الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لا حل لمشكلة أكراد سوريا سوى الحل الديموقراطي

لا حل لمشكلة أكراد سوريا سوى الحل الديموقراطي

19.07.2013
مأمون كيوان

المستقبل
الجمعة 19/7/2013
[ الكتاب: مسألة أكراد سوريا: الواقع التاريخ الأسطرة.
[ الكاتب: فريق من الباحثين.
[ الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت 2013
 
صرح الناطق الرسمي باسم "مجلس شعب غرب كردستان" شيرزاد اليزيدي، مؤخراً، أنه بناء على مقترح من "مجلس شعب غرب كردستان" تجري حاليا الاستعدادات لتنظيم انتخابات برلمانية سينبثق عنها تشكيل حكومة محلية لإدارة شؤون المناطق الكردية بسوريا، وستكون مهمتها الأساسية التأسيس لإجراء انتخابات برلمانية قادمة بغضون 3 أشهر، وكذلك العمل على إعداد مشروع لدستور مؤقت سيطرح على الاستفتاء قبل تنظيم تلك الانتخابات البرلمانية، وبعد تشكيل البرلمان سيجري عرضه على البرلمان المنتخب لإقراره".
وبادر حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري "بي واي دي" بطرح مشروع يدعو إلى تشكيل قيادة مشتركة تضم كافة القوى الكردية من دون استثناء لإدارة شؤون المناطق الكردية المحررة. وكان الحزب قد تمكن من تشكيل مجلس اقتصادي لإدارة الموارد الطبيعية لتلك المناطق، وإعادة توزيعها بشكل عادل بين المواطنين.
ويأتي المقترح المذكور ليعمق مغالطات وأساطير في الرؤية السائدة لأوضاع كرد سوريا، وبالتالي في صياغة الحل الموضوعي لمشكلاتهم "التاريخية" والراهنة. فالحل الذي يستنسخ الحل العراقي يرتكز على أن هناك ثمة "كردستان الغربية أو السورية" على غرار "كردستان العراق" و"كردستان إيران" و"كردستان تركية" التي تشكل جميعها ما يسمى "كردستان الكبرى" الموعودة على غرار "إسرائيل الكبرى" و"أرض الميعاد الموعودة". وهكذا أسطورة أو قراءة خاطئة تضع الكرد عموماً وعلى نحو خاص كرد سوريا في وضع صعب في علاقتهم مع محيطهم الاجتماعي والإقليمي العربي والإسلامي، وهم أي الأكراد ليسوا أصحاب خصومات وعداوات مع العرب سواء أكانوا مسلمين أو مسيحيين.
ومما لا شك فيه أنه تتشابك في مسألة أكراد سوريا عوامل تاريخية وديموغرافية، وتتفاعل معها سياسات أطراف إقليمية ودولية. ولأهمية هذه المسألة جاءت دراستها من قبل فريق من الباحثين في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
تكونت الدراسة من مقدمة وثلاثة أقسام (فصول) وخاتمة. حيث تضمن الفصل الأول عرضاً تاريخياً لتواجد الأكراد في سوريا وعلى نحو خاص خلال الفترة (1925-1939) التي شهدت الهجرة الكردية الأولى إلى سوريا نتيجة لمشكلة تركية أنتجت مسألة كردية في تركيا. فقد حطمت معاهدة لوزان 1923 مشروعين أساسيين نصت معاهدة سيفر 1920 على قيامهما في أراضي ما سيشكل لاحقاً الجمهورية التركية، هما مشروع الدولة الأرمنية والكيان الكردي القابل للتطور خلال سنة من إبرام معاهدة فرساي إلى تقرير مصيره وإمكان التحول دولة مستقلة. وكانت أراضي هذين المشروعين تعتبر كردية وجزءا لا يتجزأ من كردستان الشمالية في منظور القوميين الأكراد، بينما كانت تعتبر أرمنية في منظور القوميين الأرمن، في حين كانت تعتبر تركية بالنسبة إلى القوميين الأتراك، كما يعتبر جزء كبير منها جزءًا من منطقة الشام التاريخية، بالنسبة إلى القوميين العرب، وتحديداً بالنسبة إلى النخبة القومية السورية التي قادت مشروع المملكة السورية العربية في عام 1920
