الرئيسة \  مشاركات  \  كيف ينتهي الأسد

كيف ينتهي الأسد

21.12.2013
د. ضرغام الدباغ




شاهدت مرة شريطاً مثيراً، في سياقه، إجابة على تساؤل : كيف تكون نهاية الأسد ملك الغابة بلا منازع أو منافس، هذا الذي تهابه وتخشاه سائر الحيوانات دون ريب، الملك الذي لا يخرج لصيد أي حيوان، إلا تلك الخطرة منها، كالجاموس البري، فينهض إليها بدلاً عن عائلته، ولا يشترك معه أي من أفراد عائلته في طعامه إلا بعد أن يكتفي وينهض متثاقلاً إلى ظل شجرة قريبة.  والأمر ليس قوة عضلات وفكه المخيف، بل وهو على رفعة وسمو أخلاقه الراقية، فهو لا يصيد ولا يقتل إلا إذا كان جائعاً، وتروي الأساطير أن(السبع) الأسد يستحي من المرأة ولا يهاجمها، ففي أساطير وادي الرافدين، أن السبع كان مرة جائعاً وأراد مهاجمة أي كائن حي ليسد رمقه، فشاهد إمرأة تغتسل على حافة الفرات، فهم بمهاجمتها، ولكن المرأة كانت تغتسل عارية فأستحى السبع، فتراجع عنها مفضلاً الجوع، على مهاجمة النساء فهذه ليست أخلاق الملوك ولا الرؤساء.
ولكن حتى هذا الملك / الرئيس النبيل، يأتيه الموت إذا دقت ساعته، وربما من حيث لا يحتسب. فقد يختار معركة خاسرة، غير مدروسة، فيصاب بجرح خلال معاركه الضارية لا سيما مع الجاموس البري، بضربة قرن ..... لاحظ، قد لا تكون مميتة، إلا أن الجرح سيكون مدخلاً لتسلل أمراض وجراثيم من محيطه أو من خارج محيطه ! ويموت نتيجة جراحه التي لم تكن تبدو في بادئ الأمر مميتة.
الأسد هذا الملك الشجاع، قد يهرم، وتلك سنة الله في خلقه في كافة الكائنات الحية ملوك ورؤساء، وعندما يهرم يدرك من حوله أن قدراته ذهبت مع الريح (مع الأعتذار للروائية مرغريت ميتشل)، فيبدأ أحترامه بالتراجع، فهو غير قادر على أثبات أنه ما زال يتمتع بقدرات الماضي، بل  حتى زئيره بدأ يتحول إلى خوار، فتتراجع قدراته في الصيد، ويفقد احترامه الذي كان يفرضه على (عائلته) والمحيط من الحاشية والأتباع، فيضيع ذلك الأنضباط الحديدي الذي كان يفرضه بالقوة، والمهابة كتحصيل حاصل، لضياع عنصر أساسي في المعادلة وهي: القوة، وسوف يتأمل السبع آسفاً أن من يحيط به ليسوا سوى أنتهازيين، كانوا بحاجة لزئيره، أو ضربة كف منه، ولكن اليوم لن يكترث به أحد، وما الأهتمام الظاهري الذي يبديه البعض، فهو في الحقيقة ليس سوى طمع في عرينه الآيل للسقوط، ومن حوله يتهامسون: أن هذه سنة الحياة، الخطأ في من لا يفهمها بسرعة ويؤمن لنفسه مكاناً قصياً ليموت فيه بهدوء.
أما إذا كان الأسد يفتقر إلى الذكاء، فهو لا يشاء أن يفهم قوانين الحياة، ولا يقبل أن يفهمه أياها أحد، فمن هو حوله ليسوا سوى صيادي مكافئات، ضباع تعودت على تناول الفطايس، وهنا يبدأ بأن يلعن حظه، الذي ساق إليه ضباع يرتدون أزياء تنكرية، وبالتالي فهو بضرب من تجاهل الوقائع الحقيقية، يرمي مآل كل الأشياء إلى الحظ، والطامعين، والأطراف، وأن من حوله ليسوا سوى من ينتظر أن ينفق لتعاد ترتيب الطاولة والمسرح برمته.
والغابة اليوم تزدحم بأسود مزيفة تلعب دور السبع الشريف على المسرح، على أمل أن الناس ربما قد نسوا الأسود الأصلية، لا سيما والسوق ملئ بفروات من الشعر الصناعي، وأنياب من بلاستك، وقماش بوليستر وكل هو رخيص الثمن، ولا أحد يسأل عن الزئير، وإن أعيته السبل فيزئر بصوت غيره، ولكن غيره أيضاً مصاب بمشكلة في اللسان فيأتي الزئير صوتاً لا ينبأ بشيئ سوى أنه في في واقع الأمر صار عالة ثقيلة حتى على من يستفيد من خدماته ويريد لها أن تتواصل. وليس من يدق ويرقص أو ينحب ويلطم سوى مخرج الحفلة، الخفاش الأكبر هو الآخر يداري شؤونه، وليس من المستبعد أنه يعد تمثيلية سخيفة من وراء الستار، ليبقى لاعباً ولو في زاوية الطاولة،  ويحاول عبثاً في ألعاب مع الكبار عله يستطيع أن يضفي على شخصه المتهالك كل ضروب الفخامة.
مالعمل .......؟
بعد الوصول إلى مرحلة القصف بالبراميل المتفجرة، والصواريخ البالستية، والغازات السامة، لا ينفع أي عمل، بلغت مرحلة بغبائك أوصلت فيها الشعب لقناعة أما الموت أو إزاحتك، أنت خسرت المعركة في جوهرها وأنتهى أمرك، فخسرت قلعة العروبة والرسالة الخالدة، والممانعة، وسالت الأصباغ من الوجه وبين زيف كل الأشياء، فما أنت سوى حصان طروادة جديد من الخشب، وأساساً لم تكن مكانتك نابعة عن ذكاء، ولست سوى أفضل الأسوء من بين خيارات أسود عظمى تنظر لك وللبلاد على أنها فريسة لا أكثر، وأنت أرتضيت لنفسك هذا الدور الوضيع، أنت أسد مزور لا تكن أبلهاً فتفقد ما يمكن أنقاذه في اللحظة الأخيرة، لم يبق لك شيئ لتبيعه، وعليك أن تفهم أنها قوانين الحياة لا محيص عنها، توارى حيث لا يراك أحد، فأنت حتى إن قبلوا بك في حفلة الضباع وبنات آوى، فستكون ضيف شرف ثقيل، وقائمة ديونك طويلة لا قبل لك ولا لغيرك على تسديدها، سترى أنهم سيحددون لك حتى ما ينبغي أن ترتدي من ثياب.
أمض ........ أمض قبل أن تتسخ حتى فروة رأسك وتفقد كل شيئ، وما تبقى هو القليل .... القليل جداً من كل شيئ .... أمض فليست هناك ضربة حظ، ولا المنقذ في اللحظة الأخيرة، إنما هو بناء ضرب العفن حتى أساسه ويستحق السقوط.