الرئيسة \  واحة اللقاء  \  كيف سيواجه النازحون السوريون الفقراء الشتاء المقبل؟

كيف سيواجه النازحون السوريون الفقراء الشتاء المقبل؟

12.08.2013
سعد نسيب عطاالله

القدس العربي
الاثنين 12/8/2013
كيف يتحضّر النازحون السوريون الفقراء للشتاء القادم؟ سؤال لا يفارقني ويؤرقني وغيري دائما. هل هناك من داع للتذكير بالظروف السكنية والمعيشية البائسة التي تضنيهم وعائلاتهم على مدار الساعة، وخاصة الأطفال والشيوخ! لو كنت من أصحاب الملايين لما كنت ألوذ الآن بالطابعة الالكترونية، عساني أضيء شمعة في ليل هذا التقصير الفاضح من جانب الدول العربية التي وعدت بالمساعدات النقدية والعينية، والتي أمست كماهي صداقاتي الإفتراضية على صفحات الـ’فايسبوك’.
مضى أكثر من عامين على سكنهم في مخيمات البؤس المطلق، بعيدين عن حقولهم ومواسمهم، ولا مداخيل أو أمل لهم سوى سوى أيادي الخير والعطاء من أصحاب النخوة القادرين، وحتى غير القادرين نسبيّا، من أمثالي. حيّيت هذا المساء عاملا سوريا جالسا على قارعة الطريق والى جانبه دراجة أطفال صغيرة مستعملة. قال لي ان عائلة كان يعمل لديها قدمتها هدية لاطفاله، وأنه ينتظر سيارة للوصول الى محطة حافلات شركة ‘الكرنك’ في المدينة، ليستقل حافلة الى مدينة حلب. دعوت له بالوصول سالما ولقاء عائلته بخير وأمان. فرحت فرحا كبيرا لانّ عائلة هذا العامل المجاهد لا تزال في سوريا ولا تقاسي ما تقاسيه عائلات مخيمات النزوح. فكّرت في الامر مليّا، وتساءلت: لماذا لا يعمل الجميع، اي الدولة السورية والمعارضة الحقّة والدول المتورطة في الآتون السوري، للتوصُّل الى ما يسمّى بـ’تفاهم الشرفاء’ والعمل على تسريع وتسهيل عودة جميع النازحين الى بيوتهم ومزارعهم وحقولهم وأعمالهم، واستعادة الأمن والأمان لهم! ما هي الامتيازات التي ستطال هؤلاء الفقراء فيما لو بقي النظام الحالي في سوريا أو تبدّل!
لا شيء البتة طبعا. ما هذه الغطرسة الذهنية التي تراود جميع المتورطين في هذه المأساة اللامتناهية في استمرارية المجازر. لم تنقل القنوات الاعلامية على مدى عامين كاملين عن مقتل أحد أبناء الذين يدعون الى حمل السلاح. لماذا الدعوة الى حرب الفقراء على الفقراء! لماذا هذا الرقص على أشلاء المعذبين في الارض؟!
ليت هؤلاء الفقراء يعودون الى ديارهم قبل قدوم الشتاء وعواصفه وبرده القارس التي لن تقوى عليها ضلوع الأطفال النديّة. هل ينتظرهم هلاك في ربوعهم أعصى على حياتهم من هلاكهم في مخيمات النزوح! بارككك الرب ايتها العائلات السورية الكريمة والمكرّمة على تراب سورية فقط. أمسحوا غمامة الخوف والتردّد عن عيونكم، وافقؤوا عيون من شرّدكم. عودوا الى بيوتكم قبل حلول فصل الشتاء، وقبل وقوعكم في دهاليز توسّل وتسوّل لقمة العيش وحبة الدواء من اللئام وحثالة العصر وأوباش البشر. سورية كانت دائما وستبقى بكم، موئلا للخير والعطاء وعرينا لخيرة العرب.
====================
نصر الله: خيار إسرائيل الأرحم!
صبحي حديدي
القدس العربي
الاثنين 12/8/2013
ذات يوم ـ غير بعيد في الزمن، ولكنه قريب تماماً من حيث تشابه السياقات ـ عمد المعلّق الإسرائيلي ألوف بِنْ إلى كسر الصمت، أو لعله باح بالمسكوت عنه في صفوف الساسة وأجهزة الأمن والقادة العسكريين الإسرائيليين؛ حين عقد مقارنة افتراضية بين: 1) صاروخ فلسطيني من طراز ‘القسام’، محمّل بمواد انفجارية بدائية ولا يتجاوز مداه 12 كيلومتراً، يسقط على سيدروت أو عسقلان، ويتسبب في أضرار طفيفة لا تتجاوز جرح مستوطن أو حفر طريق إسفلتي؛ و2) صاروخ سوري من طراز ‘سكود’، محمّل برأس كيماوي، يمكن أن يسقط على تل أبيب، ويوقع مئات الإصابات.
وتوصّل بن إلى خلاصة قد تبدو بالغة الغرابة، للوهلة الأولى فقط: أنّ الصاروخ الأوّل، ‘القسام’، هو الأشدّ خطورة. لماذا؟ ببساطة، لأنّ الصاروخ السوري لن ينطلق في أية حال (إذ يعرف بشار الأسد أنّ عواقب إطلاقه سوف تعني قيام مقاتلات إسرائيلية من طراز F-16 بدكّ مراكز عصب السلطة السورية أينما كانت، ابتداءً من القصور الرئاسية)؛ في حين أنّ المقاتلات ذاتها لا تستطيع القيام بمهامّ مماثلة في غزّة ومحيطها، إلا في نطاق محدود وحساس، مضارّه أكثر من منافعه، وأنّ العلاج الذي سيُطرح على جدول الأعمال (أي إعادة احتلال القطاع) أسوأ من العلّة ذاتها.
الحكمة، إذاً، ليست في التكنولوجيا التدميرية للصاروخ ذاته، أو الأمدية التي يمكن أن يبلغها، بل في الأصابع التي تضغط على زناد الإطلاق، ولماذا ومتى يتمّ الضغط. وبهذا المعنى، استخلص بن يومذاك، فإنّ الأسد أرحم لإسرائيل من فتية كتائب القسّام؛ وصاروخ الـ’سكود’ الفتاك أقلّ وطأة من صواريخ الهواة التي تُصنّع بموادّ بدائية وبتكنولوجيا فقيرة. استطراداً، اعتبر بن أنّ إسرائيل بحاجة إلى حسن نصر الله، فلسطيني/غزّاوي/حمساوي، يضبط صواريخ ‘القسام’ كما ضبط نصر الله صواريخ الـ’كاتيوشا’ على امتداد الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية.