وكانت الجزيرة السورية الكبرى ( الرقة ودير الزور والحسكة) محل مشاريع إثنية فرنسية لتشكيل كيانات بدوية وكردية وكلدو-آشورية. وفي اواسط الثلاثينات دمجت هذه المشاريع فرنسياً في مشروع تشكيل كيان كلدو-آشوري وكردي وبدوي عربي في الجزيرة السورية لتقويض الحكم الوطني (1936-1939) الذي انبثق من المعاهدة الفرنسية-السورية.
وتناول هذا القسم الفترة (1945-1963) التي شهدت الهجرة الكردية الثانية إلى سورية؛ ونشوء مشكلة "أجانب تركيا" التي اثارها نور الدين زازا الأمين العام للحزب الديمقراطي الكردي- الذي أسس في عام1957 واتخذ موقفاً سلبياً من الوحدة السورية-المصرية- ولخصها برفض السلطات منح الجنسية السورية لعدد كبير من الكرد.
وكان لاحقاً برنامج إصلاح الجزيرة ومشروع الحزام العربي، المستند إلى دراسة لقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي في محافظة الحسكة، أعدها محمد طلب هلال، رئيس الشعبة السياسية في الحسكة تحت عنوان "دراسة عن محافظة الجزيرة من النواحي القومية، الاجتماعية، السياسية". وطرحت الدراسة استئصال "المشكلة الكردية" في الحسكة من خلال برنامج تعريب شامل يقوم على: تهجير السكان الأكراد الى الداخل وتوزيعهم، واعتماد سياسة التجهيل. لكن قيادة المؤتمر القطري الأول لحزب البعث الذي عقد في أيلول1963 رفضت الدراسة.
ورغم رفضها عينت القيادة القطرية للبعث في عام 1965 هلال محافظاً للحسكة وعملت على دراسة فكرة "الحزام العربي" الذي بلغت مساحته نحو 3001911 دونماً، ونحو 25 ألف نسمة من أكرادها مسجلون بوصفهم "أجانب". وبلغ عدد قرى "الحزام العربي" 42 قرية، وروعي في قراه وضع قرية عربية بين كل قريتين كرديتين أو ثلاث. ومن ناحية النتائج كانت سياسة الحزام العربي سياسة اسمية، ومن الناحية الديمغرافية محدودة النتائج.
كما عرضت خريطة انتشار المجتمعات الكردية المحلية وتمييزها بين "أكراد الدواخل" و"أكراد الأطراف"، وأشكال الاندماج السياسي والثقافي منذ مرحلة ما قبل الاستقلال. وكان من بين الشخصيات الوطنية السورية المشهورة إثنان من أصول كردية هما: يوسف العظمة وإبراهيم هنانو. وبرز لاحقاً في مرحلتي الاستقلال والجلاء كل من: حسني الزعيم قائد أول انقلاب في سوريا؛ وأديب الشيشكلي وفوزي سلو.
وتم في القسم الثاني عرض لمحة عن نشأة المنظومة الحزبية الكردية السورية وانشقاقاتها وبرامجها السياسية، وعلاقتها بالحركة الوطنية السورية. حيث تم رصد ثلاث مراحل أساسية في تاريخ الحركة الكردية السورية هي:
1 - مرحلة خويبون التي انطلقت مع جمعية خويبون في أواسط عشرينات القرن العشرين، وكانت متمركزة في كردستان التركية لكن قادتها كانوا يقيمون في الجزيرة السورية، وانشقوا إلى جناحين: أولهما، جناح بدرخان- حاجوآغا الموالي لفرنسا ومخططاتها التقسيمية. وجناح آل قدري جميل باشا الذي عارض الخطط الفرنسية.
