الرئيسة \  تقارير  \  كيف ستشكل الصراعات الجيوسياسية أخطارا عالمية في 2023؟

كيف ستشكل الصراعات الجيوسياسية أخطارا عالمية في 2023؟

22.12.2022
طارق الشامي

كيف ستشكل الصراعات الجيوسياسية أخطارا عالمية في 2023؟
طارق الشامي صحافي متخصص في الشؤون الأميركية والعربية
الاندبندنت عربية
الاربعاء 21-12-2022
من السلام والعولمة والقرية العالمية، تحول العالم إلى مكان مليء ببؤر التوتر والحروب وإذا كان عام 2022 هو عام اشتعال حرب أوكرانيا وتفاقم التوترات العسكرية حول تايوان واستمرار إيران كتهديد إقليمي وعالمي، مما دفع بمؤشر الأخطار الجيوسياسية إلى مستويات عالية، فما الذي ينتظر العالم عام 2023 مع محاولات القوى المختلفة تقويض بعضها بعضاً؟ وهل يتجه العالم نحو السلام أم إلى الحروب السياسية والاقتصادية والعسكرية؟
أخطار متصاعدة
في حين تغلب التمنيات التي يطلقها الجميع مع نهاية كل عام على أمل الوصول إلى عالم أفضل يسوده السلام والتنمية، تبدو الصورة أقل تفاؤلاً في ما يتعلق بعام 2023، إذ إن الأشكال الجديدة للحرب الباردة تقسم جميع القوى الكبرى في العالم وتتزايد أطماع بعض القوى الإقليمية الساعية إلى النفوذ، بينما يظل عدد قليل من الدول يتمتع بمستويات قوية من التنمية ويتجه نحو السلام والاستقرار.
وعلى رغم أن الحربين العالميتين الأولى والثانية أظهرتا مدى خطورة التصعيد بين القوى الكبرى والأضرار التي يمكن أن تلحق بمختلف دول العالم، إلا أن خطر الحروب العالمية لا يزال ماثلاً بسبب التحول من التعاون إلى المواجهة النشطة، وإن كان كثير من مراكز البحوث والدراسات لا يتوقع اشتعالها قريباً في عالم اليوم، على اعتبار أن القوى الكبرى تفضل محاولة إخضاع العدو من دون قتال والتركيز على الصراعات والمواجهات السياسية والاقتصادية وجهود استخدام القوة العسكرية التي تقتصر على استغلال النفوذ السياسي والعسكري من دون الدخول في القتال.
ومع نشوء نظام عالمي جيوسياسي جديد بفعل حرب أوكرانيا وتصاعد المواجهة بين الولايات المتحدة والصين وظهور التكتلات الجيوسياسية المتنافسة واستمرار التأثيرات السلبية لوباء "كوفيد-19" وأزمة سلاسل التوريد والصراعات الإقليمية الأخرى والهجمات الإلكترونية وخطر الإرهاب، وصل مؤشر الأخطار الجيوسياسية إلى مستويات مرتفعة ومتوسطة ولكن ما نوع المستقبل الذي يمكن أن ينشأ في النهاية من الأزمات والصراعات والمواجهات؟
حرب أوكرانيا مستمرة
بحسب مركز الدراسات الاستراتيجية والسياسية، من المؤكد أن يستمر التصعيد بين روسيا وأوكرانيا العام المقبل لأن الحرب تحولت إلى مستوى استراتيجي بعدما حصلت أوكرانيا على دعم كاف من الغرب إلى النقطة التي أجبرت روسيا على حشد قواتها الاحتياطية وتحدي الغرب بمزيد من الإنفاق الدفاعي وتحديث قواتها، وتحولت الحرب من صراع للسيطرة على الأراضي في شرق أوكرانيا وجنوبها إلى استراتيجية روسية مصممة لتدمير الاقتصاد الأوكراني والبنية التحتية لإجبار حكومة كييف على إنهاء القتال بطرق عدة تترك لروسيا السيطرة على الأراضي التي أخضعتها وتترك الاقتصاد الأوكراني كسيحاً لأعوام مقبلة ومن دون استقرار سياسي أو اقتصادي.
ولكن إذا لم تتوقف الهجمات الروسية أو تحصل أوكرانيا على دفاعات جوية أكبر، فسوف تتفاقم المشكلات مع تقدم الشتاء وسيتزايد معدل الفقر في أوكرانيا، ما من شأنه أن يقلص الدعم الشعبي للحرب. وفي الحد الأدنى فإن التكتيكات الروسية الجديدة والضربات الصاروخية ستطيل أمد القتال وكثافته وتزيد كلفته العسكرية. وفي حين قد يجبر ذلك أوكرانيا على التوصل إلى تسوية، إلا أنه ربما يدفعها مع مزيد من الدعم الغربي إلى خوض حرب بلا نهاية كي تظهر لجيرانها الأوروبيين أن روسيا لا تزال تمثل تهديداً خطراً لأوروبا.
