الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لا عودة للاجئين قبل رحيل الأسد 

لا عودة للاجئين قبل رحيل الأسد 

05.12.2020
رياض معسعس



القدس العربي 
الخميس 3/12/2020 
انتهت أعمال اليوم الأول من الجولة الرابعة لاجتماعات اللجنة الدستورية السورية المنعقدة يوم الاثنين الماضي في جنيف، وقد احتل ملف اللاجئين حيزا كبيرا من الاجتماع بعد جدلٍ بين وفدي النظام والمعارضة حول عودة اللاجئين، ففي الوقت الذي طالب فيه وفد النظام باعتماد عودة اللاجئين "كمبدأ وطني" أعلن وفد المعارضة رفضه لهذا المبدأ واعتبر أن هذا الملف هو إنساني قانوني غير تفاوضي، والعودة يجب أن تكون طوعية وآمنة. 
ويبدو أن النظام يشدد على ضرورة عودة اللاجئين لأكثر من سبب وكان قد عقد نظام الأسد برعاية روسيا مؤتمر اللاجئين في الحادي عشر من الشهر الماضي، لكن اللاجئين السوريين وتحت شعار "لا عودة قبل رحيل الأسد" رفضوا مقترحات مؤتمر اللاجئين السوريين، وانتهى بفشل ذريع. 
إعادة الإعمار 
إذ ظهرت صالة الاجتماع خاوية على عروشها، بعد رفض الكثير من الدول بما فيها الولايات المتحدة، والدول الأوروبية المشاركة في هذا المؤتمر. 
وسعت موسكو جاهدة من وراء هذا المؤتمر تحقيق هدفين اثنين: تعويم نظام بشار الأسد بإظهار أن السوريين يعودون إلى حضن النظام، وهذا يعني أن الحرب قد انتهت وعادت المياه إلى مجاريها في سوريا، والأمن مستتب. 
هذا من ناحية، وبعودة اللاجئين يفتح الباب أمام إعادة الإعمار التي تضع روسيا عينها على حصة الأسد فيها والتي تقدر بأكثر من 250 مليار دولار. وهكذا يتم الالتفاف على العقوبات المفروضة على النظام، وخاصة العقوبات المتعلقة بقانون قيصر الأمريكية. لكن حساباتها اصطدمت بواقع الرفض التام من قبل اللاجئين، ومن قبل الدول التي بإمكانها تقديم مبالغ كافية لإعادة الإعمار. 
التأقلم في بلد اللجوء 
وفي واقع الأمر أن نظام بوتين هو المسؤول الأول عن فشل المؤتمر كونه يستمر في عمليات قصف المدنيين، وقتل الأطفال في المناطق التي زعم أنها آمنة، وخاصة في منطقة إدلب، وهجر مئات الآلاف من مناطق مختلفة من سوريا إليها، ويدفع بآلاف النازحين لسلوك طريق اللجوء في الدول المجاورة وخاصة تركيا. ويتجاهل أيضا أن بشار الأسد اعتبر أن مسألة لجوء الملايين من السوريين خطوة إيجابية "لمجتمع أكثر تجانسا " وأنه لا يزال يعتقل مئات الشباب العائدين لتجنيدهم إجباريا ووضعهم في الخطوط الأمامية على جبهات القتال، وهذا من شأنه أن يدفع من هم في سن التجنيد رفض العودة إلى سوريا التي هربوا منها أساسا برفضهم القتال في صفوف جيش النظام. إضافة إلى أن السوريين داخل سوريا يعيشون في حالة مزرية جدا بعد انخفاض سعر الليرة السورية، وتفاقم التضخم بحيث لم يعد بمقدور السوري العيش براتب يتراوح وسطيا بين 20 و25 دولارا شهريا، أي أن عائلة كاملة يفرض عليها اليوم العيش بأقل من دولار واحد في اليوم. 
