الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لا للهرولة باتجاه جنيف.. نعم للسير إلى دمشق

لا للهرولة باتجاه جنيف.. نعم للسير إلى دمشق

01.01.2014
أحمد فيصل الخطاب


القدس العربي
الثلاثاء 31/12/2013
يعقد أم لا يعقد، يعقد في موعده المحدد، أم يؤجل إلى موعد آخر، نشارك به أم نقاطعه، هل سينجح أم سيفشل ؟ لا تكاد تمر ساعة إلا ويثور سؤال من هنا وتعليق من هناك، خبر من هنا وتحليل من هناك وكلها تدور حول مؤتمر جنيف العتيد الخاص بسوريا، الذي تعد له حالياً الأمم المتحدة. كل ذلك في مشهد تختلط فيه الحقائق بالأساطير، الإشاعات بالتسريبات الإعلامية، عمليات جس النبض، ببالونات الاختبار، بحرب التصريحات والتصريحات المعاكسة، الشروط والشروط المضادة بالمواقف المتناقضة للأطراف الفاعلة بين العشية والصباحن لدرجة تحمل المرء على الغثيان والدوار.
كل شيء يبدو كما لو أن العالم كله بات مختزلاً في جنيف، هذه المدينة الصغيرة، على ضفاف بحيرة ليمان. هذا على الأقل للسوريين سلطة ومعارضة، وربما لبعض العرب والعالم، في حين أن المسألة الحقيقية هي في مكان آخر، في دمشق، فمؤتمر جنيف هذا، في حال تم عقده، لن يكون سوى مرآة مصغرة تعكس الواقع المعقد في دمشق خاصةً، وفي سوريا بشكل عام.
فما هو هذا الواقع اليوم يا ترى؟ لنحاول أن نلقي عليه نظرة شاملة مركزين على محاوره الرئيسية.
-الوضع الميداني العسكري: من الواضح أن سوريا كانت قد دخلت في مرحلة استنزاف ذاتي، استنزاف واستنزاف معاكس بين القوات الحكومية والقوات المعارضة، مرحلة دامت نحو عامين، لكن في الأونة الأخيرة بدأ ميزان القوى في الرجحان وبشكل تدريجي لصالح النظام، خاصةً بعد تدفق آلاف المقاتلين المتمرسين من عناصر حزب الله وأبو الفضل العباس وعصابة الحق والحوثيين لمؤازرة القوات الحكومية المتهالكة.
في المقابل لا يبدو الوضع على الجانب الآخر بمثل هذا التماسك، ولقد ظهرت فيه مؤخراً تناقضات تحولت عسكرياً إلى صدامات مسلحة بين قوى مثل جبهة النصرة والجبهة الإسلامية، والجيش الحر، قوى من المفترض نظرياً أن تكون معاركها كلها مركزة على الخصم الرئيسي وهو القوات الأسدية، مما أدى إلى حالة من البلبلة في الساحة الثورية والعسكرية، انعكست سلباً على مسار الثورة السورية ككل.
ـ الوضع السياسي: رغم الكثير من التقدم على طريق التوحيد، ماتزال قوى المعارضة والثورة تعاني حتى الآن من الشرذمة والانقسام، انقسام وصل مؤخراً حد الصدام والمهاترات، في حين أن النظام على الضفة المقابلة، يتصرف ككيان واحد متماسك مما يمنحه ميزة جلية على خصومه، أضف لذلك أن قوى المعارضة الحالية، خاصة منها الأحزاب السياسية، القديمة منها والحديثة، ليس لها نفس الرؤية لطبيعة النظام الحالي، ولا لطبيعة التحالفات المطلوبة، ‘ولا لفيزيونوميا’ سوريا المستقبلية.
ـ الوضع الشعبي، لقد قدم الشعب السوري خلال ثورته العظيمة تضحيات هائلة، فوق الوصف وأظهر من البطولات والصمود ما هو فوق البيان في وجه واحد من أكثر النظم قمعية في العالم وأكثرها وحشية ودموية. ولكنه وبعد مرور نحو ثلاث سنوات وأمام تخلي العالم عنه، وتداعي الأمم عليه، كما تتداعى الأكلة على قصعتها، وجد نفسه وحيداً في المعركة وقد نزف الكثير من دماء أبنائه، واستنزفت في المواجهة، الكثير من طاقاته، وبات يبحث عن دماءٍ جديدة، وسبل جديدة، ليتمكن من الوصول بالثورة إلى أهدافها النهائية في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية .
ـ الوضع الإقليمي: في جو الاستقطاب العربي والإقليمي الحاد الذي حدث حول المسألة السورية، كانت هنالك ولا زالت مفارقةً كبرى لافتة، في حين يتصرف حلفاء النظام خاصةً حزب الله وإيران على أنهم يخوضون في سوريا معركة وجود له حركة حياة أو موت.
يبدو تجمع ما يسمى ‘أصدقاء الشعب السوري’ مجموعات متنافرة، متفاوتة وحتى أحياناً متعارضة في ما بينها. وفي حين يقدم حلفاء النظام له المال بالمليارات والمقاتلين بالآلاف والدعاية بعشرات الفضائيات ووسائل الإعلام، لا يقدم أصدقاء الشعب السوري له سوى بعض المعلومات وبعض المعونات والكثير من المشاعر الإنسانية.
ـ على المستوى الدولي، موقف روسيا الداعم للنظام في غاية الوضوح والصلابة: دعم دبلوماسي مكثف يكاد يكون على مدار اليوم والساعة دعم عسكري لم يتوقف، ودعم إعلامي واستخباراتي وسياسي بلا حدود.
