الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لابد من وقفة عند المنعطف

لابد من وقفة عند المنعطف

13.06.2013
صالح القلاب

الرأي الاردنية
الخميس 13/6/2013
المفترض، بعد أكثر من عامين، أن الأردنيين كلهم ببرلمانهم وأحزابهم ونقاباتهم وبعلْمانييهم ومتدينيهم وليبرالييهم و»قمعييهم» وببدْوهم وفلاحيهم وبمهاجريهم وأنصارهم..وأيضاً بحكوماتهم المتعاقبة، التي بعضها لا يسُر الصديق ولا يغيضُ العدا، قد تعلموا دروساً مستفادة من كل هذا الذي جرى في المنطقة وكل هذا الذي لا يزال يجري بالقرب من حدودنا وأنهم أدركوا أن هناك معجزة فعلية في أنْ نحقق الإصلاحات التي حققناها، التي على المدى الأطول نسعى لأكثر منها كثيراً، وأنْ يبقى بلدنا متماسكاً ومسيرتنا لا تتوقف وعلاقاتنا العربية والدولية مبعث إفتخارٍ لنا جميعنا وفوق هذا أن نستقبل كل هذه الأعداد «المليونية» من الأشقاء الذين جاءوا مستجيرين ببلد كرمه أكبر من إمكانياته كثيراً وشهامة أهله جعلته قِبْلةً لكل مستجير ولكل طالب للأمن والأمان.
كان يجب، وقد صمد بلدنا كل هذا الصمود في منطقة زعزعت كياناتها كل هذه الأنواء العاصفة، أنْ نعطي أنفسنا، كلنا وبدون إستثناء، فرصة لإلتقاط الأنفاس ولإعادة النظر في ما أنجزناه وفي ما لم ننجزه وفي ما هو ممكن وما هو غير ممكن وما يجوز وما لا يجوز وما هو معقول وغير معقول فشعبنا الأردني شعب حيٌّ وحيوي والشعوب الحية هي التي تستطيع التغلب على التحديات والصعاب وهي التي تحقق تقدماً متواصلاً بينما كل من حولها يُشَدون إلى الخلف وحقيقة وبدون إدعاء فإن هذه الصفات هي صفات شعبنا.. وهذا هو التاريخ لا يزال حاضراً بكل محطاته الصعبة التي تجاوزناه بقوة عزائمنا وبقدرة الله عز وجل.
قبل يومين أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تصريحاً هو الأول من نوعه منذ إندلاع هذه الأحداث المأساوية في الجارة الشقيقة الشمالية قال فيه، ما معناه،: أنه كان بإمكان بشار الأسد أن يجنب بلده كل هذه الويلات لو أنه بادر ومبكراً ومنذ اللحظات الأولى إلى إجراء بعض الإصلاحات المُحقّة التي يطالب بها شعبه ولو أنه بدل هذا لم يرفع مستوى التحدي ويلجأ إلى العنف والحلول الأمنية.
نحن نعرف أن هناك فرقاً بين طبيعة الحكم هنا، في المملكة الأردنية الهاشمية، وبين طبيعته في الجارة الشمالية الشقيقة العزيزة فهناك وقع أول إنقلاب في العام 1949 بينما كنا هنا نعالج جراح نكبة عام 1948 التي هي نكبة أردنية كما هي نكبة فلسطينية والتي هي نكبة عربية لا تزال تلقي بظلالها على واقع الحال العربي حتى الآن وبينما كُنَّا نُعد لدستورٍ كأننا نعد له حالياً بعد كل هذه التطورات الإقليمية والدولية وبينما كنا أيضاً نسير فعلاً في إتجاه ديموقراطية إستطعنا أن ننجزها في عام 1956 وكان بالإمكان أن نحقق على أساسها إنجازات تاريخية هائلة لو لم يختطفها من بين أيدينا «المُنْبتُّون» الذين أنجرفوا مع موجات الإنقلالات العسكرية.
لكن ومع ذلك ورغم أن الأردن بتكوينه الإجتماعي وبتجربته ورغم أنه مثل كل الأنظمة الملكية التي صمدت في وجه هذا الربيع العربي العاصف الذي إجتاح العديد من دول هذه المنطقة فإنه كان من الممكن ألاَّ يحقق كل هذه الإنجازات الإصلاحية التي حققها والتي لا يجوز الإكتفاء بها وإنه كان من الممكن أن يكون نسخة أخرى عن بعض هذا الذي يجري في الجارة الشمالية العزيزة والشقيقة سوريا لو لم تتصرف قيادته بحكمة ولو لم تتجنب العنف ومنذ اللحظات الأولى ولو لم تبق ملتصقة بشعبها ولم تجعل بينها وبينه حجاباً لا أمنياً ولا مخابراتياً ولا عسكرياً ولا طائفياً ولا حزبياً.. وأيضاً ولا نفسياً وهذا الأخير هو الأهم.
وحقيقة أنَّ هذا يجب أنْ يُلزِم بعضنا بضرورة التعاطي مع بعض قضايانا العالقة ومع بعض مطالبنا المحقة بالصبر وبسعة الأفق وبالإبتعاد عن الطرق الموحلة وعن جلد الذات وعن ما قد يوصلنا ويوصل بلدنا في لحظة إنعدام السيطرة على ردود الأفعال إلى «الإنتحار» لا سمح الله وعلى غرار كل هذا الذي يجري في سوريا الذي لو أنه عولج في الشهور الستة الأولى بعقلانية وبمسؤولية ووطنية بعيدة عن «العنجهيات» ونزق الإستعلاء فلما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه.
«السعيد من اتعظ بغيره والشقي من اتعظ بنفسه» ولهذا فإنه لابد من وقفة جدية عند هذا المنعطف الخطير وحقيقة أن هذا الذي نراه، إنْ تحت قبة البرلمان وإنْ في بعض الأداء الحكومي وإنْ بالنسبة لبعض التعاطي الشعبي مع بعض المطالب التي قد تكون محقة، لا يسرُّ البال وهو يبعث على مخاوف كثيرة وبخاصة وأن بلدنا يقف صامداً وسط كل هذه الأنواء والعواصف وبين ألسنة النيران المتاججة التي تُزنِّره من كل جانب.