسان في منطقة تيغراي".
كما أعلنت إدارة بايدن عن تقديم مساعدات إنسانية إضافية بقيمة 52 مليون دولار للمتضررين من النزاع.
سلاح العقوبات
من جهته، اعتبر السفير شين أن إيقاف الولايات المتحدة قدرا محدودا من المساعدات الإنمائية الموجهة لإثيوبيا وتهديدها باستخدام عقوبات محددة الأهداف ضد أي شخص في الحكومة أو من معارضيها قد يسهم في خفض التوتر ونزع فتيل اشتعال الصراع.
لكنه أكد أن المشكلة تكمن في أن الخيارات لفرض عقوبات على الحكومة أكثر من تلك التي يمكن فرضها على منظمة متمردة، ونتيجة لذلك تميل العقوبات إلى أن تكون موجهة إلى جانب واحد.