الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لأن الحرب الاستباقيّة لم تحقّق أهدافها هل ينسحب الحزب من سوريا لمصلحة لبنان؟

لأن الحرب الاستباقيّة لم تحقّق أهدافها هل ينسحب الحزب من سوريا لمصلحة لبنان؟

08.02.2014
اميل خوري


النهار
الخميس 6/2/2014
قرر "حزب الله" التدخل عسكرياً في سوريا بذريعة انه يريد القيام بحرب استباقية على من يسميهم "تكفيريين" قبل أن ينتقلوا الى لبنان، فاذا بهذه الحرب لا تحقق اهدافها إنما حصل العكس باقدام هؤلاء "التكفيريين" على الرد في لبنان بسلسلة تفجيرات واغتيالات بواسطة انتحاريين لم ير لبنان صورة لهم في أوج حروبه الداخلية، لأن تدخّل "حزب الله" عسكرياً في سوريا الى جانب طرف ضد طرف ولكل منهما أبعاد سياسية ومذهبية أوجد في لبنان بيئات حاضنة لهؤلاء "التكفيريين".
لذلك تتساءل أوساط سياسية لماذا لا يقدم حزب الله على الانسحاب من الحرب السورية علّ ذلك يعيد الوحدة الوطنية المهتزة الى الداخل اللبناني، ويسهل تشكيل حكومة جامعة واجراء انتخابات رئاسية في موعدها الدستوري، بعدما تبيّن ان الحرب الاستباقية التي ارادها في سوريا ضد "التكفيريين" لم تحقق اهدافها إنما نقلت هذه الحرب الى الداخل اللبناني؟ ولماذا لا يجرب الحزب هذه الخطوة لتكون الحرب على "التكفيريين" في وقتها انجع من حرب استباقية لم تكن في وقتها؟ فعندما ينتقل "التكفيريون" الى الحرب في لبنان من دون اي مبرر فإن اللبنانيين على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم سوف يتصدون لهم صفاً واحداً، ولن يجدوا بيئة تحتضنهم في أي منطقة. لكن عندما ينقسم اللبنانيون في مواجهة هؤلاء وبينهم من هو منحاز للنظام في سوريا ومن هو منحاز لخصومه، فإن هذا الانقسام يجعل المتقاتلين في سوريا يجدون بيئة تحتضنهم او تحميهم او تغطيهم وهو الحاصل حالياً بكل أسف... وهذا دليل على ان الوحدة الوطنية في كل بلد هي الاساس، فلولاها لا استقلال ولا سيادة ولا استقرار. فحرب تموز 2006 ضد اسرائيل لو لم يواجهها اللبنانيون بوحدة موقف وبتضامن، لكانت اسرائيل ربما سجلت انتصاراً عليهم، وعندما تكون الوحدة الوطنية متصدعة، فلن يستطيع اللبنانيون التصدي لأي معتد عليهم حتى وإن كانت اسرائيل.
فالمطلوب من "حزب الله" اذاً الانسحاب من الحرب في سوريا لأنها زادت انقسام اللبنانيين حدة وعرضت الوحدة الوطنية للانهيار والسلم الاهلي لخطر الفتنة وباعدت بينهم الى حد ان طرفاً صار يرفض الجلوس الى طاولة واحدة مع الطرف الآخر، وان يكون معه في حكومة واحدة كي تصح تسميتها بالحكومة الجامعة، وان يعرض هذا الانقسام السياسي والمذهبي لبنان لخطر الفراغ الشامل اذا تعذر اجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري، وعندها لا يسد هذا الفراغ سوى الفوضى العارمة والهدامة التي تأخذ لبنان الى المجهول.
فلا شيء إذاً يعيد اللبنانيين الى وحدتهم الداخلية والى تماسكهم وتضامنهم سوى الاتفاق على تحييد لبنان عن صراعات المحاور بكل اشكالها وصورها، حتى اذا ما اعتدت اسرائيل عليه يكونون صفاً واحداً في مواجهتها، ولا يكونون صفوفاً متبعثرة ومتناحرة تنفد منها اسرائيل لتحقيق اهدافها في لبنان، كما ينفد منها كل عدو له لتدميره.
لقد أعلن وزير الخارجية الايراني محمد ظريف أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس ان لا علاقة لبلاده بارسال "حزب الله" مقاتلين الى سوريا لمساندة نظام الاسد وان الحزب اتخذ قراره بنفسه، فاذا صح هذا القول فإنه يمهد للانسحاب ويضع الحزب امام مسؤوليته الوطنية والتاريخية، ويجعله وحده يتحمّل نتائج تدخله في هذه الحرب على لبنان بعودة مسلسل التفجيرات والاغتيالات المتنقلة، واشتداد الخلاف بين القوى السياسية الاساسية في البلاد على تشكيل حكومة جامعة او اي حكومة تشكل بالتوافق تشيع اجواء الثقة والارتياح وتكون قادرة على التصدي لكل عدو في الداخل وفي الخارج ومنع وجود بيئات حاضنة لهؤلاء في اي منطقة ولا شيء يمنع ذلك سوى حكومة تعيد الوحدة الوطنية الى قوتها وتماسكها، وتوحّد اللبنانيين في مواجهة الارهاب، وهي مواجهة لا تقع مسؤوليتها على الدولة وحدها بكل مؤسساتها وسلطاتها بل على تعاون الشعب كله معها والالتفاف حولها.
هل يقدم "حزب الله" على خطوة جريئة فيتخذ قراراً وطنياً وتاريخياً بسحب مقاتليه من سوريا كي ينقذ لبنان اولا ويزيل الانقسام الداخلي الحاد سياسياً ومذهبياً، فيلتقي الاقطاب مرة اخرى الى طاولة الحوار او الى طاولة مجلس الوزراء للبحث في وسائل تحصين لبنان من الداخل ليصبح قادراً على مواجهة اي عدو. وهذا لا يتحقق الا بمصالحة وطنية حقيقية شاملة وبجيش ينتشر على طول الحدود مع سوريا ومع كل دولة مجاورة لضبطها ومنع اي تسلل او تهريب عبرها، بعد تعزيز الجيش عدة وعدداً، وتشكيل حكومة تجمع ولا تفرق، وانتخاب رئيس للجمهورية يتحلى بمواصفات هذه المرحلة؟ اذا كان لايران دور في جعل "حزب الله" يتخذ هذه الخطوة، ولا شك ان لها هذا الدور، فما عليها الا ان تشجع الحزب على اتخاذها لتثبت فعلا لا قولا انها مع وحدة لبنان وأمنه واستقراره، خصوصا اذا ظلت الحرب سجالاً في سوريا ولا حل سياسياً لها ولا عسكرياً ولا في امكان فريق الانتصار على الفريق الآخر.
يبقى سؤال مهم: هل تنسحب سوريا سياسياً وأمنياً من لبنان اذا انسحب لبنان منها؟!