مواجهة روسيا والغرب
ومن المحتمل أن يجعل هذا روسيا أكثر ميلاً لمواصلة تكتيكات تدمير البنية التحتية، مصحوبة بالتهديد باستخدام أسلحة نووية تكتيكية، مما يعني أن الحرب ستشمل مزيداً من الأهداف، وحتى لو تم التوصل إلى أي حل تظل هناك شكوك واسعة في أن يسفر الحل عن أي شكل مستقر من السلام أو لا يسفر عن مواجهات دائمة بين روسيا والغرب واستمرار خطر أشكال نشطة من الصراع، ذلك أن المواجهة الحالية تصاعدت إلى حروب سياسية واقتصادية. ومن المرجح بشكل كبير أن يتبعها نضال من أجل تحديث وإعادة تشكيل القوات العسكرية في كل جانب بما في ذلك القوات التقليدية والنووية لتحقيق الردع الذي يعد نوعاً من أنواع الحرب كونه يستغل الاستخدام التنافسي للقوات العسكرية لتحقيق أهداف استراتيجية من دون قتال.
ومع ذلك لا يبدو أن الغرب أو روسيا فاز بالحرب السياسية أو الاقتصادية ضد الآخر، ففي روسيا لا توجد سوى مقاومة محدودة للحرب على المستوى الشعبي، بينما يواصل الرئيس فلاديمير بوتين الحرب على رغم العقوبات، في حين أخطأ الغرب في حساباته حول قدرة روسيا على الحياة، كما لم يتوقع خبراء الغرب ردود الفعل الروسية على إمدادات الطاقة وعلى صادرات الغذاء والانقسامات السياسية العالمية وعلى سلوك روسيا العسكري.
سباق تسلح
دفعت الحرب في أوكرانيا الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي (ناتو) وروسيا إلى سباق تسلح بدلاً من الحد من التسلح، وذلك بهدف تحقيق النفوذ السياسي والردع العسكري واستخدام التسلح لميزة سياسية تحقق السلام والاستقرار، بحيث بدأت دول شرق أوروبا وكذلك ألمانيا وبريطانيا بإعادة النظر في حجم قواتها ونظم تسليحها بعد أعوام من خفض موازناتها العسكرية.
أما بالنسبة إلى روسيا، فلم يكشف عن خطط لتصحيح نقاط الضعف في حرب أوكرانيا، لكن من الواضح أنها تعمل على هذه الخطط بينما تستعد لوضع تنافسي بغرض إعادة تشكيل قواتها بطريقة تجعلها قادرة على التأثير والردع، وإذا ما اقتضت الضرورة أن تكون قادرة على مقاتلة "ناتو" والتحالف الغربي، وهو ما أعلنه بوتين في خطاباته بأن روسيا ستبذل في كل الأحوال جهوداً ضخمة لإعادة بناء قواتها وتحديثها حتى تكون قادرة على مواكبة التقدم التكنولوجي والعسكري الغربي.
غير أن روسيا تواجهها مشكلة تمويل، فبالمقارنة مع إجمالي الناتج المحلي لدول "ناتو" مجتمعة الذي يصل إلى 45 تريليون دولار، يبلغ إجمالي الناتج المحلي الروسي 1.77 تريليون دولار، أي إن قدرة الغرب تفوق قدرة روسيا بنحو 26 ضعفاً، كما أن إنفاق "ناتو" العسكري بلغ 1.9 تريليون سنوياً العام الماضي مقارنة بنحو 62.2 مليار دولار لروسيا، مما يعني أن الأخيرة ليست قوة عظمى باستثناء قوتها النووية. وهذا يشير إلى أن مساعدات أميركا والغرب لأوكرانيا مثلت عبئاً أكبر على روسيا وكانت ولا تزال ورقة ضغط لجعل روسيا تبدو كقوة عسكرية من المستوى الثاني، وهو ما سوف تفهمه الصين في شأن قوة أميركا التي اعتبرت في استراتيجيتها للأمن القومي لعام 2022 أن الصين هي التهديد الرئيس للولايات المتحدة وليست روسيا.
المواجهة مع الصين
من الواضح أن مستويات التوتر بين الصين وأميركا وشركائها الاستراتيجيين لا تقتصر على الحرب السياسية والاقتصادية، بل تمتد إلى مستوى المواجهة العسكرية، ما يحظى بمزيد من الاهتمام في التخطيطين الأميركي والصيني للحرب والاستراتيجية، إذ إن واشنطن ترغب في وقف هيمنة الصين على المناطق الرئيسة في شرق آسيا وترتكز استراتيجية الدفاع الوطني الأميركية على ثني الصين عن أي تفكير باستخدام القوة المسلحة كوسيلة لتحقيق أهدافها التي تهدد المصالح الأمنية الأميركية الحيوية.
