الرئيسة \  تقارير  \  كيف يمكن تجنب كارثة نووية في أوكرانيا؟

كيف يمكن تجنب كارثة نووية في أوكرانيا؟

01.09.2022
سيرج شميمان


سيرج شميمان
الشرق الاوسط
الاربعاء 31/8/2022
تواترت تقارير، السبت، حول استعداد فريق من الخبراء يتبع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لزيارة محطة زابوريجيا للطاقة النووية في أوكرانيا في غضون أيام. في الوقت ذاته، استمر تساقط قذائف المدفعية بانتظام في وضع تقشعر له الأبدان داخل وحول المنشأة التي تعد أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا.
وفي أحدث حالة من الذعر، أدى قصف الأخير، إلى إتلاف خطوط الكهرباء الخارجية، ما يهدد إمدادات الطاقة الحيوية للمنشأة. وتمكن فنيون أوكرانيون من إعادة توصيل المحطة بشبكة الكهرباء الوطنية، الجمعة، لينجحوا بذلك في تجنب وقوع كارثة.
في الواقع، من الصعب التحلي بالحكمة والحيطة في خضم حرب تشن فيها روسيا سياسة الأرض المحروقة بهدف دفع أوكرانيا لأن تجثو على ركبتيها، في الوقت الذي تقاتل الأخيرة من أجل بقائها. ومع ذلك، أظهر الاتفاق الأخير للسماح بشحن الحبوب من أوكرانيا أن الضغط الدولي على روسيا لمنع الصراع من التمدد إلى ما وراء ساحات القتال يمكن أن ينجح. ومع وجود حادث تشيرنوبيل كذكرى مؤلمة مشتركة، فإن الروس والأوكرانيين يعرفون جيداً أكثر عن غالبية الدول الأخرى ما يعنيه حقاً رعب الكارثة النووية.
من ناحيتي، كنت مديراً لمكتب “نيويورك تايمز” في موسكو عندما اندلعت كارثة تشيرنوبيل في أبريل (نيسان) 1986، وما زلت أذكر الخوف المروع من تهديد قاتل غير مرئي يتخلل هواء الربيع الصافي. وبعد ستة وثلاثين عاماً، لا يزال نحو 1000 ميل مربع حول المنشأة الجريحة مغلقاً باعتبارها منطقة ممنوعاً الاقتراب منها. والمؤكد أن مثل هذه الذكريات وراء التقارير التي تفيد بأن أوكرانيا تعد خططاً لإجلاء نحو 400 ألف شخص يعيشون بالقرب من المنشأة.
وينبغي التنويه هنا بأن مفاعل زابوريجيا يشكل نموذجاً أكثر حداثة وأماناً من نموذج مفاعل تشيرنوبيل ويملك القدرة نظرياً، على تحمل أضرار أكبر بكثير. ومع ذلك، تبقى احتمالات وقوع كارثة مروعة عندما تسقط القذائف المميتة بين المفاعلات النووية وأبراج التبريد وغرف الآلات ومواقع تخزين النفايات المشعة أمراً حقيقياً وقائماً.
من جانبهم، استولى الروس على المصنع الممتد على مساحة واسعة والواقع على نهر دنيبرو بعد فترة وجيزة من اجتياح أوكرانيا قبل ستة أشهر، وأصبح الآن على خط المواجهة في الحرب. وذكر تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز”، بالتفصيل ما يعنيه ذلك: انفجار قذائف مدفعية وطلقات تتبع داخل المنشأة، بينما يتولى فريق عمل صغير للغاية من الفنيين الأوكرانيين الحفاظ على المنشأة تحت بنادق ما يقدر بنحو 500 جندي روسي.
وذكرت الصحيفة أنه خلال المرحلة الأولى من الاجتياح الروسي، اخترقت رصاصة كبيرة أحد المفاعلات الستة، في الوقت الذي أصابت قذيفة مدفعية محولاً كهربائياً مملوءاً بزيت تبريد قابل للاشتعال في مفاعل آخر. ومن الممكن أن يؤدي فقدان الطاقة الكهربائية للمحطة إلى انهيار المفاعل. إلا أنه لحسن الحظ، لم يشتعل.