2 - مرحلة (البارتي) المرتبطة بنشوء الحزب الديمقراطي الكردي (البارتي) بدمشق عام 1957، واتسمت بتفاعل المجتمع الكردي السوري مع عودة الملا مصطفى البارزاني إلى العراق في عام 1959،
3 - وتتميز المرحلة الثالثة بتأسيس حزب العمال الكردستاني بزعامة عبد الله أوجلان.
وتمحور القسم الثالث حول دور الأكراد وموقعهم في الثورة السورية وتحالفاتهم مع فصائل الثورة السورية. فجرى التركيز على موقع ودور الأكراد في الثورة السورية التي تنافست فصائل المعارضة عليها، فكانت"جمعة أزادي" و "جمعة الوفاء للانتفاضة الكردية" محطتين في مسيرة الثورة وعلى أساسهما رسمت خريطة التحالفات الحزبية الكردية مع هيئة التنسيق الوطنية، وتأسيس المجلس الوطني الكردي وعقبات الانضواء في المجلس الوطني السوري.
ومن جهة أخرى حاولت السلطة تحييد الأكراد أو استمالتهم لصالحها من خلال تلبيتها لبعض مطالب الأكراد المتعلقة بالجنسية وتسجيل الأراضي، وإصدار مراسيم رئاسية حولها، والسماح لميليشيات حزب الاتحاد الديموقراطي بالسيطرة على أغلبية الإدارات والمواقع الأمنية في حلب وعفرين.
وخلص فريق الباحثين في خاتمة الكتاب التي حملت عنوان " نحو حل ديموقراطي" إلى رزمة نتائج من أبرزها:
- لم تكن هناك قط من سياسات "عنصرية" طبقت بالفعل ( ... ) وأن ما هو عنصري كان أفكاراً ورغبات فردية، لكن لم تتحول قط إلى سياسة وبرامج".
- لا يسمح توزع المجتمعات المحلية الكردية السورية بحكم تباعدها الجغرافي الكبير جداً، بأي حديث ممكن عن مجتمع كردي متواصل وممتد جغرافياً ومناطقياً وبشرياً.
- صيغ الحكم الذاتي الإقليمي والفيدرالية والكونفدرالية تقوم على أساطير أيديولوجية بحته. هذا عدا عدم واقعيتها واستفزازها للشعب السوري الثائر من أجل حقوقه، ومن أجل الديمقراطية للسوريين جميعاً.
-لا يتطلب حل "المسألة الكردية" السورية تغيير اسم الجمهورية العربية السورية إلى "الجمهورية السورية"، فالمعطى الجوهري يتمثل في أن سوريا "جمهورية عربية"- يشكل العرب نسبة 91% من سكانها- وإن إثارة تغيير الاسم تتم لدى بعض المجموعات الكردية السورية لغايات ومشاريع قومية غير مندمجة وطنياً".
إجمالاً، من الخطأ الجسيم ومجافاة للحقيقة هو الاعتقاد القائل أن فريق الباحثين الذين ألفوا هذا الكتاب قد قاموا "بتفسير الماء بعد جهد بالماء"، لأنهم قدموا معالجة موضوعية وواقعية لمعاناة أكراد سوريا المتعددة الجذور والمراحل والأشكال، التي لا تختلف عن معاناة عموم المواطنين السوريين على اختلاف أصولهم القومية وانتماءاتهم الإثنية والدينية والمذهبية والطائفية التي تتطلب حلاً ديمقراطياً. ولعل من المؤشرات الأولية على تبلور هذا الحل تبوأ شخصيتين كرديتين، عبر عملية انتخاب ديمقراطية، رئاسة المجلس الوطني السوري ورئاسة أول حكومة مؤقتة للثورة هما: عبد الباسط سيدا وغسان هيتو. أما الحل الانتهازي التقسيمي في جوهره فيستنسخ الحل "الأوسلوي" الذي ثبت فشله فلسطينياً و لا يصلح كردياً. ولعل الكرد يتذكرون مصير جمهورية "مهاباد".
 
مراجعة: مأمون كيوان