الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لا وقف للتفجيرات والاغتيالات في لبنان إلا بالاتفاق على تحديد أسبابها لإزالتها

لا وقف للتفجيرات والاغتيالات في لبنان إلا بالاتفاق على تحديد أسبابها لإزالتها

22.02.2014
اميل خوري


النهار
الجمعة 21/2/2014
السؤال الذي يطلب الناس جوابا عنه ليطمئنوا هو: كيف السبيل إلى وقف التفجيرات والاغتيالات في لبنان وما هي حقيقة أسبابها ودوافعها؟
عندما ارتكبت هذه الأعمال الوحشية في الماضي قيل إن من أسبابها الصراع السياسي الداخلي بين لبنانيين يقفون مع الوصاية السورية ولبنانيين يقفون ضدها، ثم قيل إنه صراع بين من يطالبون بإنشاء محكمة خاصة بلبنان لمحاكمة المتهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وبين من يعارضون انشاءها. وعندما انتخب العماد ميشال سليمان رئيساً توافقياً للجمهورية توقفت عمليات التفجير والاغتيال فظن البعض ان قيام المحكمة الدولية هو الذي أوقفها، في حين قال بعض آخر ان الجهة او الجهات التي تقف وراء هذه العمليات هي التي قررت وقفها، وهي التي تقرر معاودتها. وعندما تشكلت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي من لون واحد ظنّ البعض ان عمليات التفجير والاغتيال قد تعود ردا على تشكيل حكومة على هذا النحو، إلا ان ما حصل كان عكس ذلك إذ ان ثورة شعبية اشتعلت في سوريا ضد النظام فأربكت الحكومة اللبنانية في اتخاذ موقف منها، الى ان كان اتفاق على اعتماد سياسة النأي بالنفس التي تترجم مضمون "إعلان بعبدا" الذي وافق عليه أقطاب الحوار الوطني بالاجماع. لكن الحكومة لم تستطع التزام هذه السياسة لأن بين اعضائها من اراد الوقوف مع النظام السوري ضد الثائرين عليه وبحجة حماية مراكز دينية في سوريا، فقرر "حزب الله" الممثل في الحكومة افضل تمثيل، إرسال مقاتليه الى سوريا للقتال مع جيش النظام ضد معارضيه ما جعل عناصر لبنانية متعاطفة سياسياً ومذهبياً مع المعارضة السورية تذهب هي أيضاً إلى سوريا لتقاتل مع المعارضة.
وهكذا تورط لبنان في الحرب السورية بعدما حاول جاهداً تجنب التورط فيها، وبعدما تلقى نصحاً دولياً بالعمل على منع النار السورية من الامتداد الى لبنان، لكنها، ويا للاسف، امتدت وصار كل طرف لبناني يتهم الآخر بأنه هو المسؤول عن ذلك، وله تفسير يختلف عن تفسير الآخر في تحديد اسباب التفجيرات والاغتيالات. فمن قائل إن من اسبابها تدخل "حزب الله" عسكرياً في الحرب السورية إلى قائل ان لا علاقة لذلك بالتفجيرات لأنها من صنع إرهابيين يضربون كل دول المنطقة. وعندما استقالت حكومة ميقاتي لعجزها عن التزام سياسة النأي بالنفس ولغيرها من الاسباب وكلّف الرئيس تمام سلام تشكيل حكومة جديدة، انقسم اللبنانيون حول شكلها وتشكيلها. فقوى 8 آذار تريدها حكومة وحدة وطنية كي تستطيع مواجهة الاوضاع الامنية المتدهورة في البلاد، وقوى 14 آذار تريد ان تكون حيادية لتشرف على الانتخابات النيابية في موعدها. ولكن عندما وقع الخلاف بين القوى السياسية الاساسية في البلاد على القانون الذي ينبغي ان تجرى الانتخابات على اساسه، تقرر التمديد لمجلس النواب خشية الوقوع في فراغ تشريعي ومجلسي. لكن الخلاف عاد حول تشكيل الحكومة لأن حجة ان تكون حيادية للاشراف على الانتخابات سقطت بعد التمديد لمجلس النواب. ومرت اشهر على التكليف ولم يتم التأليف لأن قوى 14 آذار اشترطت لتشكيل حكومة وحدة وطنية أو جامعة أن يعلن "حزب الله" التزامه "إعلان بعبدا" وإدراج ذلك في البيان الوزاري والتخلي عن ثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة" التي أصبحت في مكان آخر بعد تدخل الحزب عسكرياً في سوريا. ولئلا يتعرض لبنان لخطر الفوضى الامنية بعد عودة التفجيرات والاغتيالات إليه كان لا بد لأصدقاء لبنان وأشقائه من التدخل لدى أقطاب 8 و14 آذار من اجل تقديم تنازلات متبادلة حماية لأمن لبنان واستقراره فكانت الحكومة الحالية بعد مخاض عسير، وها هي تعيش حتى الآن شهر عسل لا أحد يعرف ما اذا كان سيستمر مع استمرار الخلاف على تفسير اسباب عودة التفجيرات والاغتيالات بوجود حكومة جامعة ظن كثيرون ان مجرد وجودها سيوقف ذلك. فكيف السبيل إذاً لوقف التفجيرات والاغتيالات في لبنان؟
ثمة من يقول ان تدخل "حزب الله" عسكرياً في سوريا لجعل طرف ينتصر على طرف آخر انعكس سلباً على الوضع الداخلي في لبنان سياسياً وأمنياً واقتصادياً، وان على الحزب سحب مقاتليه من سوريا لتتوقف التفجيرات والاغتيالات لسحب ذرائع الارهابيين خصوصا ان من يقومون بها يدعون الى ذلك علناً.
إن هذه المواقف المتناقضة في تفسير حقيقة أسباب عودة الانفجارات والاغتيالات الى لبنان ينبغي توحيدها، فلا يكفي ان تكون الحكومة جامعة في تشكيلها بل جامعة في سياستها ايضا بحيث تكون واحدة في مكافحة الارهاب وواحدة في تحديد أسبابها كي يصار الى معالجة هذه الاسباب وإزالتها. فوزراء 14 آذار في الحكومة يعتبرون ان تدخل "حزب الله" عسكرياً في سوريا هو سبب عودة التفجيرات والاغتيالات الى لبنان وذلك ردا على هذا التدخل، في حين يرى وزراء 8 آذار خلاف ذلك. وما لم يتوحد الموقف الرسمي حول الاسباب للعمل على إزالتها، فلن يكون للحكومة الحالية ولأي حكومة أخرى سياسة واحدة في محاربة الارهاب.