الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لبنان...ضحية الحروب السورية

لبنان...ضحية الحروب السورية

14.10.2013
جيمس زغبي


الاتحاد
الاحد 13/10/2013
يحتاج لبنان إلى اهتمام فوري، لأنه أصبح على شفير الهاوية، وخوفاً من أن يتحول إلى ضحيّة أخرى للحرب المروّعة التي تدور رحاها فوق أرض جارته. لقد بات حقاً بلداً على فوهة بركان. ونحن نعلم بأن النظام السياسي اللبناني المبني على أساس التحزّب الطائفي تعرّض لضغوط كبيرة بسبب الحرب في سوريا. وعمد بعض اللبنانيين إلى الذهاب لسوريا لدعم الأطراف المتصارعة، وهو السلوك الذي يمكن أن يؤدي إلى معارك انتقامية محلية داخل لبنان ذاته.
وفضلاً عن العنف والخوف الذي قد تحمله الحرب الأهلية لو كُتب لها أن تتجدد، فإن الشيء الذي دفع لبنان إلى الحافة الخطيرة هو تدفق اللاجئين السوريين الذين يجتاحون البلد ويهددون بتقويض اقتصاده وشلّ قدرته على الصمود كدولة.
وصحيح أن من واجب العالم أن يركّز اهتمامه على الأوضاع المزرية التي يعيشها اللاجئون السوريون، إلا أن ضخامة هذه الموجة البشرية التي اجتاحت لبنان، يجب أن تحظى أيضاً بالاهتمام. ووفقاً للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، يبلغ عدد اللاجئين السوريين الآن في لبنان 790 ألفاً بالإضافة لنحو 75 ألف لاجئ جديد يدخلون لبنان شهرياً. وهذه الأرقام لا تشمل نحو 250 ألف سوري يعملون في لبنان كعمال مهاجرين. وبأخذ هذه الزيادة بعين الاعتبار، فإن المفوضية تُقدّر أن يؤلّف اللاجئون السوريون نحو ربع العدد الإجمالي لسكان لبنان.
وكان لأزمة اللاجئين السوريين أن تؤثر على لبنان من نواحٍ عديدة، منها أن لبنان لم يبن مخيمات خاصة باستقبال اللاجئين. وهذا ما دفع المهجّرين إلى الاختلاط بالمجتمعات التي تسكن البلد كله. وانحشر الكثيرون منهم ضمن شقق مخصصة لذوي الدخل المحدود، ما أدى إلى أزمة سكن وارتفاع إيجارات البيوت حتى وصلت هذه الزيادة إلى 44 بالمئة في بعض المناطق. وأدى ذلك أيضاً إلى القذف بالفقراء اللبنانيين خارج سوق السكن ودفعهم إلى الهجرة المحلية داخل وطنهم. وعمد بعض السوريين إلى إنشاء "مدن المخيمات" اللاشرعية قريباً من بلدات وقرى تتوزع على أرض لبنان كلها لتزيد الضغوط على التجمعات السكانية المضيفة. وقدرت المفوضية العليا للاجئين عدد هذه المخيمات الاستيطانية غير المشروعة بنحو 1400.
ونظراً لاقتحام اللاجئين السوريين لسوق العمالة في لبنان، حيث يقبلون العمل بأجور أقل، فلقد أشارت إحصائيات رسمية إلى أن معدل الأجور هبط بشكل كبير وأن 20 بالمئة من اللبنانيين أصبحوا عاطلين عن العمل. وهناك أيضاً أنواع أخرى من الضغوط على الاقتصاد اللبناني. فلقد قدّر البنك الدولي أن الناتج المحلي الإجمالي للبنان سينخفض بنحو 1.5 مليار دولار سنوياً. ومن المتوقع أن يزيد الإنفاق الحكومي على الخدمات بنحو مليار دولار سنوياً بسبب الطلب المتزايد عليها، ونتيجة لكل ذلك، من المنتظر أن يدخل 170 ألف لبناني جديد دائرة الفقر هذا العام.
