الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لا فائدة من تبادل اللوم

لا فائدة من تبادل اللوم

08.10.2014
علي أبراهيم



الشرق الاوسط
الثلاثاء 7-10-2014
يبدو أن هذا هو موسم تبادل اللوم وإلقاء المسؤولية على آخرين بعدما وضح أنه لا أحد توقع تدهور الأوضاع في العراق وسوريا إلى حد سيطرة تنظيم إرهابي على مساحات واسعة من الأراضي ومدن رئيسة مثل الموصل خلال فترة زمنية قصيرة وتحوله إلى ظاهرة تهدد الاستقرار الإقليمي والأمن العالمي.
آخر فصل في تبادل اللوم هو هذا التلاسن الذي انتهى بمكالمات هاتفية اعتذارية إلى تركيا والإمارات لتوضيح تصريحات نائب الرئيس الأميركي جو بايدن التي فهم منها أنه يحمل فيها دولا صديقة لواشنطن في المنطقة مسؤولية نمو تنظيم داعش الإرهابي بهذا الشكل، وحينما نسب إليه أن مشكلة واشنطن في سياستها تجاه سوريا كانت الحلفاء.
وهو فصل جديد من عملية تبادل اللوم ولا يتوقع أن يكون الأخير، وقد بدأ داخل واشنطن نفسها بين الرئيس أوباما ووكالة الاستخبارات الأميركية بعد أن نسب إلى الرئيس قوله إن الوكالة قللت من مخاطر هذا التنظيم وبالغت في قدرات الجيش العراقي، وقالت الوكالة من جانبها إنها رفعت تقارير لم يتنبه لها جيدا البيت الأبيض الذي كان مشغولا في قضايا أخرى. ودخل على الخط في اليومين الماضيين بانيتا وزير الدفاع الأسبق الذي انتقد في كتابه الجديد أوباما بسبب عدم استماعه إلى نصائح المسؤولين العسكريين ووزيرة الخارجية في ذلك الوقت هيلاري كلينتون بإبرام اتفاق مع حكومة المالكي لإبقاء قوات أميركية بدلا من الانسحاب الكامل وإحداث فراغ.
هناك أخطاء ارتكبت دون شك وإلا ما كان الوضع ليصل إلى ما هو عليه الآن، وهناك شبه قناعة بأن الانسحاب السريع من العراق دون التأكد من وجود مؤسسات دولة قوية تضم الجميع، مسؤول عن التدهور الأمني الحالي، كما أن التردد وعدم الحسم تجاه الأزمة السورية في وقت مبكر سمحا للجماعات المتطرفة بإعادة تنظيم وتجميع نفسها في سوريا للانطلاق منها إلى العراق ثم إزالة الحدود، وهناك استفادة من هذا الدرس في أفغانستان بالاتفاق الذي أبرم لإبقاء قوة هناك بعد الانسحاب.
وهي أخطاء لا بد أنها ستكون مجالا للباحثين في الاستراتيجيات والحروب والدبلوماسية لتحديد من المسؤول عن ماذا ليستفاد منها في المستقبل، لكن في الظرف الحالي لن يستفيد أحد من لعبة تبادل اللوم واستغلالها في سياسات محلية لأنها تضر أكثر مما تفيد على صعيد بناء الشراكات وترسيخ الثقة بين أطراف التحالف الذي يجري تشكيله من أجل دحر الإرهاب وتنظيماته بما في ذلك "داعش".
المهم الآن هو الاتفاق على استراتيجية وسياسات واقعية في هذه الحرب وحشد الجهود إقليميا ودوليا لمحاصرة الظاهرة والقضاء عليها، فهناك وضع تفاقم إلى درجة خطيرة وبدأ يتمدد إلى خارج العراق وسوريا ليجر معه لبنان، ويجتذب منظمات إرهابية أخرى في مناطق أخرى مثل ليبيا وبلدان أفريقية وفي شمال أفريقيا تمارس نفس الأساليب وتهدد بتوسيع حزام الإرهاب جغرافيا. قبل سنوات لم يكن أحد لديه فكرة واضحة عن الطبيعة المعقدة والمركبة للخريطة السورية الداخلية وإمكانية استخدامها من قبل النظام أو أطراف أخرى لجر الانتفاضة الشعبية المطلبية إلى وضع طائفي وما يشبه الحرب الأهلية، وهو كانت له خبرة سابقة في تسهيل تسفير مقاتلين متطرفين عبر الحدود إلى العراق عندما كانت القوات الأميركية هناك.
لكن أيضا لا يجب المبالغة في قدرات الإرهاب وتنظيماته؛ فالحديث عن حرب تستمر عقودا أو 30 عاما كما قال بانيتا عليه علامات استفهام، والمؤكد أنه لو كان هناك جهد عسكري وسياسي مشترك حقيقي لا تردد فيه، فلن يحتاج الأمر مثل هذا الوقت، فالأزمات تطول لأن الدول تستغلها في بعض الأحيان في أهداف سياسية أو مصالح خاصة بها، والأزمة السورية مثال على ذلك مع تصادم الأطراف الإقليمية والدولية فيها على نمط حروب الوكالة أيام صراع الاتحاد السوفياتي السابق والولايات المتحدة، والأفضل للجميع دوران عجلة التعاون لإطفاء الأزمة سواء في سوريا أو العراق.