وباتت سوريا دولة طوابير يصطف فيها الناس لساعات طوال للحصول على المواد الغذائية، وخاصة الخبز، أو المحروقات. أي بمفهوم آخر اللاجئ السوري يعيش في بلد اللجوء أفضل بكثير من العيش في بلده الأم، رغم قساوة العيش وخاصة في الشتاء في بعض مخيمات اللاجئين وخاصة في لبنان.وإذا نظرنا إلى وضع اللاجئين بشكل عام يمكن أن نعتبر أنهم موزعون على عدة فئات حسب موقعهم الجغرافي. 
فاللاجئون الذين استطاعوا الوصول إلى أوروبا، وخاصة ألمانيا، فإن هؤلاء في غالبيتهم العظمى لا ينوون العودة إلى سوريا، بل يحاولون التأقلم في بلد اللجوء، والحصول على جنسيته ليتم لهم الإقامة الدائمة فيه كمواطنين وليس كلاجئين، ويضمنون لأولادهم حياة كريمة، ومستوى عال من التعليم، وهم يشكلون أكثر من مليون لاجئ. اللاجئون في تركيا وهم الأكثر عددا، (3،6 مليون لاجئ) نجح بعضهم في الحصول على الجنسية، وقسم كبير منهم يعملون في مجالات مختلفة، بل هناك من أسس شركات ومصانع ومطاعم وتجارات منوعة، ومنهم من التحق بالجامعات، والمدارس التركية، وهم بشكل عام أفضل حالا من اللاجئين في الدول العربية. 
المنظمات الإنسانية 
كما أن الأردن ( حوالي 700 الف لاجئ) قد سهلت بعض الإجراءات لدخول سوق العمل، وفتحت أبواب المدارس للطلبة السوريين. وكذا الأمر في مصر ( 200 ألف لاجيء) وفي العراق، أما في لبنان ( حوالي 1،5 مليون لاجئ) فإن الوضع مختلف، إذ يعاني هؤلاء من شظف العيش، وخاصة في المناطق الباردة شتاء، ومن الاستغلال السياسي من قبل بعض الأحزاب السياسية التي تخشى المساس بالتوازن الديمغرافي الهش في البلاد. أو من حزب الله الذي يرغب بعودة السوريين لتصب في مصلحة النظام مع أنه كان اول من حرض على اللجوء بسبب مجازره في المناطق التي احتلها من سوريا، وخاصة في وادي بردى، ومنطقة حمص. 
ولا ننسى أن المنظمات الإنسانية تقوم بجهد كبير لتحسين وضع اللاجئين وتعوض دول اللجوء بمبالغ كبيرة كمساعدة مالية من المفترض أن ترصد للاجئين لكنها تتبخر في أروقة الحكومة، ولا يصل منها إلا جزء ضئيل لمحتاجيها. 
وهناك أيضا أعداد كبيرة ( تعادل حوالي ثلث سكان سوريا في الداخل) باتوا لاجئين في بلادهم أو ما يطلق عليهم (النازحون) وهؤلاء يعيشون أوضاعا مزرية في مخيمات لا تقي قرا، ولا حرا، كانوا قد هربوا من القصف وقد هدمت منازلهم وفقدوا مأواهم، ولا يتلقون أي مساعدة من منظمات دولية، كون النظام يطالب المنظمات بإعطائه هذه المعونات كي يوزعها بنفسه لكنه يوزعها على أتباعه، أو تباع في السوق السوداء. وزاد كوفيد 19 الطين بلة حيث انتشر وباء كورونا بشكل كبير في المخيمات وبعض الاحصائيات تشير إلى عشرة آلاف مصاب لا يعلن عنها النظام. 
هذه العوامل مجتمعة تحتم على اللاجئين رفض العودة إلا في حالة رحيل النظام وتفكيك منظومته الأمنية، وهذا ما لم يفهمه النظام الروسي الذي يريد أن ينقذ نظاما مهترئا، أجرم بحق شعبه، ولا يمكنه أن يجني من الشوك العنب. 
 كاتب سوري