الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لا بواكي له.. متباكون عليه

لا بواكي له.. متباكون عليه

15.01.2014
عيسى الشعيبي


الغد الاردنية
الثلاثاء 14/1/2014
بداية، ينبغي توضيح أن لا ميزة لمخيم اليرموك عن جواره، وأن مأساته جزء من مأساة سوريّة أوسع، وأن مشاهد الموت جوعاً في المخيم المنكوب لا تقتصر فقط على سكان تلك الضاحية الجنوبية من دمشق، إذ يتشاطر "اليرموك" مع الأحياء المحاصرة في نطاق العاصمة السورية وخارجها، أهوال زهق الأرواح وتدمير البيوت والتهجير، ناهيك عن الجوع والبرد والقصف، وكل ما يكابده الناس على امتداد الجغرافيا السورية من ويلات فظيعة.
غير أن المشاهد المنقولة عبر الفضاء الإلكتروني من قلب المخيم الجائع، مؤخرا، وأصوات الاستغاثة التي تم سماعها بجلاء في الخارج، كانت أكثر وضوحاً على الشاشة، وأشد وقعاً في الضمائر، من معظم الصور التي تم نقلها من بقاع سورية مماثلة، تعاني فوق ما يعانيه "اليرموك" من قتل وترويع ونقص في الخبز والحرية والدواء والأمن. وهذه ميزة تحسب لنشطاء المخيم، الذي كان حتى الأمس القريب بمثابة عاصمة للشتات الفلسطيني.
وإذا كان العالم قد خذل السوريين وأدار ظهره لمعاناتهم الرهيبة، فإن من المؤلم حقا أن شطرا من الفلسطينيين أنفسهم، مؤسسات وقوى سياسية وفصائل، فضلاً عن كتّاب ومثقفين عدميين، قد شارك العالم صمته أمام هذه المحنة، فيما انحازت قلة قليلة منهم إلى جانب النظام المتوحش، وهللوا لتدخل إيران وحزب الله في الدفاع عن قلعة الممانعة الأخيرة، في مشهد ينم عن موت ضمير وعماء بصيرة، امتد من حيفا وغزة ورام الله، إلى ديار ومنافٍ بعيدة.
فعلى امتداد عمر المأساة السورية التي حصدت أرواح نحو ألفي فلسطيني، فضلا عن حيوات 130 ألف سوري، وسحقت العديد من مخيماتهم، كان الصمت سيد الموقف لدى المؤسسة الرسمية الفلسطينية، التي دعت من دون جدوى إلى تحييد المخيمات عن حلبة الصراع السوري، فيما بدت معظم الفصائل في منظمة التحرير متماهية مع خطاب النظام الزاعم أنه يحارب التكفيريين، وفق ما بدت عليه مواقف تلك الفصائل والدكاكين المقيمة في دمشق.
ورغم كل المشاهد الصادمة المتدفقة مؤخراً من "اليرموك"، بما في ذلك صور الموتى جوعاً، لم تتزحزح الاصطفافات السابقة عن مواضعها إلا قليلاً، إذ جرّمت السلطة الوطنية، مؤخرا، فصيلاً بعينه سعى مبكراً إلى جر المخيم إلى حلبة الصراع، فيما التزم آخرون سياسية "لم رأيت... لم سمعت"، وظلوا على عهدهم يمالئون القاتل، ويصادقون على روايته القائلة إن الجماعات المسلحة هي التي تحاصر المخيم، وتمنع وصول إمدادات الطعام لسكانه.
كان من المتوقع أن تشذ حركة حماس عن ما يشبه الإجماع الفصائلي الشائن، وألا تشارك خصومها في خذلان المخيم المحاصر، لاسيما بعد أن غادرت قيادتها عرينها الدمشقي، ولم يعد لديها ما تخشاه من عواقب على مقر سياسي أو مكتب إعلامي. غير أن "حماس" خيبت الآمال بالنأي بنفسها عن العار، وبددت الرهانات المعقودة على موقف فلسطيني مغاير، إذ كان امتناعها عن تبني رواية النظام الدموي، يعادل صمتها المخزي على استمرار الجريمة بحق أبناء جلدتها كل هذا الوقت.
وقد تجلت الازدواجية الحمساوية أكثر من ذي قبل، عندما دعت "الحركة" هذا الأسبوع، تحت ضغط صور الموتى جوعاً في "اليرموك"، إلى تنظيم وقفة تضامنية، اختارت لها مكاناً قصياً شمال القطاع المحاصر بدوره، استغرقت مدة عشر دقائق، لم يرجم فيه المتحدث الوحيد أمام جمهور صغير النظام الممانع بكلمة واحدة. أما عندما خرجت جماهير غزية في اليوم التالي، للتضامن مع المخيم الجائع، فقد بادرت "حماس" إلى قمع المتضامنين وتفريقهم بالقوة المفرطة.
بكلام آخر، فقد اشتركت أوساط من الطبقة السياسية والثقافية الفلسطينية، بجميع ألوان طيفها، من وطنيين وقوميين ويساريين وإسلاميين، في ارتداء عار الصمت، ولم ترفع الصوت، وهو أضعف الإيمان، ضد مأساة أشقاء لهم في "اليرموك". كما لم يتورع رئيس وفد المنظمة إلى دمشق عن نقل المسؤولية من القاتل إلى المقتول (كذا،) فيما لم يتأخر المشتاقون إلى الحضن الإيراني عن أخذ قسطهم العادل من جريمة التخلي، سياسيا وأخلاقيا، عن مصير المخيم الجائع، في لحظة سياسية كاشفة للنوايا المريبة.
issa.alshuibi@alghad.jo