الرئيسة \  واحة اللقاء  \  كيف سيعزّز فيروس "كوفيد - 19" من نفوذ روسيا في أوروبا؟

كيف سيعزّز فيروس "كوفيد - 19" من نفوذ روسيا في أوروبا؟

16.04.2020
علي حسين باكير



العرب القطرية
الاربعاء 15/4/2020
عندما ضرب وباء كورونا (كوفيد - ١٩) العديد من الدول الأوروبية بشكل قاسٍ، لم يكن الفيروس قد انتشر بعد بشكل واسع في روسيا. قامت موسكو حينها باستغلال الأزمة لتُطلق سلسلة من العمليات التي تدخل في إطار الدعاية والحرب النفسية والتضليل ومحاولة كسب العقول والقلوب، كل ذلك تحت ستار المساعدات الإنسانيّة. إيطاليا التي تحتل الآن المرتبة الثانية عالمياً من ناحية عدد الضحايا الذين سقطوا جرّاء انتشار الوباء كانت أولى محطات العمليات الروسية.
خلال الأزمة عرضت روسيا تقديم المساعدة على إيطاليا في وقت كانت فيه الدول الأوروبية مشغولة بمساعدة نفسها وحماية شعبها. بالتوازي مع ذلك، ومع قبول الإيطاليين المساعدات الروسية، بدأت عمليات التضليل الروسية بنشر روايات تروّج لنظرية المؤامرة، وتشير إلى أن الفيروس يرتبط بالولايات المتّحدة الأميركية، وأنّه قد يكون مصنّعاً، خاصة مع انتشار المراكز البيولوجية الأميركية حول العالم. تبع ذلك إطلاق حملات إعلامية هدفها الإشارة إلى فشل الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي في الاستجابة للمخاطر التي تواجهها إيطاليا.
هدفت روسيا من خلال هذه العمليات إلى تحريض الأوروبيين على بعضهم البعض، والتشكيك بالولايات المتّحدة، وجدوى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. هذه الجهات تعتبر بمثابة خصم تقليدي لموسكو، يقيّد حركتها في أوروبا ويقزّم قدراتها الذاتية، ويشكل خطراً عليها، وبالتالي فإنّ كل ما من شأنه أن يزعزع الإيمان بهذه الجهات أو المنظومات أو يقوّضها يُعدّ مكسباً لروسيا.
أمّا الخطوة الثانية، فقد كانت إرسال معدّات تعقيم، ضمن مواكب عسكرية تابعة لوحدة الأسلحة الروسية والاستعراض بها داخل مدينة بيرغامو في ميلان معقل تفشّي الوباء في إيطاليا، ومن ثمّ التمركز لاحقاً هناك في قلب دولة عضو في حلف شمال الأطلسي. وبالرغم من أن بعض هذه المساعدات لم يكن لها أي حاجة، وفق العديد من الخبراء الإيطاليين، فإنّ الرسالة التي حقّقتها روسيا من خلال المساعدات المقدّمة لإيطاليا فاقت في مداها أو نتائجها أي انتصار كان من الممكن أن تحقّقه ضد خصومها الأوروبيين.
كيف من الممكن السماح بحصول ذلك؟ لولا الوباء أولاً، لما كان ذلك ممكناً بطبيعة الحال، كما أنّ قبول المساعدة عند الحاجة أمرٌ لا حرج فيه، لكن هناك من يشير أيضاً إلى أنّ غياب القيادة الأميركية والصدمة التي تلقتها دول الاتحاد جراء عدم استعدادها لسيناريو مشابه قد فتح الباب واسعاً أمام موسكو للعب مثل هذا الدور. بتقديري يبقى العنصر الأكثر أهمية في المعادلة هو صعود حركات اليمين المتطرف، والحركات الشعبوية، والحركات القومية. هذه الحركات هي حصان طروادة روسيا في أوروبا، وهي الهدف الأول للبروبغندا والدعاية الروسية.
الحكومة الإيطالية هي عبارة عن ائتلاف حكومي يضمّ في ثناياه حركة الخمس نجوم الشعبوية اليمينية، وبالتالي فهي في جزء منها على الأقل بمثابة مستقبِل ممتاز للدعاية الروسية. مثل هذه الأحزاب والتيارات اليمينية ليست استثناءً، إذ إنّ نفوذها في أوروبا آخذ في الازدياد خلال السنوات القليلة الماضية. نجاح العمليات الدعائية الروسية في إيطاليا وصربيا وغيرها من الدول الأوروبية على خلفية انتشار وباء "كوفيد – ١٩" من شأنه أن يعزّز من نفوذ روسيا مستقبلاً في القارة العجوز، ويُحدث أضراراً هائلة في جدار الوحدة والتماسك الأوروبي بشكلٍ ما كان لروسيا أن تستطيع تحقيقه بأي وسيلة أخرى، خاصّة إذا لم يستفد الأوروبيون من الدروس والعبر الحالية ويحوّلوا تحدّي مواجهة الوباء إلى فرصة لتعزيز القيم الأوروبية التي تدعو إلى التضامن، والوحدة، والعمل المشترك، والأمن الجماعي.