وبينما يعد الصراع مع الصين غير حتمي وغير مرغوب فيه، فإن أولويات البنتاغون تنصب على دعم جهود الحكومة الأميركية في تطوير شروط التفاعل مع الصين بما يحقق المصالح والقيم الأميركية وإدارة المنافسة الاستراتيجية مع السماح باستئناف التعاون بين البلدين على أساس التحديات المشتركة.
ومع ذلك، فإن التحدي الأخطر لواشنطن هو سعي الصين الحازم إلى إعادة رسم منطقتي المحيطين الهادئ والهندي، وكذلك النظام الدولي بما يناسب مصالحها وتفضيلاتها، ولهذا تسعى بكين إلى تقويض تحالفات أميركا وشراكاتها الأمنية في شرق آسيا، في وقت تعتبر الولايات المتحدة أن الصين هي المنافس الوحيد في العالم الذي تتوافر لديه الرغبة في إعادة تشكيل النظام الدولي وتمتلك في الوقت ذاته القدرة التكنولوجية والعسكرية والدبلوماسية والاقتصادية لكي تصبح هي القوة العالمية الرائدة.
وما يزيد مخاوف واشنطن، الشراكة الروسية - الصينية في المجالات الاستراتيجية في الطاقة والاقتصاد والتكنولوجيا التي من الممكن أن تسهم في بناء قوة عسكرية لتحقيق ميزة حال اندلاع صراع إقليمي، كما أن النمو الاقتصادي المتسارع والقوة التجارية والاستثمارات الأجنبية جعلت الصين بالتوازي مع "مبادرة الحزام والطريق" متحدياً جاداً لأميركا أكثر من روسيا.
لا صراع عسكرياً
لكن أي صراع بين الصين والولايات المتحدة لا يبدو محتملاً في الأجل القريب وهو ما يشير إليه المسؤولون الأميركيون في تصريحاتهم حول العامين المقبلين في الأقل، على رغم أن الرئيس جو بايدن يتوقع زيادة ضغط الصين على تايوان مع توسيع قدرات بكين للهجوم البرمائي على الجزيرة. ولهذا فإن أميركا تستعد لحرب مفاجئة حول تايوان يمكن أن تمتد إلى بحر الصين الجنوبي وغرب المحيط الهادئ. ومن الناحية العملية، فإن الطرفين ربما يسعيان إلى إبراز ما يسمى القوة التعويضية وهي قدرة كل طرف على الضغط على الطرف الآخر من خلال خلق أزمة عسكرية تجبر الخصم على إنفاق مزيد من الأموال والجهود العسكرية لمجابهة التهديد الناشئ.
وبحسب عدد من الباحثين في مؤسسة "راند" الأميركية، من المرجح أن تستمر الحساسيات الصينية في شأن تايوان بتعقيد جهود أميركا لتحسين الدفاع عن الجزيرة مع تجنب التصعيد، إذ تتعلق الخطوط الحمراء الصينية بشكل مباشر بالقدرات والمواقع التي ستكون ذات فائدة كبيرة للدفاع عن تايوان، ومع ذلك من المرجح أن تستخدم الصين ردوداً عسكرية منخفضة المستوى للإشارة إلى الرفض أو ممارسة الضغط أكثر مما كانت عليه في الماضي، إذ إن تطوير بكين أخيراً لخيارات عسكرية أقل تصعيداً يزيد من احتمالية تضمينها لعمل عسكري منخفض المستوى في ردها على نشاط عسكري أميركي مقلق.
ومن الواضح للاستراتيجية الأميركية أن توسع النفوذ الصيني في جنوب شرقي آسيا والمحيط الهندي والخليج العربي والشرق الأوسط وأفريقيا يمثل تهديداً كبيراً، كما أن مستوى التوتر حول التجارة والسياسات الاقتصادية والتجسس الصناعي وصل إلى مستويات خطرة من المنافسة بما يمكن وصفه بالحرب الاقتصادية، فيما يبدو أن بكين تعمل، وفقاً لحكمة الجنرال والفيلسوف الصيني القديم سون تزو، بالتركيز على القوة الاقتصادية والنفوذ العسكري بدلاً من الدخول في حرب.
إيران خطر كبير
ووفقاً للخبير الاستراتيجي أنتوني كوردسمان في مركز الدراسات الاستراتيجية والسياسية، فإن هناك صراعات محتملة ونشطة في الشرق الأوسط، سبق معظمها حرب أوكرانيا وهي تشمل نزاعات ستتواصل العام المقبل وبعضها ربما يستمر لأعوام أخرى مقبلة وقد يكون بعضها أسوأ ومن الممكن أن يؤدي تأثيرها التراكمي إلى مزيد من الضغط على الولايات المتحدة. ومن مراكز عدم الاستقرار والتوتر المدني في الشرق الأوسط، إيران وسوريا وليبيا والجزائر، بينما يبدو استقرار العراق ووحدته غير واضحين.
