الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لا فرق بين عربي وعربي

لا فرق بين عربي وعربي

26.10.2014
مصطفى زين



الحياة
السبت 25-10-2014
تقترب الولايات المتحدة من الإتفاق مع إيران على برنامجها النووي. وليس تكهناً أن هذا الإتفاق يشمل التفاهم على تقسيم النفوذ في الشرق الأوسط. فهذا هوالأساس في الخلافات بين الطرفين. أما المسألة النووية فليست سوى عنوان تندرج تحته كل القضايا الأخرى، من المصالح النفطية في الخليج إلى الموقف من إسرائيل، فضلاً عن التحالف مع روسيا. يؤكد ذلك بعض المسؤولين في البيت الأبيض وفي مراكز الأبحاث المؤثرة التي ترى أن واشنطن تستطيع التعايش مع إيران نووية، حتى لو امتلكت السلاح الذري، مثلما تتعايش مع باكستان التي احتضنت "طالبان" و"القاعدة". ولا ينسى هذا البعض التذكير بأن البرنامج النووي نشأ بمساعدة غربية، فرنسية تحديداً، أيام الشاه عندما كان حليفاً لأميركا، ويضطلع بدور شرطي الخليج والمدافع عن الجبهة المتقدمة في مواجهة الإتحاد السوفياتي، وصديق إسرائيل الحميم.
من حق الدول العربية أن تقلق وتتوجس من أي اتفاق بين الولايات والمتحدة وإيران لأنه، في كل المقاييس، سيكون على حسابها، خصوصاً ان أمنها مكشوف تنخره الطائفية من الداخل، وتهددها المطامع من الخارج. وهي غارقة في صراعات قبائلها وطوائفها و"دواعشها" التي أفرزتها خلال عشرات السنين ودعمتها لاستخدامها في أفغانستان والعراق وسورية، وفي غير بقعة من العالم عندما كانت تخدم مصالح واشنطن الإستراتيجية والمصالح الضيقة لداعميها.
يستدعي هذا الإهتراء العربي عودة سريعة إلى الوراء. حتى سبعينات القرن الماضي، كانت المواجهة مع إيران وتركيا والولايات المتحدة قائمة على أسس جيواستراتيجية. ولم تكن الأيديولوجيا الدينية أداة هذه المواجهة. في معنى آخر، كانت إيران وغيرها تواجه شعوباً عربية أهدافها شبه موحدة. صحيح أن هذه الشعوب ضعيفة، لكن كان لديها شعور قومي وإحساس بالكرامة يحول دون اختراقها أو التدخل في شؤونها وتفتيتها وإعادتها إلى ما قبل التاريخ. ولنتذكر أن الأيديولوجيا القومية واليسارية كانت قادرة على التأثير في حركة الشعب الإيراني وتوجيهها ضد سياسات الشاه الداخلية والخارجية. (الثورة المصرية تزامنت مع حركة مصدق الذي أطاحته الإستخبارات الأميركية والبريطانية عام 1953).
بعد هزيمة المشروع العربي في حروب من الخارج، وغزوات من الداخل، أصبح من السهل لإيران وغير إيران التحكم في التوجهات السياسية لكل الدول العربية، من مصر قائدة القطار التي وقعت في براثن اتفاقات كامب ديفيد، وعزلت نفسها عن عالمها، إلا عندما تملي عليها هذه الإتفاقات التحرك، إلى العراق الذي دمر وأعيد إلى مرحلة ما قبل الدولة، فسورية التي يجري تدميرها بيتاً بيتاً وحجراً حجراً...
باختصار أصبح العالم العربي من دون مناعة، تتقاذفه الرياح، وليس غريباً أن يكون أي اتفاق إيراني - أميركي على حسابه. حتى لو حجّم الإتفاق دور طهران ونفوذها، وهذا مستبعد، فسيكون ذلك لمصلحة الولايات المتحدة وليس لمصلحة العرب المستمرين في عملية تدمير ذاتي تغني الآخرين عن عناء شن حروب عليهم.
فشلت كل الرهانات على حرب شاملة تشنها الولايات المتحدة على إيران. وانعكس التجييش الديني على العالم العربي تدميراً، فيما الإتفاقات عليه قائمة بين الشرق والغرب لا تفرق بين هذه الطائفة أوتلك. ولا فرق بين عربي وعربي إلا بمقدار ولائه للخارج.