الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لا حرب ضد "داعش" بالنيّات الحسنة

لا حرب ضد "داعش" بالنيّات الحسنة

13.07.2015
مصطفى كركوتي



الحياة
الاحد 12/7/2015
ليس معروفاً بعد ما إذا كان المجتمع الدولي سيتخذ الخطوات الضرورية لصوغ استراتيجية شاملة تهدف لدحر "داعش"، على رغم أنه يواصل حربه المتوحشة ضد كل من لا يكون على شاكلته. ولعل من يتعرض لظلامية هذا التنظيم ومن هم على رادار الذعر منه، يتطلع ببعض الأمل نحو تصريحات رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون في أعقاب مذبحة تونس ضد السيّاح على شواطئ سوسة حيث قال: "إننا نواجه حرب وجود" ضد "داعش"، واصفاً المواجهة بـ"إما نحن أو هم". ونفترض أن رئيس الحكومة البريطاني يتحدث في هذه الحالة باسم بلاده لفقدانها 30 مواطناً كانوا بين الـ 35 سائحاً غربياً في سوسة، ولكن يمكن قراءة ما يعنيه ضمناً بتوسيع التنسيق مع قوى التحالف الغربي-العربي في الحرب عندما يقول: "يجب أن نعمل سوية كي نقضي على "داعش" في سورية والعراق".
كلام كاميرون أول تلميح من زعيم غربي مهم ليس عما يجب القيام به لمواجهة "داعش" فحسب، بل من قبيل الإدراك لحقيقة ان مواجهة كهذه تتطلب جهداً عاجلاً على المستوى الكوني. بعبارة أخرى: جهد جماعي يشمل الشرق والغرب، المسلمين وغير المسلمين، والعرب وغيرهم.
لكن ليس واضحاً بعد كيف سيتم الانتقال إلى حالة "العمل سوية" لاقتلاع "داعش" من المنبع. والغالب هو أن تكتفي بريطانيا في أحسن الأحوال بالمشاركة في الحملة الجوية الراهنة في سورية والعراق إذا سمح البرلمان بذلك. وبالفعل، فقد بدأ وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون مباشرة بعد مذبحة تونس، التحرك لحشد التأييد البرلماني لانضمام بلاده إلى الحملة الجوية. ومعروف أن حكومة الإئتلاف البريطانية السابقة حاولت في 2013 ولكن فشلت، في الحصول على موافقة مجلس العموم على شن غارات جوية ضد أهداف تابعة للرئيس السوري بشار الأسد. ويعتقد البعض أن المناخ السياسي بعد مجزرة تونس ربما تغير في بريطانيا وفي أوروبا أيضاً، لا سيما أن الأهداف المنوي ضربها راهناً مختلفة في شكل أساسي.
فالحملة الراهنة ضد أهداف "داعش" تشنها طائرات تابعة للولايات المتحدة والسعودية ودولة الإمارات وقطر في إطار تحالف أوسع. والى جانب الولايات المتحدة فكندا هي الدولة الوحيدة العضو في حلف الناتو المشاركة في الحملة.
في كل الأحوال ومن وجهة عسكرية بحتة، فالمشاركة البريطانية المرغوبة في الحملة الجوية قد تضيف بعض القدرات المفيدة إلى الحملة، لكنها لن تُحدِث بالضرورة تغيراً ملحوظاً في نوعية الهجمات. لكن مثل هذه المشاركة سيكون لها معنى مفيد للغاية. فمن ناحية، ستحمل رسالة إلى "داعش" مفادها أن التحالف ضده يتسع وينمو كماً ونوعاً بإضافة دولة جديدة كبريطانيا، وقد تنضم دول أخرى أعضاء في الناتو لاحقاً. وهي أيضاً، من ناحية أخرى، رسالة إلى الولايات المتحدة تقول إن لندن تعود إلى السبيل السوي كصديق تعتمد عليه واشنطن كما عهدتها دائماً في السابق. ومعروف أن بريطانيا تشارك في الطلعات الجوية ضد أهداف "داعش" في العراق، لكن مشاركتها في الحملة في سورية تتطلب قراراً برلمانياً واضحاً.
وإذا ما حدث هذا، فالتحالف الغربي قد يسير على طريق المواجهة مع "داعش" حتى النهاية.
الآن، هل يجب أن نتوقع تحرك المجتمع الدولي نحو وضع استراتيجية شاملة للحرب ضد "داعش" بعد حملاته المتوحشة في تونس والكويت وفرنسا ونيجيريا؟ لا شك في أن حملة كهذه ستكون شرطاً ضرورياً لأي نجاح محتمل لإلحاق الهزيمة بـ "داعش". وقد يتطلب هذا دوراً أوسع من الجهد الذي يبذله التحالف راهناً ليتسع بحيث يشمل روسيا. ولكن لسوء الحظ ليس لدى واشنطن ولا موسكو أي تصور يمكن أن نطلق عليه اسم استراتيجية. الإعلان عن النوايا كما فعل كاميرون مؤخراً أمر جيد، ولكن التحرك قدماً نحو استراتيجية فعالة يجب أن يكون متعدد الابعاد بالإضافة إلى الحملة الجوية. فهذه الأخيرة قد تستمر لسنوات عدة من دون أن تُحدِث تغيراً ملحوظاً في الخريطة السياسية ما لم تكن هناك قوات على الأرض ترفدها. تضاف إلى ذلك ضرورة توفير الدعم العاجل للتنظيمات الأهلية، وهي عديدة، الناشطة في مناطق آمنة كثيرة في سورية وتقديم الحماية الأمنية لها.
ولكن يخشى أن يكون سجل أحداث السنوات الأربع الأخيرة قد أثبت فشل المجتمع الدولي في إنقاذ سورية من مآسيها الراهنة. ولذا، فإن أي إستراتيجية للمستقبل القريب وما وراءه يجب ألاّ تقتصر على العمليات العسكرية لأن ذلك لا يكفي لحل تلك المشاكل الصعبة.
فما حدث في العراق خلال السنوات العشر الماضية، وبالتحديد منذ 2003، واقع محزن ومأسوي يجب ألاّ يتكرر في سورية. فالتحالف الغربي الدولي بقيادة الولايات المتحدة هدم بنى العراق التحتية وقضى على قيادته البغيضة في 2003، ولكنه ترك الدولة من دون بناء بديل ومتين يستطيع ضمان مستقبل البلد واستقراره.
وبعد انسحاب القوات الأميركية والغربية من العراق، ملأت إيران الفراغ وتقدمت بطموحها الجامح نحو التوسع وبسط النفوذ في الإقليم إلى موقع الصدارة، كلاعب حاسم يقرر مصير بغداد الآن وفي المستقبل المنظور. وواضح أن طهران تلعب دوراً حاسماً أيضاً في مستقبل دمشق ونظام بشار الأسد من خلال الدور المباشر لخبرائها، فضلاً عن المشاركة الواسعة في العمليات العسكرية لميليشيا "حزب الله" التابعة لها. الفرق الجوهري بين العراق وسورية هو دور تركيا، أهم عضو في حلف الناتو، التي يُسمَح لها بلعب دور خبيث في تفتيت الأراضي السورية ورفد "داعش" في وضح النهار. لذلك من الصعب التفاؤل بأقوال كاميرون حول "حرب الوجود" مع ذاك التنظيم.