وعلى أن هذه المشكلة المعقدة والمستعصية لا تنتهي عند هذه الحدود، ذلك أن الأطفال السوريين الذي تم تسجيلهم في المدارس المحلية وفاق عددهم 90 ألفاً، خلقوا مشكلة اكتظاظ لا سابق لها في النظام التعليمي والتربوي وزادوا من الضغوط على نظام الرعاية الصحية وقطاعات الخدمات العمومية والاجتماعية. وارتفعت أسعار الماء والغاز والكهرباء بمعدل 7.4 بالمئة خلال العام الماضي. وسُجل نقص ملحوظ في بعض أنواع الأدوية، ومع حلول فصل الشتاء الذي يقترب بسرعة، سوف يزداد الضغط على مخزون المواد الغذائية والإسكان والرعاية الصحية وبقية الخدمات. ومن أجل وضع تصوّر أسهل، يكون من المفيد أن نتذكر أن عدد اللاجئين السوريين في لبنان بلغ خلال الشتاء الماضي 150 ألفاً، ومن المنتظر أن يرتفع خلال الشتاء المقبل إلى ثمانية أمثال هذا الرقم.
ويمكننا أن نتوقع أن تؤدي هذه الحال إلى بروز ظاهرة التوترات الاجتماعية في لبنان. وتتنبأ البيانات الاستطلاعية بأن الكثير من اللبنانيين باتوا كثيري الامتعاض من هذا الوضع الجديد. ويرى بعض اللبنانيين الآخرين أن بلدهم يتعرض للاجتياح، وبما أدى إلى عجزهم عن العثور على العمل، واضطرارهم للعيش في مساكن غير مناسبة لمجرد أنها ذات أجور أخفض، ومواجهة أعباء التكاليف المتزايدة للمواد الغذائية والخدمات. وضاق اللبنانيون ذرعاً من أن يروا اللاجئين السوريين وهم يتلقون المساعدات الدولية وهم محرومون منها. وكان لا بدّ لهذه الظواهر مجتمعة أن تخلق التوترات الاجتماعية. وبما أن لدولة لبنان تاريخا طويلا عامرا بالصراعات مع جارتها سوريا، وطالما أن مشكلة العلاقة الداخلية بين اللبنانيين أنفسهم لم تجد حلاً، فإن إضافة المشاكل المرافقة لاستضافة أكثر من مليون سوري كلاجئين زادت من تعقيد الموقف الذي تميّز أصلاً بطبيعته الهشّة.
وقالت مفوضة اللاجئين في لبنان إننا لو أخذنا كل هذه التوترات بعين الاعتبار، والتي لا يمكن لأي بلد أن يتحملها، لرأينا أن لبنان نجح بالفعل بالصمود أمامها. وأضافت قولها: "يقف لبنان الآن كمثال للكرم والسخاء في مواجهة الأزمات. ورغم سوء الفهم والتوترات التي يعيشها، فإن العمل الرؤوف هو الشائع في كل يوم". إلا أنها حذّرت من بعض المخاطر عندما أضافت: "ومن دون دعم دولي إضافي وكافٍ، يمكن لخصال الصبر والكرم عند المجتمع المضيف أن تتآكل. ولا شك أن الإهمال المتواصل لهذه القضية سيزيد من حدّة التوترات، ويرفع خطر تحول الحرب الأهلية السورية إلى حرب إقليمية".
وهذا ما يبرر قولنا إن لبنان يحتاج إلى اهتمام فوري. ولا يمكنني شخصياً أن أرفض العمل على تجريد سوريا من الأسلحة الكيميائية، وتنظيم مؤتمر جنيف 2، بحثاً عن الطرق المناسبة لإنهاء الحرب الطويلة التي تشهدها، وتأمين مساعدات أكثر للتغلب على المأساة البشرية الناتجة عن النزوح البشري المحلي الهائل بسبب الحرب، إلا أن لبنان لا يمكن أن يبقى على الهامش إلى ما لا نهاية. فهو يحتاج إلى مساعدة عاجلة، وإلى دعم فوري من أجل زيادة قدرته على معالجة هذه الأزمة. ويحتاج الجيش بدوره لمساعدة عسكرية، حتى يتمكن من ضبط الأوضاع على الحدود وضمان الأمن الوطني الداخلي، وتحتاج الحكومة ووكالات الإغاثة للمساعدة من أجل دعم الفقراء اللبنانيين وأولئك الذين نزحوا عن بيوتهم داخل وطنهم بسبب تدفق اللاجئين السوريين.
ويجب ألا يصرف اهتمامنا بما يحدث لسوريا والسوريين اهتمامنا عما يعانيه لبنان وشعبه. وإذا ما واصلنا إهمال لبنان على المدى القريب، فإن أركان هذا البلد سوف تتقوّض تحت وطأة الضغوط التي يتعرض لها. وخلاصة الأمر أن لبنان يحتاج إلى الاهتمام.