الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لأنه يمتلك كاريزما القائد وحرّر 70 في المئة من حلب...النظام السوريّ يحتفل بمقتل "حجّي مارع"

لأنه يمتلك كاريزما القائد وحرّر 70 في المئة من حلب...النظام السوريّ يحتفل بمقتل "حجّي مارع"

25.11.2013
عارف حمزة


المستقبل
الاحد 24/11/2013
يحقّ للنظام السوريّ أن يحتفل بمقتل القائد العسكريّ للواء التوحيد، التابع للجيش السوريّ الحرّ، الشهيد عبد القادر الصالح، بعد أن أعلن مراراً عن جائزة مقدارها مائتي ألف دولار لمن يلقي القبض عليه، أو يُساهم بتقديم معلومات تؤدّي للقبض عليه، أو يقتله. ويحقّ للجيش السوريّ الحر، بمقدار أكبر، الحزن على فقدان "حجّي مارع" في عمليّة تبدو استخباراتيّة دقيقة، أكثر منها قصفاً عشوائيّاً، أو رمية من غير رام.
من هو "حجّي مارع" ومسقط رأسه
ولد القائد عبد القادر الصالح في عام 1979 في مدينة "مارع" من الريف الشمالي لمدينة حلب. وهو متزوج وله خمسة أولاد. وكان يعمل في تجارة الحبوب والمواد الغذائيّة، قبل أن يترك هذه الأعمال ويلتحق بالثورة السوريّة التي انطلقت في آذار من عام 2011. ويُلقّب بحجّي مارع تحبّباً به؛ فلقب "حجّي" تعني الحاج وتقال هكذا للشخص نفياً للتفخيم وتبسيطاً للشخص على أنه قريب من القلب، ولبيس متعالٍ على الناس.
ويعتبر الصالح "داعية إسلامياً" عمل في سوريا والأردن وتركيا وبنغلادش، بعد إنهاء خدمته في وحدة الأسلحة الكيميائيّة في الجيش السوريّ. وهو من المنظّمين لأوائل التظاهرات السلميّة التي خرجت في ريف حلب، قبل أن يتحوّل الى العمل العسكريّ لإسقاط النظام.
أمّا مدينة مارع فاسمها مشتق من السهل الممرّع؛ بمعنى السهل الذي تكثر فيه المراعي. ومارع هو اسم الفاعل من مرعى أو مُمرع. وهي تبعد عن مدينة حلب 35 كيلومتراً إلى الشمال منها، ومن الحدود التركيّة 25 كيلومتراً، ويبلغ عدد سكانها ما يقارب ستين ألف نسمة. وهي مدينة ذات تربة خصبة جداً، وتاريخ خصب؛ حيث توالى على احتلالها، وإخضاعها، الكثير من الغزاة منذ الاسكندر المقدونيّ، الذي ترك فيها حامية، مروراً باليونانييّن والعثمانييّن، إلى الاحتلال الفرنسيّ.
خرجت أول تظاهرة فيها تنادي بالحريّة بتاريخ 22/4/2011. وقدّمت أكثر من ستين شهيداً من المقاتلين الأشدّاء، عدا عن الكثير من المدنييّن الذين سقطوا في جولات انتقام النظام منها.
من التظاهرات إلى تشكيل لواء التوحيد
لم تتأخر مارع إذن، كما بقيّة الريف الحلبيّ، عن الالتحاق بالتظاهرات المنادية بالحريّة ضدّ النظام السوريّ، وسرعان ما تحوّلت إلى تظاهرات تطالب بإسقاطه. وكان الصالح من القادة السلمييّن لتلك التظاهرات. وعندما استخدم النظام آلته الحربيّة والأمنيّة لخنق تلك التظاهرات، والقضاء عليها، وبدء سقوط القتلى والجرحى في تلك التظاهرات، ونقلت الصور للعلن اعتداء الأمن بوحشيّة على الذين هتفوا للحريّة واسقاط النظام، مناصرين لمدينة درعا التي تمّ حصارها بالدبابات ومختلف المدرّعات، مانعين عن سكانها الغذاء والدواء وحليب الأطفال.. قام الصالح بحمل السلاح مشكّلاً "كتيبة مارع"، حيث تبرّع من ماله الخاص لتسليح مجموعة من شبّان المدينة المشاركين معه في الحراك الثوريّ. واستطاعت هذه الكتيبة تحرير المدينة من قوّات الجيش والأمن المتواجدة فيها.
