الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لبنان الرهينة الإيرانية: لا رئيس ولا حكومة ولا برلمان!

لبنان الرهينة الإيرانية: لا رئيس ولا حكومة ولا برلمان!

10.11.2014
محمد مشموشي



الحياة
الاحد 9-11-2014
بالتمديد لمجلس النواب اللبناني حتى حزيران (يونيو) 2017، أي لعامين وسبعة أشهر بالتمام والكمال، تكتمل عملياً حلقات الخطة الإيرانية - السورية المرسومة للبنان منذ بداية الثورة السورية في آذار (مارس) 2011 من أجل ربطه نهائياً، وحتى ربط مصيره كوطن لأبنائه، بما ستؤول اليه حال النظام في سورية.
بعد هذا التمديد، ليس في لبنان الآن لا رئيس جمهورية ولا حكومة فاعلة نتيجة غياب الرئيس عن السلطة التنفيذية، كما لا مجلس نواب منتخباً. أما السبب فواحد، وهو قرار "حزب الله" (وأتباعه في ما يسمى قوى "المقاومة والممانعة" في لبنان) وضع اللبنانيين أمام خيار من اثنين: اما انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، وإما لا رئيس للبنان في المرحلة الحالية، وتالياً لا حكومة فاعلة ولا مجلس نواب... أي عملياً لا أدوات حكم لبلد يفترض أنه ديموقراطي في نظامه السياسي وتعدده الطائفي، إلا بالحد الذي يمنع اعلان موته نهائياً وبالكامل.
ولا حاجة الى تفصيل كثير في هذا المجال. اذ يعرف العالم كله، وعلى امتداد أكثر من خمسة اشهر، أن نواب "حزب الله" وحلفاءه هم الذين منعوا (عبر تطيير النصاب القانوني) عقد جلسة لمجلس النواب ينتخب فيها رئيس للبلاد. أما الحجة فإن عون هو مرشحهم لهذا المنصب من جهة أولى، وإنهم لا يقبلون بانتخاب أي مرشح آخر من جهة ثانية، وإن على النواب الآخرين في المجلس، من جهة ثالثة، أن يذعنوا لـ "الأمر الواقع" هذا أو لا رئيس للجمهورية أياً تكن العواقب والتبعات.
لكن لبنان، في المقابل، يعاني في آن كماً من المعضلات الوجودية التي تتجاوز قدراته ولو كان في ظروف طبيعية. فيه وضع أمني بالغ الهشاشة، نتيجة تورط "حزب الله" في القتال في الحرب السورية ورد التنظيمات المشاركة في هذه الحرب عليه في الداخل اللبناني، إن باسم تنظيم "داعش" أو "جبهة النصرة" أو أي اسم آخر. وفيه أكثر من مليون ونصف مليون نازح سوري، بينــهم الطفل والمرأة والكهل الذين يحتاجون الى كل شيء مما يحتاج اليه اللبنانيون كما بينهم الهارب من قمع النظام وربما من شارك في هذا القمع، ليشـــكلوا بمجموعهم نحو ثلث الشعب اللبناني الذي يعيش من دون كهرباء أو ماء أو انتاج زراعي يكفيه. وفيه، اضافة الى ذلك، ضائقة اقتصادية - اجتماعية خانقة مهدِدة بمزيد من الضيق في كل يوم. ولكن فيه، فضلاً عن هذا كله، تأزم سيـــاسي وطــائفي ومذهبي لم يسبق له مثيل في تاريخه، جعل منه في واقعه الراهن مشروع حرب أهلية يمكن أن تنفجر بين ليلة وضحاها، بخاصة اذا امتدت الحرب السورية فتـــرة أخرى وازداد مع امتدادها تورط "حزب الله" فيها، وردّ التنظيمات المعارضة على هذا التورط في داخل لبنان أو على حدوده مع سورية.
هذان الواقعان، تفريغ لبنان (بقرار متعمّد) من أدوات حكمه الدستورية، وهشاشته السياسية والأمنية والمالية والاقتصادية، لا يمكن أن يكونا أقل من عملية استرهان بالقوة لهذا البلد لأسباب لا علاقة لها به من قريب أو بعيد، إن لم تكن تستهدف تحطيمه وربما ازالته من الوجود كدولة وكوطن لأهله في نهاية المطاف.
وبهما من دون أي شيء آخر، قد يصح اعتبار لبنان دولة فاشلة وفق القوانين والأعراف الدولية لمجرد أنه لم يتمكن من اجراء انتخابات رئاسية أو نيابية في موعدها، أو لأنه لم يستطع الدفاع عن حدوده في وجه اختراق التنظيمات الإرهابية. لكن عجزه مستقبلاً (نتيجة تعطيل مؤسساته) عن اتخاذ ما يحتاجه من قرارات لحماية نفسه سياسياً وأمنياً ومالياً واقتصادياً، أو للتفاعل مع مطالب المجتمع الدولي، يرشحه لأن يكون دولة مارقة وفق القوانين والأعراف الدولية إياها.
هل هذا ما تخطّط إيران لهذا البلد، بل ما تلمح إليه تحديداً أطراف "المقاومة والممانعة" عندما تصفّق لما تقول انه زوال عصر الخرائط التي رسمها سايكس - بيكو بعد الحرب العالمية الأولى؟!
الحال أن تاريخ نظام "ولاية الفقيه" الإيراني مع لبنان لا يختلف عن تاريخه مع دول المنطقة كلها، لا على مستوى التعبئة المذهبية ولا على صعيد التمويل والتسليح، منذ بدء تعاطي هذا النظام معها في الثمانينات. والآن، لا حاجة للقول إن الأذرع الإيرانية تمتد من لبنان إلى سورية والعراق واليمن بالنسبة إلى ما تصفه بـ "النفوذ" الذي تتمتع به على مستوى الإقليم، لكن هذا "النفوذ" بات أشبه بالتحديات الكبرى لها ولحلفائها في ظل ما تشهده هذه البلدان. كما أن لديها مشكلات سياسية واقتصادية - اجتماعية داخلية ومع دول الجوار والعالم، في مقدمها ملفها النووي والمفاوضات الجارية في شأنه مع الدول الـ 6 الكبرى، فضلاً عن علاقاتها المتوترة مع بلدان الجوار والعقوبات السياسية والاقتصادية والمالية الدولية المفروضة عليها.
كيف تتطور أمور هذه التحديات والمشكلات الكبرى للنظام الإيراني؟
هذا هو السؤال الذي يُقلِق نظام "الولي الفقيه" الآن. وبانتظار الجواب، فإنه يبقي لبنان وشعبه ومصيره كوطن "رهينة" لديه... يهدّئ حين يشاء، ولكنْ يفجر أو يهدد بالتفجير والزوال من الوجود حين يشاء أيضاً.
ويبدو أن قلائل من اللبنانيين، ومن العرب كذلك، يعرفون هذه الحقيقة.