من جانبه، حدد المدير العام لوكالة الطاقة الذرية، رافائيل ماريانو غروسي، في وقت قريب سبعة شروط حاسمة لا غنى عنها للسلامة والأمن النوويين، والتي تشمل السلامة المادية للمحطة، وإمدادات الطاقة خارج الموقع، وأنظمة التبريد والاستعداد للطوارئ. وحذر من أن: “جميع هذه الأركان جرى اختراقها، إن لم يكن قد جرى انتهاكها بالكامل، في وقت أو آخر خلال الأزمة الراهنة”.
في ظل الظروف المثالية، يجب اعتبار هذه المنشأة ـ وجميع المحطات النووية الأوكرانية الأخرى، وجميع المحطات النووية حول العالم ـ مناطق منزوعة السلاح. ويعد هذا بالأساس ما دعا إليه مسؤولو الأمم المتحدة. ومع ذلك، يبقى هذا أمراً صعب المنال في خضم حرب الاستنزاف والبقاء المشتعلة. أما الهدف الأكثر إلحاحاً والأكثر قابلية للتحقيق، فهو أن يتمكن الخبراء الذين جمعتهم الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الدخول إلى المنشأة.
وقد رتبت وكالة الطاقة الذرية والأمم المتحدة وعدد من القادة الغربيين مثل هذه المهمة.
من ناحيتهما، تدعي أوكرانيا وروسيا أنهما تؤيدان ذلك. ومع ذلك، لم يكن من السهل إقناع الأعداء بالتراجع. وبدلاً عن ذلك، اشتد القصف هذا الشهر إلى جانب اشتعال حرب كلامية.
من جانبهم، اتهم الأوكرانيون، علاوة على وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين، الروس باستخدام المحطة “درعاً نووياً” للقوات والأسلحة والذخيرة، واتهموا موسكو كذلك بإطلاق النار داخلها وحولها. في المقابل، اتهم الروس الأوكرانيين بإطلاق النار تجاه منشأة يقولون إن الجنود الروس يتولون حمايتها.
وفي تصرف غير مفاجئ، دعت روسيا إلى عقد اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لبث مزاعمها، ما دفع السفير الأوكراني إلى استنكار إهدار “أكثر عن ساعة للاستماع إلى عدد كبير من اللقطات الوهمية”.
بوجه عام، من المستحيل تحديد من يطلق النار، لكن حقيقة الأمر أنه لن يكون هناك تهديد بحدوث كارثة نووية لو لم تجتح روسيا أوكرانيا، وأن الخطر سينتهي على الفور إذا انسحب الروس من البلاد.
وبعد أسابيع من الخلاف بين روسيا وأوكرانيا حول كيفية دخول فريق من وكالة الطاقة الذرية للمنشأة، من المقرر أن يتحقق فريق الخبراء من تشغيل المنشأة واقتراح كيفية جعله آمناً قدر الإمكان.
ودعت أوكرانيا إلى أن يتمركز خبراء عسكريون ونوويون دوليون بشكل دائم في الموقع لضمان أمن محطة الطاقة ومحيطها المباشر وخلوه من الأسلحة الثقيلة. وتبدو هذه مخاوف مشروعة ومطالب عادلة، لكن روسيا رفضت إنشاء منطقة منزوعة السلاح حول محطة الطاقة.
ومع ذلك، تبقى هذه خلافات يمكن حلها، من خلال مفاوضات هادئة، إذا اتفق الجانبان على الضرورة الكبرى المتمثلة في تجنب وقوع كارثة نووية، والتي ستخلف تداعيات كارثية على روسيا مثلما هي لأوكرانيا، أو أي منطقة أخرى قد يصل إليها الإشعاع.

* عضو في إدارة تحرير “نيويورك تايمز” وترأس مكتب الصحيفة في موسكو خلال الثمانينات والتسعينات
* خدمة “نيويورك تايمز”