في صياغة أخرى، من عندنا هذه المرّة، أراد بن وضع صواريخ ‘القسام’ قيد السياسة، وليس وضع السياسة رهينة تلك الصواريخ، على غرار السياسة التي اعتمدها نصر الله، وفرضها ونفّذها ‘حزب الله’، بعد وخلال سنوات الاحتلال الإسرائيلي للجنوب: سلاح واحد/قانون واحد. أكثر من هذا، اعتبر بن أنّ الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان سنة 2000 لم يكن راجعاً إلى جرأة رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، إيهود باراك، فحسب؛ بل كان، كذلك، يدين بالكثير لسياسة نصر الله في فرض وحدة القرارَين السياسي والعسكري، سواء بسواء.
وكتب بن أنّ نصر الله قد ‘لا يكره إسرائيل والصهيونية أقلّ من قادة حماس، وخاطفي شاليت، وفصائل القسام. ولكنه، على نقيض منهم، يمتلك السيطرة ويتحلى بالمسؤولية، ولهذا فإنّ التكهن بسلوكه ممكن عقلانياً ومنطقياً. وهذا، في الظروف الراهنة، هو الوضع الأفضل لنا: إنّ حزب الله يقوم بالحفاظ على الهدوء في الجليل على نحو أفضل بكثير مما فعل جيش لبنان الجنوبي الذي كان موالياً لإســـرائيل’. ولأنه لا يوجد في الأراضي الفلسطينية المحتلة نصر الله فلسطيني، تابع بن؛ كما أنّ الرئيس الفلسطيني محمود عباس لا يبدو زعيماً نافذاً مفوّضاً، بقدر ما يشبه ‘مثقفاً معذّباً مؤيداً للمفاوضات الدبلوماسية’؛ وحكومة ‘حماس لا تملك السيطرة على السلاح، أو لا ترغب في ذلك أصلاً… فإنّ صواريخ ‘القسّام’ أخطر من الـ’كاتيوشا’ أيضاً!
والحال أنّ تلك المقاربة لم تكن تصدر عن فراغ، ولم تهبط من سماء التنظير السياسي الصرف، بل كانت تتكيء على مبادىء أساسية، بسيطة ومنطقية وذرائعية، صنعتها عقود من علاقة نظام ‘الحركة التصحيحية’، الأسد الأب مثل الأسد الابن، مع إسرائيل. وكان أمراً بسيطاً ومنطقياً وذرائعياً، أيضاً، أن تحظى تلك المبادىء بمقدار عالٍ من التكامل مع خطط ‘حزب الله’، لكي لا يتحدّث المرء عن حصيلة تكتيكاته مثل ستراتيجياته؛ ليس بسبب العلاقة الوثيقة بين الحزب ونظام آل الأسد، فحسب؛ بل كذلك لأنّ تاريخ علاقات إسرائيل مع إيران، ربيبة ‘حزب الله’ ومرجعيته الفقهية والعقيدية والعسكرية والسياسية والأمنية، كان تاريخاً عاصفاً في مستوى السطح فقط، في اللفظ والبلاغة والضجيج والجعجعة، ليس أكثر.
ومع ذلك، ورغم حصافة معلّق مخضرم مثل ألوف بن، كيف كان له أن يستبصر أنّ ما عُدّ مستحيلاً يومذاك، صار ممكناً تماماً منذ آذار (مارس) 2011، حين انطلقت انتفاضة الشعب السوري ضدّ نظام ‘الحركة التصحيحية’، فواجهها الأسد بكلّ ما في ترسانة جيشه من أسلحة فتاكة؟ وأنّى له ان يتكهن بأنّ صاروخ الـ’سكود’ سوف يُطلق من منصاته في قطنا، على مبعدة كيلومترات قليلة من حدود الاحتلال الإسرائيلي للجولان، لا لكي يستهدف تل أبيب، بل ليقصف حلب وإدلب والرقة ومناطف الشمال السوري؟ وأية مخيلة جهنمية كانت ستتيح للمعلّق ذاته أن يتخيّل مقاتلي ‘حزب الله’ وهم يتلهفون على غزو القصير، البلدة السورية ذاتها التي آوتهم من ويلات القصف الإسرائيلي، سنة 2006؟
أيّ ساذج، والحال هذه، يمكن أن يستغرب استشراس إسرائيل، اليمينية مثل اليسارية، والمتدينة مثل العلمانية، في الدفاع عن بقاء نظام الأسد؟ أو ينقّب، في المقابل، عن أيّ معنى تبقى من مفردة ‘مقاومة، وأختها ‘ممانعة’؟