الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لا تلوموا أميركا بل... أنفسكم!

لا تلوموا أميركا بل... أنفسكم!

30.10.2013
سركيس نعوم


النهار
الثلاثاء 29/10/2013
عام 1925 توصل المجتمع الدولي إلى إتفاق حرّم استعمال الأسلحة الكيماوية في الحروب. وتمّ توقيعه في جنيف التي حمل اسمها. وكان الدافع الى وضعه المآسي والأهوال التي نتجت عن استعمال الأسلحة المذكورة في الحرب العالمية الأولى. إلا أنه لم يوقف إنتاجها كما لم يردع الدول عن استعمالها. ففي عام 1935 استعملتها إيطاليا في حربها مع "أبيسينيا". وفعلت اليابان الأمر نفسه ضد الصين في أوائل الحرب العالمية الثانية. ولم يقتصر خرق الاتفاق على الدولتين المذكورتين. فأميركا استعملت "العامل أو المكوّن البرتقالي" (Agent Orange) ضد ثوار "الفيتكونغ" الثائرين عليها في فيتنام الجنوبية، وضد شقيقتها الشمالية التي كانت تدعم ثورتهم بكل شيء. طبعاً إدعى مسؤولوها في حينه أن الهدف من ذلك كان إزالة الأحراج وليس قتل البشر. لكن القتل كان نتيجة حتمية للاستعمال. وفي عام 1980 قصف الرئيس العراقي صدام حسين موجات بشرية كانت إيران تواجه بها غزوة لأراضيها بصواريخ وقذائف مدفعية محشوة بأسلحة كيماوية. وأشارت التقديرات في حينه إلى أن عدد القتلى من الإيرانيين راوح بين 50 و100 ألف. وما فعلته أميركا، وكانت يومها بإدارة الرئيس رونالد ريغان، كان إيفاد ممثل له إلى بغداد لتوثيق الصلات القائمة مع ديكتاتورها. وأهانت هذه الإدارة الأكراد معنوياً بعد ذلك عندما "ضرب" صدام ثوارهم في "حلبجة" بأسلحة كيماوية عام 1988. وتسبب ذلك بقتل نحو سبعة آلاف شخص وبجرح ألوف أخرى غالبيتها من المدنيين. ورد فعل أميركا كان إلقاء اللوم والمسؤولية على إيران. علماً أن أميركا وطوال سنوات الحرب المشار إليها حالت دون اتخاذ الأمم المتحدة أي موقف ضد نظام صدام. وعندما وافقت أخيراً على قرار دولي بعد مجزرة "حلبجة" اشترطت أن يتضمن "إدانة للاستعمال المستمر للأسلحة الكيماوية في الصراع الدائر بين إيران والعراق، وتوقُّعا أن يتوقف كلاهما عن استعمالها مستقبلاً تنفيذاً لالتزاماتهما في بروتوكول جنيف". أما سبب هذا الموقف فكان رغبة أميركا في رؤية إيران مهزومة بصرف النظر عن الوسيلة. وقد عبّر عن ذلك بعد سنوات عدة وزير الخارجية في ذلك الوقت جورج شولتز بقوله، استناداً إلى معلومات صحافية أميركية، "إنه ميزان صعب. فالعراقيون يستعملون اسلحة كيماوية وأنت تريد وقف ذلك. لكنك في الوقت نفسه لا تريد أن ترى إيران رابحة للحرب".
ما الهدف من هذا السرد لـ"التاريخ" الكيماوي الدولي وخصوصاً الأميركي؟
ليس الهدف الإساءة إلى الولايات المتحدة لخرقها "بروتوكول جنيف" مباشرة ومداورة، رغم عدم انسجام ذلك مع قيمها الرسمية المعلنة والمُطبَّقة على شعبها فقط. فهي دولة عظمى بل أعظم حتى الآن. وما يحرِّكها هو مصالحها الحيوية والإستراتيجية الثابتة رغم أن التطورات الدولية والاقليمية قد تدفع إلى تعديلها أحياناً. وهذه المصالح لا تأخذ عادة مصالح الشعوب الأخرى والدول الأخرى والأوطان الأخرى في الاعتبار، أو بالأحرى لا تستطيع أن تأخذها في الاعتبار دائماً رغم رغبتها في ذلك. والأسباب كثيرة وغالباً ما تكون حقيقية. مثل عدم موافقة الرأي العام، ومثل الكلفة المالية الضخمة، ومثل عدم امتلاك الإمكانات والعناصر البشرية اللازمة للقيام بمهمات "شرطي العالم" وحلاّل الأزمات الأقليمية والدولية. ورغم ذلك فان غياب "القلب" لحساب العقل المصلحي فقط يؤذي الشعوب، وخصوصاً في العالم الثالث الذي دفع في الماضي ضرائب استعماره عقوداً طويلة، والذي يدفع حالياً ثمن تخلّفه الذي جذّره الاستعمار ولم يسع جدياً إلى إزالته.
كما ليس الهدف مساعدة نظام الرئيس السوري بشار الأسد من طريق تبرير استعماله السلاح الكيماوي ضد شعبه، وتبرير إحجام الرئيس الأميركي باراك أوباما عن توجيه ضربة محدودة ولكن موجعة له بعد ذلك الاستعمال، علماً أن الغالبية داخل بلاده تؤيد ابتعاده عن التورط العسكري في سوريا.
بل هو دعوة دول العالم العربي والإسلامي في الشرق الأوسط وكلها عالمثالثية إلى العودة إلى العقل والمصالح، وإلى تجاوز الخلافات الطائفية والمذهبية، والتفاهم على احترام بعضها بعضاً، وعلى توزيع عادل للأدوار في ما بينها داخل هذه المنطقة. إذ بذلك وحده تتقدَّم أنظمة وشعوباً ويترسخ السلام فيها وربما العدل والحرية. والثلاثة ليست جزءاً من إهتمامات أميركا أو لا قدرة لها على فرضها.
هل نرى ذلك؟ صعبٌ جداً. ربما أحفادنا إذا كنا متفائلين.