الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لا ربيع في دمشق وبيروت من دون طهران؟!

لا ربيع في دمشق وبيروت من دون طهران؟!

25.05.2015
غازي دحمان



المستقبل
الاحد 24/5/2015
تثبت الأحداث، يوماً بعد أخر، أن الحرية المنشودة في المشرق العربي لن تتحقّق، طالما بقيت طهران أسيرة حكم الملالي، كما أن الاستقرار والحياة الطبيعية، ستبقى غائبة عن هذه المنطقة، مع استمرار معادلة الحكم القائمة في طهران، ما يعني أن تضحيات الثورة السورية سيكون محكوماً عليها بالمآل والنتيجة اللتين وصل إليهما حراك المجتمع المدني اللبناني الذي انتهى بإحداث تعديلات بسيطة في المشهد اللبناني من دون قلب المعادلة كلياً، بما يتوافق وتطلعات غالبية اللبنانيين، بمختلف طوائفهم وإنتماءاتهم السياسية والفكرية.
والأمر ليس مقتصرا على سقوط أحد رموز التبعية الإيرانية أو إضعاف رمز أخر، فتلك لن تكون سوى سجالات في حرب طويلة الأمد، يديرها ملالي طهران لغايات في أنفسهم. فقد تكشّف أن إيران لديها أكثر من خطة في إدارتها للأزمات المشرقية، وأن خططها تلك تنطوي على تراجعات في أمكنة معينة، مقابل تجميع قواها في مكان آخر. وفي النتيجة، تبقى فاعليتها في التعطيل والتخريب، مؤثرة ومؤذية، بالقدر الذي يبقي منسوب التوتر مرتفعاً، وكفيلاً بإبقاء كيانات سياسية في المنطقة تدور في فلكها.
ليس سراً قيام إيران باختراق النسيج الاجتماعي السوري، وبناء أنساق وتشكيلات موالية لها، تتخذ في الغالب الصفة العسكرية، وهي تشكل ضمانة للوجود الإيراني بعيد المدى، حتى لو اضطرت إلى التراجع في وجه الثورة السورية، مع إدراكها انها قد تضطر أيضاً إلى تغيير بعض الواجهات بأخرى. وهذه التشكيلات مرتبطة عقائدياً وحتى معيشياً بالمركز الايراني، وقد كيّفت قناعاتها بأن الارتباط مع إيران بمثابة الحلف المقدس، بعد أن أقنعت نفسها بأن ارتباطاتها السابقة من وطنية وقومية هي مجرد أوهام، بل أنها مصادر تهديد لوجودها وكيانها.
على ذلك، فإن مواجهة الثوار لإيران على جبهاتهم، على أهميتها، تبقى ناقصة ما لم يتم ربطها بهدف استراتيجي أبعد، وهو جعله خطوة على طريق "ربيع طهران"، وهذا يستدعي إيجاد آليات وتقنيات إضافية للوصول إلى قلب المجتمع الإيراني، وتحريك ديناميات الثورة بداخله، بمعنى ربط الثورة العربية بشقيقتها الإيرانية، والخروج من النظر إلى إيران بوصفها كتلة متماسكة، وأن الحرب معها لا تعدو كونها حربا دينية صرفة. ذلك أن تفحص الوقائع بحيادية، من شأنه ان يكشف خطل هذا الاعتقاد، واستفادة حكم الملالي، وتوابعه في المنطقة، من هذا الخطأ.
يمتاز المجتمع الإيراني بحيويته وثرائه الفكري وتنوعه، وامتلاكه لمختلف التيارات الفكرية من حداثية وليبرالية، وينطوي على توجهات ثورية من خارج تعريف الثورة الإسلامية. كما توجد تيارات مناصرة للمرأة وللأقليات. وهذه التيارات تعارض بشدّة سياسات التدخل الملالي، بل تطالب بتركيز الجهود لتطوير وتنمية المجتمع الإيراني، كأولوية مطلقة. وقد شاهد العالم فعالية هذه التيارات وطبيعة توجهاتها ومطالبها في ثورة طهران الخضراء سنة 2009 ، وكيف جرى قمعها بشدة، وتخلى العالم عنها، لدرجة يصح معها وصفها بالثورة اليتيمة أيضاً.
بالمقابل، يمتاز نظام الحكم في إيران بأنه من أنظمة الحكم الشمولية، وهو عبارة عن خليط من حكم ثيوقراطي أوليغارشي (عسكري مستبد) وإن كانت سيطرة رجال الدين هي الطاغية، إلا أن ذلك لا ينفي بوليسيته، من خلال اعتماده على العديد من أجهزة القمع، في إدارة الحكم وضبط حركة المجتمع وتوجيهها. ولا يخفى على متابع للشأن الإيراني أن الادوات السلطوية للحكم الإيراني من مؤسسات ودستور وعملياتها السياسية من انتخابات وتداوله للسلطة، ليست أكثر من قضايا شكلية، او أقله عمليات تجري ضمن نخبة واحدة، ولا تختلف في ذلك عما هو موجود لدى الأنظمة الديكتاتورية المقيتة في العالم الثالث.
نتيجة ذلك، ثمة انفصال واضح بين ما يطلبه وما يطمح له ويريده الجزء الأكبر من الشعب الإيراني، وما يفعله قادة النظام الإيراني. فتلك المطالب لا تدخل ضمن اعتبارات صناعة القرار ولا تنعكس في نتائج تلك القرارات، وإلا ماذا يعني أن يتبرع نظام الملالي بحوالى 35 مليار دولار لدعم نظام الأسد سنويا، فيما أكثر من أربعين في المئة من خريجي الجامعات الإيرانية عاطلون عن العمل، حسب اعترافات علي لاريجاني، هذا ناهيك عن درجات الفساد العالية في كل المستويات العسكرية والإدارية، التي يغطيها انخراط إيران العسكري على أكثر من جبهة؟
يحتاج العرب في تعاملهم مع إيران إلى ما هو أكثر من "عاصفة الحزم"، خصوصاً بعد أن تبين أنهم لا يفعلون أكثر من قتل أنفسهم، ففي اليمن وسوريا والعراق يقتل العربي العربي، وإذا كان ليس المطلوب أن يكون القتيل إيرانياً، فإنه يستلزم حكما إجبار ملالي إيران على تعديل سياساتهم تجاه المنطقة. وهذا لن يتم بالتصدي لهم في الجغرافيا العربية، لأن هذه المعركة لن تنتهي بعد قرن من الآن، بل من خلال التفكير من خارج صندوق الأدوات وفتح نوافذ الأمل لشعب إيران، الذي لديه ألف سبب وسبب للثورة على نظام خارج من العصور الوسطى، لا مستقبل لديه ولا أمل في إصلاحه. آن الأوان لتوأمة "ثورة المشرق" مع "ثورة إيران"، كي يزهر الربيع في دمشق وبيروت وسائر المشرق.