كل المشكلة هي في الوقف الأمريكي، إن المتتبع لمواقف الإدارة الأمريكية الحالية في الأزمة السورية منذ بدايتها وحتى الآن ، سوف يذهل من ‘الرفاعة’ التي اتصفت بها هذه الإدارة بالذات، لينتهي به الأمر إلى التساؤل هل أمريكا هذه بإدارتها الحالية هي كما تزعم صديق للشعب السوري، أم هي عدوٌ مقنع، متنكرٌ بثياب صديق؟
اذا كان هذا هو الوضع في الساحات الداخلية والإقليمية والدولية، وإذا كان هذا هو ميزان القوى مجمله حالياً لغير صالح الشعب والثورة فلماذا كل هذا التهافت الآن على تسوية غير مؤكدة؟ لماذا كل هذه الهرولة صوب جنيف؟ ماهي أوراق القوة التي سيحملها معهم المفاوضون من المعارضين؟ أليس الحديث عن السلام في ظل ميزان قوى مائل بقوة لصالح الخصم، إلا مجرد تعبير ملطف عن الاستسلام. وما هي والحال هذه، القوى التي ستجبر النظام الحالي على الخضوع لإرادة الشعب والبدء منذ الآن بعملية التحول الديمقراطي.
من المشكوك فيه جداً أن يقدم نظام قام وأمام العالم كله، بكل هذا الدمار الأسطوري والتهجير المليوني، والبطش الجماعي بحق شعبه من دون أي رادع وطني او أخلاقي او إنساني، ومن دون أية مساءلة أو عقاب من المجتمع الدولي، من المشكوك فيه أن يقدم هكذا نظام في لحظة ‘صحوة جنيفية’ على التخلي عن السلطة بكل بساطة وتسليمها للشعب.
أيها السادة، السياسة حقائق في الميدان وليست تمنيات أو أوهام!
وإذا حدث، وهذا احتمال ضعيف للغاية، أن قام الراعيان الحقيقيان للمؤتمر: الروس والأمريكان بالضغط بقوة على النظام وإجباره على الرحيل، فسيكون ذلك الأمر مفاجأة تضاف إلى سلسلة المفاجآت المذهلة الكثيرة التي ميزت الأزمة السورية. ستكون بتعبير آخر صورةً أخرى على مسرح اللامعقول السوري. لكن، رب قائل هنا، إذا كان ذلك كذلك، فهذا يعني أن السؤال ما يزال مطروحاً يبحث عن جواب: كيف الخروج من المأزق، كيف الخلاص من هذا الانسداد القاتل، ووقف شلال الدم السوري الراعف. بعبارة أخرى ما هو ‘البديل’ الممكن والمطلوب؟ البديل هو في تغيير الوجه، البوصلة، تغيير المحور الرئيسي ‘من جنيف’ باتجاه دمشق. بعبارة أخرى التركيز على استكمال الثورة، أو البدء بما يمكن أن نسميه بالثورة الثانية لسد كل النواقص والخلل وتفادي كل الأخطاء التي رافقت ثورتنا المجيدة في طورها الأول.
هذه هي المهمة المركزية التي يتعين على جميع الوطنيين السوريين العمل على إنجازها بأقصى الإخلاص وبأقصى سرعة ممكنة. وفي التفاصيل فإن إنجاز هذه المهمة يكون بـ:
– توحيد الساحة السياسية، إن الثورة والمعارضة، تعاني من أزمة قياده ولا بد من حل هذه المسألة بالطرق العقلانية والديمقراطية.
ـ توحيد الساحة العسكرية والعمل على استكمال تكوين ‘الجيش الوطني الحر’ جيش سوريا المستقبل.
ـ توحيد وضبط الساحة الإغاثية والشعبية، إن كلمة السر في النصر على النظام الفاشي هي ‘الوحدة’ وحدة كل القوى الوطنية السورية الطامحة للتغيير الوطني الديمقراطي. ‘
‘للشام رجالها’ كان يقال دائماً وكل ساحة من هذه تبحث اليوم عن ‘رجالاتها’ الوحدويين الموحدين. إن الشعب السوري في القطر والمهجر إذا قيض له قيادة شجاعة وحكيمة، عنده من الطاقات البشرية والمادية والاقتصادية والسياسية والعسكرية ما يمكنه في حال تم توحيد هذه الطاقات وزجها كلها في معركة الحرية، ما يمكنه من حسم المعركة لصالحه بقواه الذاتية ومن دون انتظار معونة الخارج، لكن إضافة لما يقدم، إذا كان البعض يرى ضرورة من الناحية التكتيكية أو الدبلوماسية، المشاركة في مؤتمر مثل مؤتمر جنيف، فيمكن القول، ان مثل هذه المشاركة يمكن أن تتم بصيغة من الصيغ، لكن من دون هرولة وخاصة من دون أوهام، وأن يعمل المشاركون لاستثمار المؤتمر كمنبر إعلامي عالمي لشرح قضية الشعب السوري أمام العالم كله.
خلاصة القول: السياسة في أهم تعريفاتها هي موازين قوى. وعلى كل الوطنيين السوريين اليوم العمل على تغيير موازين القوى لصالح الثورة والشعب، وعلى الصعد السياسية والعسكرية والدبلوماسية الدولية، كل ذلك على قاعدة الوفاء لتضحيات الشعب السوري ومعاناته الطويلة واستبساله في مقاومة العسف والطغيان.
وأخيراً التمسك بالمبادئ التي انطلقت منها ثورة الشعب في آذار/مارس 2011 المتمثلة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والوحدة الوطنية، هذا هو الطريق المفضي إلى النصر وهذا هو الطريق إلى دمشق.
 ‘ كاتب سوري