الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لا مبرّر لغضب السعودية على أميركا!

لا مبرّر لغضب السعودية على أميركا!

07.12.2013
سركيس نعوم


النهار
5/12/2013
المملكة العربية السعودية غاضبة على الإدارة الأميركية التي يترأسها باراك أوباما لأنها حاولت التوصل إلى تسوية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية من دون أي تشاور سابق معها، ولأن من شأن تسوية كهذه تمكين أوباما من تحقيق أحد أبرز الأهداف في الإستراتيجيا التي وضع لبلاده، وهو الخروج من منطقة الشرق الأوسط أو بالأحرى من العالم العربي والتخلص من مشكلاته. كما من شأنها تمكينه من إقناع إسرائيل والفلسطينيين بالتوصل إلى تسوية للصراع الدامي والمزمن بينهما. والنجاح في هذا الأمر لا يترك مبررات كثيرة لبقاء أميركا في المنطقة، والمملكة غاضبة أيضاً على حليفتها أميركا لأنها تخشى أن تضعها سياسة رئيسها أوباما، الإيرانية ثم الفلسطينية – الإسرائيلية، تحت رحمة إيران الإسلامية.
طبعاً، لا يعتقد الباحثون والمتابعون الأميركيون الجديون أنفسهم لعلاقة أميركا – إيران وانعكاساتها على الشرق الأوسط، أن مخاوف العربية السعودية في محلها وكذلك غضبها. إذ على رغم توصُّل أميركا إلى درجة الاكتفاء الذاتي نفطياً إذا جاز التعبير على هذا النحو، فإنها ستبقى دائماً في حاجة إلى المملكة بسبب اتفاق قديم بينها وبين حلفائها في الغرب وأصدقائها في الشرق مثل الصين على تغطية حاجاتهم النفطية التي تتزايد في استمرار في حال توقف تصدير النفط الخليجي، أو تعرّضت "أوطانه" إلى تهديدات من شأنها التأثير على إنتاجه وتالياً على تصديره. انطلاقاً من ذلك كله يؤكد هؤلاء أن أميركا ستدافع عن السعودية كما عن سائر الدول العربية في الخليج ضد أي تهديد يمكن أن تتعرض له من إيران. والمسؤولون الكبار في هذه الأخيرة يعرفون ذلك تمام المعرفة. طبعاً، يستدرك الباحثون والمتابعون أنفسهم، يستطيع المسؤولون السعوديون البحث في كل القضايا التي تزعجهم كما المواقف مع روسيا ومع فرنسا ومع جهات دولية أخرى. لكن تبقى أميركا الدولة الوحيدة القادرة على استعمال قدراتها العسكرية وغير العسكرية خارج حدودها، وتالياً القادرة على الدفاع عنهم. وهذا أمر يجب أن يعرفوه وأن يمتنعوا عن الشك فيه. وإذا كانوا لا يعرفونه أو يشكّون فيه فإنهم قد يضعون أنفسهم وبلادهم في ورطة.
في أي حال، يتابع هؤلاء، أن الانزعاج السعودي من أميركا بدأ قبل الحوار الأميركي – الإيراني والاتفاق – الإطار الذي توصلت إليه دول مجموعة الـخمسة زائد واحد مع إيران في جنيف أخيراً. فكبار المملكة لم ينسوا أو بالأحرى لم "يهضموا" حتى الآن ترك واشنطن حليفها رئيس مصر حسني مبارك يُعزَل على النحو المعروف، وتساهلها مع وصول "الإخوان المسلمين" إلى السلطة فيها بعده. كما لم "يهضموا" عدم دعمها للحكام المصريين الجدد الذين خلفوا الرئيس "الإخواني" محمد مرسي، والذين يشكل الجيش العمود الفقري لهم. وكبارها أيضاً لا يزالون منزعجين حتى الآن من إحجام أميركا أوباما عن تنفيذ ضربة عسكرية إلى نظام الأسد في سوريا رغم التحضير الجدي لها ورغم توافر الظروف المناسبة لتنفيذها. لكن ما لا يفهمه الكبار السعوديون وربما غير الكبار هو حقيقة أن أميركا لا تستطيع أن تدعم أحد الفرعين الإسلاميين الكبيرين ضد الفرع الآخر في حال وصولهما إلى مواجهة حادة جداً أمنية وعسكرية وسياسية ومذهبية... وهذه المواجهة قائمة. ولا تريد أميركا أو بالأحرى رئيسها الحالي أوباما أن يكوِّن لدى العرب والمسلمين انطباعاً يفيد أن أميركا دولة "صليبية" وهي تحاول غزو أرض الإسلام والنبي محمد مرة ثانية.
في اختصار، يقول الباحثون والمتابعون الأميركيون أنفسهم، أن الخطوة الأولى (الاتفاق – الإطار) أراحت إيران وإن ليس كثيراً. وإذا أرادت أن تحقق فوائد قصوى من ذلك، عليها أن تساعد في حل الأزمة – الحرب الأهلية في سوريا، أي بالمساعدة على تذليل عقبات حوار السوريين المتقاتلين، وبالموافقة على خروج الأسد من السلطة مع "عواميد" نظامه. وهذا عمل يستلزم وقتاً طويلاً. كما عليها أن توفر لنفسها ظروف خروجها من لائحة الدول الراعية الإرهاب، وأن تقنع "حزب الله" بالتحوُّل حزباً سياسياً في لبنان وتجيير قوته العسكرية إلى الدولة فيه. وإذا لم يتحقق ذلك، وقبله إذا لم يتواصل التقدم في التفاوض النووي، وإذا استمرت إيران في "اللعب"، فإن الكونغرس الأميركي قد يصوَّت على عقوبات أشدّ وتعود كل الخيارات إلى الطاولة.