وعند اعتداء القوّات السوريّة على الريف الحلبيّ، اتحدت عدّة كتائب مقاتلة، من بينها كتيبة مارع، لتشكيل "لواء التوحيد" بتاريخ 18/7/2012، الذي تحوّل بعد فترة قصيرة إلى أقوى وأكبر التشكيلات العسكريّة المقاتلة لجيش النظام، حيث اتحد 29 فوجاً، يضم العشرات من الكتائب المقاتلة، وهي اتحاد الكتائب المجاهدة في مدن الباب ومنبج وجرابلس وتل رفعت ودارة عزّة ودير حافر ومسكنة ودير جمّال وحلب شمال وحلب غرب وعين العرب وريف حلب الشرقي والجنوبي والسفيرة وبيانونورتيانوبزاعة وصرين وكتائب إدلب واخترين ومعرة النعمان والرقة والطبقة وحلفايا بحماه والحولة بحمص ودوما بريف دمشق وكتائب الزبير بن العوّام وكتائب أبناء الصحابة واتحاد كتائب نصر سوريّا. وكان القائد العام لهذا اللواء هو عبد العزيز سلامة، بينما قائد العمليّات كان حجّي مارع، وقارب عدد مقاتليه العشرة آلاف مقاتل بأسلحة خفيفة ومتوسّطة، التي باع الصالح عدداً من أملاكه من أجل الحصول عليها، وبعض الأسلحة الثقيلة التي غنمها من مخازن قوّات النظام.
لواء التوحيد يُثير رعب النظام
رغم أنّ الاحتجاجات بدأت في مدينة حلب، على شكل تظاهرات صغيرة، منذ "جمعة العزّة" بتاريخ 25/3/2011، إلا أنّها لم تكن ضخمة إلا بعد إعلان التنسيقيّات عن "بركان حلب" بتاريخ 30/7/2011، وكان حينها يشهد الريف الحلبيّ عمليات انتقاميّة من النظام السوريّ. ولكنّها شهدت أكبر تظاهرة في جمعة "لن نركع إلا لله" بتاريخ 12/8/2011 في الكثير من أحيائها، والتي شهدت سقوط عدد من القتلى والجرحى في حيّ الصاخور.
وتأتي أهميّة حلب كونها المدينة الصناعيّة الأولى في البلاد، وصلة الوصل بين المناطق الشرقيّة والساحليّة، حيث مخزن قوّات النظام البشري والاستراتيجيّ. وكذلك بسبب العدد الهائل من السكان في تلك المدينة.
شارك لواء التوحيد بتحرير الكثير من مناطق ريف حلب، مثل معركة السيطرة على مدينة إعزاز ومدن جرابلس والراعي ، والكثير من البلدات الكبرى في الريف الشمالي للمدينة.
كان لواء التوحيد قد خطط لدخول مدينة حلب من الطرف الشرقي لمدينة حلب، ولكن اندلاع الاشتباكات في حيّ صلاح الدين عجّل بدخول جزء من قوّاته، بقيادة أحمد يوسف الجانودي، من الطرف الغربيّ، وذلك بتاريخ 20/7/2012، بينما في اليوم التالي دخل القسم الباقي من القوّات، بقيادة عبد القادر الصالح، من الطرف الغربيّ حيث بدأت معركة الفرقان، والمعارك الأخرى، لتحرير مدينة حلب من قبضة النظام؛ وتمّ تحرير أحياء صلاح الدين وسيف الدولة والصاخور، والسيطرة على المراكز الأمنيّة في النيرب وهنانو وثكنتها والصالحين والشعّار ومقرّ الجيش الشعبيّ ومشفى الكندي، ومدرسة المشاة ومباني البحوث العلميّة، خلال معركة القادسيّة، ومضافة آل بري، مركز شبّيحة النظام في مدينة حلب، حيث تمّ إعدام 14 من آل بري إثر محاكمة ميدانيّة سريعة، زادت من شعبيّة اللواء بين أهالي المنطقة، وخوفهم كذلك. وفي المحصّلة فقد سيطرت قوّات لواء التوحيد على ما يقارب من 70 في المئة من مدينة حلب.
ويُعتبر لواء التوحيد من أكثر الألوية التي لبّت النداء لفكّ الحصار عن مناطق خارج حلب؛ مثل معركة "القصير" ومعركة "قادمون يا حماه" وعاد، قبل أسابيع من استشهاده، للمشاركة في معركة السفيرة، التي شهدت معارك ضارية، انتهت بسقوط السفيرة في يد النظام.