ومن المحتمل أن يظل السودان وإثيوبيا وإريتريا وتيغراي والصومال واليمن نقاط اشتعال في المستقبل، لكن من الناحية العسكرية الخاصة فإن إيران هي التهديد الإقليمي الأكثر خطورة حالياً بسبب سباق التسلح الذي تسعى إليه من أجل اكتساب ميزة عسكرية وسياسية في المنطقة. بينما تحاول أن تتحول إلى قوة نووية محتملة وربما تكون أكملت تصميم أسلحة نووية غير انشطارية وقد تقترب من إنتاج أسلحة تعتمد على اليورانيوم. كما أنها تشكل روابط أمنية واقتصادية جادة مع روسيا والصين وما زال تشكيل تحالف إيراني مع سوريا والعراق واليمن و"حزب الله" في لبنان يمثل خطراً أكثر جدية.
وربما تسعى الصين التي لديها قاعدة عسكرية في جيبوتي إلى روابط أكثر جدية مع إيران تشمل تسهيلات في الموانئ خارج الخليج العربي، بينما تشتري روسيا الصواريخ وطائرات الدرون المسلحة من إيران لاستخدامها ضد أوكرانيا وتهديد الاستقرار في أوروبا.
وعلى النقيض من ذلك تتراجع علاقة الولايات المتحدة مع دول الخليج ومصر، كما يضعف النفوذ الأوروبي والقدرة على نشر قوات برية وجوية شرق قناة السويس، بينما لا يزال خطر الجماعات الإرهابية والمتطرفة يشكل تهديداً ماثلاً بسبب استفادتها من النزاعات العرقية والطائفية والقبائلية في الشرق الأوسط.
هجمات إلكترونية كبرى
وتتسبب الهجمات الإلكترونية في تعطيل دائم للبنية التحتية المادية والرقمية الحيوية، ويتوقع المراقبون تزايد احتمالية الهجمات الإلكترونية مع استمرار الصراع بين روسيا وأوكرانيا، حيث تستهدف الشبكات الحكومية وشبكات القطاع الخاص المهمة وتتعرض البنية التحتية للقرصنة والتجسس.
وبينما تتزايد الهجمات من حيث النطاق والحجم والتطور، تواجه الولايات المتحدة وباء من برامج الفدية في وقت تضغط واشنطن من أجل مزيد من الحماية المطلوبة، إذ إن الهجمات المتكررة تتسبب في أضرار كبيرة وتعطيل ربما يمتد إلى الأسواق المالية والاقتصاد.
أزمات سياسية
ضغطت الآثار المتتالية للأزمة الأوكرانية بشدة على الأنظمة والمؤسسات السياسية في دول عدة حول العالم التي كانت خرجت للتو من أزمة وباء "كوفيد-19"، مما أدى إلى ارتفاع كلف الغذاء والطاقة وتصاعد معدلات التضخم وتعريض سبل عيش الملايين للخطر. وتواكب ذلك مع ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة والدولار الأميركي القوي والنمو الصيني البطيء، مما دفع الخبراء إلى توقع أخطار متزايدة من التخلف عن السداد السيادي والاضطرابات الاجتماعية على رغم أن بعض الأسواق الناشئة مثل إندونيسيا والبرازيل ستمتص هذه الصدمات بسبب رفع أسعار الفائدة في وقت مبكر وتشديد السياسة المالية.
كما تسببت صدمة سلاسل التوريد التي بدأت خلال عمليات الإغلاق الأولى للوباء بالتأثير في الأسواق العالمية.
نزاع كوريا الشمالية
وتمضي كوريا الشمالية قدماً في تعزيز قدراتها النووية وتتخذ إجراءات استفزازية مثل إطلاق الصواريخ، مما يؤكد أن برنامج بيونغ يانغ النووي مستمر بلا هوادة مع رفضها المحادثات مع الولايات المتحدة وتصعيد الاستفزازات من خلال التهديد الخطابي بشكل متزايد والتشريعات التي تحدّث مذهبها النووي وتسجيل التجارب للصواريخ الباليستية قصيرة المدى والعابرة للقارات عام 2022 مع قرب بعضها بشكل متزايد من أراضي كوريا الجنوبية.
ومع ذلك لا يرى الباحثون تهديداً وشيكاً للصراع الإقليمي وإن كانت التوترات ستزداد سوءاً عام 2023 وربما يشمل ذلك تجارب صاروخية بعيدة المدى إضافية وتجربة نووية سابعة.