دولة العراق والشام وبداية سقوط حلب
جاء إعلان الدولة الإسلاميّة في العراق والشام بقيادة أبو بكر البغدادي، بتاريخ 9/4/2013، بعد دمج فصيل جبهة النصرة معها. وبدأت العمل بشكل عكسيّ للثورة السوريّة؛ فبدل التوجّه لمحاربة قوّات النظام السوريّ ومراكزه، وتحرير المناطق الواقعة تحت سيطرته، مثل دمشق والحسكة واللاذقيّة وطرطوس والسويداء، توجّه نحو المناطق المحرّرة منها، مثل الرقة وحلب ودير الزور وريف الحسكة، وافتعل عدة أزمات مع فصائل الجيش الحرّ، ومنها مع لواء عاصفة الشمال في أحداث مدينة أعزاز الشهيرة. وكان لواء التوحيد دائم التوسّط بينها وبين بقيّة الفصائل التابعة للجيش الحرّ.
ولم يُخفي القائد الصالح اختلاف أفكاره وقوّاته مع داعش، ولكنّه رآها اختلافات، وليس خلافات.
وفي الوقت الذي شكّل لواء التوحيد الهيئات الشرعيّة والضابطة الشرعيّة والمحاكم والسجون، لمنع أعمال النهب والسرقة وترويع الأهالي والتعدّي على الممتلكات والأرواح، تمّ اتهام داعش بتلك الأفعال في أكثرها، ما جعل الخلافات تنشب بشكل متواصل بين الجانبين، وكذلك بدأ يزيد النقمة من الأهالي على الجيش الحرّ.
ومنذ وصول داعش إلى مناطق حلب بدأ التحارب بين الفصائل المنضوية تحت لواء التوحيد، والفصائل المتعاونة معه. في الوقت ذاته الذي جلس فيه النظام متفرّجاً على حلب، تاركاً داعش تقوم بدورها في إضعاف الجيش الحرّ هناك، طوال ما يقرب من عام كامل. وفي الأشهر الأخيرة أعلن الصالح، وفي أكثر من تصريح، بأنّ لواءه لا يستلم أيّة أسلحة جديدة نوعيّة من التي تمّ إدخالها إلى الداخل، وتوزيعها على الكثير من الفصائل. وبأنّ مقاتليه باتوا "يعتمدون على الله في القتال وليس على السلاح". في الوقت الذي قدّم فيه العقيد "عبد الجبّار العكيدي" استقالته من منصبه كرئيس للمجلس العسكريّ الثوريّ التابع للجيش الحرّ، وكان أحد أسباب استقالته "نتيجة لتعنت البعض عن الاستجابة للدعوة إلى التوحّد ورصّ الصفوف، والتعالي عن الأنا والغرور، مما أدّى إلى تراجع الجبهات، وخسارة طريق الإمداد، وآخر الخطب سقوط مدينة السفيرة".
ومنذ الإعلان عن تواتر الاجتماعات بين الفصائل الإسلاميّة من أجل إعلان الوحدة بين قوّاتها لتشكيل "جيش محمّد"، وكان الصالح محور هذه الاجتماعات، في تقريب وجهات النظر والأفكار المستقبليّة، وإعلان النفير العام من أجل الدفاع عن حلب، واستعادة السفيرة، حيث كان النظام قد أعلن عن حربه لاستعادة حلب منذ نهاية شهر تشرين الأول الماضي. وبدأ النظام بالفعل بشنّ هجومه، بالتعاون مع قوّات حزب الله اللبنانيّ وقوات أبي الفضل العباس العراقيّ، على شكل كمّاشة من الجانبين الشمالي والشرقيّ لمدينة حلب، وبدأت بمعركة السفيرة ومطار منغ، للتوجّه إلى داخل أحياء مدينة حلب، بعد أن تأكّد بأنّ الخلافات والتناحر والاختراقات قد وصلت الى مرحلة متقدمة.
هل هناك خيانة في اغتيال حجّي مارع؟
بسبب شخصيّته المحبوبة، سواء من مقاتليّ الجيش الحرّ أو من أهالي محافظة حلب أو من الناشطين السلمييّن الثورييّن حتّى، وأفكاره المعتدلة حول شكل الدولة المراد إقامتها، بعد إسقاط نظام الأسد. وبسبب موقفه الإيجابيّ من الأقليّات، حيث صرّح بأنّه يتمنّى لو كان من الأقليّات، وبسبب بيعه الكثير من ممتلكاته للحصول على السلاح من أجل تدعيم مقاتليه، بعكس الذين صنعوا ثروات طائلة من النهب والسرقة، وبسبب التأكيد عليه من قبل كبار شيوخ حلب، والثناء على صدقه وأمانته، التي اشتهر بها حتّى قبل اندلاع الثورة. ورغم أنّه نعى الائتلاف السوريّ المعارض "لتشرذمه وانقسامه"، ورفض العمل تحت مظلّته السياسيّة، إلا أنّه ظلّ يعمل من أجل توحيد جهود الثوّار، وتقريب وجهات النظر والأفكار، بخاصّة مع الفصائل المتشدّدة، ولم يقم بإشاعة اليأس أو الخذلان، بل ظلّ مبتسماً، وأصوات القذائف تعلو من حوله، ليشيع الفكرة بأنهم منتصرون لا محالة، وإشاعة الرعب في أوصال جيش النظام، والمتعاونين معه، بأنهم خاسرون وساقطون لا محالة أيضاً.
وإنّ أكثر ما يُخيف النظام، لو راجعنا جرائمه في اغتيال شخصيّات شعبيّة كثيرة، هو هذه الشخصيّة الجامعة، التي تملك كاريزما القائد الحقيقيّ. لذلك صار عبد القادر الصالح هو العدوّ رقم واحد للنظام السوريّ، والحجر الأوّل الذي يجب اقتلاعه من أساس النضال الثوريّ، كي يتهدّم هذا البناء الثوريّ كلّه، ولتكون حلب هي البداية. وهذا ما جعل الصالح يتعرّض لعمليتيّ اغتيال سابقتين، نجا منهما بإعجوبة، إحداها عند استهداف مكان إجراء مقابلة معه من قبل قناة إخباريّة عربيّة بصاروخ، والأخرى عندما تمّ إطلاق النار عليه من قبل شخص بقي مجهولاً لحدّ الآن.
الأخبار أتت لتعلن إصابة الصالح بجروح بعد استهداف مقر كتيبة المشاة في حلب، حيث كان يجتمع مع قادة وعناصر من الجيش الحرّ، يوم الخميس 14/11/2013، وبأنّه توفّي متأثّراً بجراحه ليل السبت 16/11/2013 بعد نقله لأحد مشافي مدينة غازي عنتاب التركيّة، ووري الثرى في قبر حفره بيديه، وأوصى بدفنه فيه عند موته، في مدينته مارع في 18/11/2013، التي تضم رفات، ابن مدينته، الشاعر رياض الصالح الحسين.
ولكن وصلتنا معلومات، نتكتّم على مصدرها، تفيد بأنّ إصابة صالح لم تكن داخل مبنى كليّة المشاة، ولا أثناء الاجتماع!. لو أخذنا بهذه الفرضيّة لكان هناك عدد كبير من القتلى الآخرين المجتمعين معه، أو الجرحى على الأقل. بل المعلومات التي بين أيدينا تفيد بأنّه تمّ استهداف سيّارة عبد القادر الصالح بمجرّد خروجه من الاجتماع بصاروخ من الجوّ. والفرضية تقول بأنّه يوجد من سرّب المعلومات، للذي أعطى الأوامر للطائرة كي تقصف بدقة شديدة، مكان الاجتماع، ولحظة خروج الصالح، مع القياديين يوسف العبّاس (أبو الطيّب)، قيادي في لواء التوحيد، وعبد العزيز السلامة، القائد العام للواء التوحيد، ونوع السيارة التي ستقلّهم، وربّما تمّ وضع علامة على تلك السيّارة، يمكن رؤيتها من الطائرة التي ستقصفها. حيث جرح في العمليّة سلامة واستشهد أبو الطيب. ولم يتمّ الإعلان عن إصابة غيرهم!. بمعنى أنّه يوجد اختراق وخيانة في موضوع الاغتيال هذا. وربّما هذا ما جعل أحد الناشطين، في تنسيقيّات الثورة السوريّة، يبارك لداعش، على صفحته الشخصيّة، فوزها بجائزة المئتي ألف دولار التي أعلن عنها النظام.
مهما يكن من أمر، وبالرغم من الحرب الإعلاميّة الشرسة التي شنّها النظام على الصالح، والأخبار التي كان يبثّها عن وحشيّة الصالح، ونقمة أهالي حلب عليه؛ لأنّه دخل المدينة وجعلها عرضة للقصف والدمار، فإنّ الصالح يبقى خسارة كبيرة يُمنى بها الجيش الحرّ، وهذه الخسارة قد تؤدّي، وفق تحليل الخبراء، إلى انهيار حلب، وسقوطها بيد النظام، أو تكون سبباً في وحدة الفصائل وتحقيق الأمنيات الكثيرة التي كان يتمنّاها، لسوريا الإسلاميّة المتعدّدة والمتحضّرة، ابن ريفها الصادق والطيب، والذي طافت صوره على صفحات الثوّار السورييّن بمختلف مشاربهم وانتماءاتهم. هو الذي قال ذات يوم: أحبّ أن تنتهي هذه الحرب ويسقط النظام، وأعود إلى بيتي وأطفالي وجيراني مواطناً سوريّاً عاديّاً، ولكن مرفوع الرأس.