الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لبنان ليس ورقة ضغط تفاوضية!

لبنان ليس ورقة ضغط تفاوضية!

24.05.2021
هادي جان بو شعيا

 
النهار العربي 
الاحد 23/5/2021 
بينما تستمر هيمنة "حزب الله" على لبنان وما ينتج منها من تفاقم أزمات خانقة لهذا البلد، خرج في الأمس تحرك في الكونغرس الأميركي للدفع قدماً بمساعي المساعدة والحيلولة دون تدهور أكبر للمشهد في لبنان على المستويات كافة. ذلك أن خمسة وعشرين نائباً في الكونغرس الأميركي وجّهوا رسالة إلى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أعربوا فيها عن قلقهم الشديد حيال الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المزرية، داعين إلى اتخاذ خطوات عاجلة بالتعاون مع الشركاء الدوليين لمساعدة الشعب اللبناني والحيلولة دون إنهيار لبنان، الأمر الذي سيهدد أمن منطقة الشرق الأوسط واستقرارها. 
واللافت أن الرسالة تضمنت تحذيرات من استغلال "حزب الله"، فضلاً عن شبكات إجرامية مدعومة من قوى خارجية على غرار إيران وروسيا، الأوضاع المتدهورة في لبنان، طارحين خطة تتضمن أربعة بنود للتوصل إلى حل للأزمة. 
 فما هي هذه الخطة التي سيترتب عليها تحرك أميركي مرتقب في مواجهة الخطر المتزايد والمتعاظم لـ"حزب الله"؟ وهل من ضمانات بوصول أي مساعدات أميركية لمن يستحقها؟ 
منذ أن انحدر لبنان في طريق الهاوية الاقتصادية والسياسية والتي تتهدّد النسيج المجتمعي، بدا أن الاهتمام الأميركي به محصور إلى حدّ كبير بمواجهة "حزب الله"، سواء خلال حقبة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وحتى مع مجيء الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة الرئيس الحالي جوزف بايدن، فضلاً عن الدعوة إلى إصلاحات تضع البلاد، المشلولة بالكامل والمسلوبة، على سكة الحلول التي من شأنها إخراج لبنان من أزماته المتتالية. 
لكن الأمرين لم يحصلا، إلا أن ما حدث لم يكن سوى تغيير شكلي أو ربما أولي في محاولة لإجراء مقاربة للوضع اللبناني، حيث برزت مؤخراً أصوات من داخل مجلس النواب الأميركي تدعو إلى إيلاء لبنان الاهتمام اللازم وتحول دون تدهور الأوضاع أكثر، بالتزامن مع ما يحدث في المنطقة بدءاً من مفاوضات فيينا للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، والتي على ما يبدو ستجد نوراً في آخر النفق المظلم، الذي زجّت به إيران بعد انسحاب الولايات المتحدة الأميركية في عام 2018، إبّان فترة رئاسة ترامب، مروراً بانفجار القضية الفلسطينية مجدداً والنزاع العربي الإسرائيلي الذي أعاد عقارب الساعة إلى الوراء، بما لا يتناسب مع تطلعات الإدارة الأميركية الجديدة وتوجهاتها الاستراتيجية للخروج من مستنقع الشرق الأوسط والتركيز على الخطر الحقيقي الذي يتهدّد مستقبلها والمتمثل بثنائية الصين وروسيا. 
لكن مع توجيه 25 نائباً ديموقراطياً وجمهورياً رسالة إلى بلينكن للإعراب فيها عن قلقهم الشديد من التطورات في لبنان والتي تهدّد أمن الشرق الأوسط واستقراره ما ينسحب حكماً على أمن الولايات المتحدة الأميركية القومي، محذّرين من مغبة استغلال "حزب الله" وقوى خارجية كإيران وروسيا الأوضاع المتدهورة لتحقيق مآربها وإحكام سيطرتها على لبنان في شكل كامل. 
قد يكون من البديهي القول إن طروحات النواب الأميركيين قد تجد صداها في أروقة وزارة الخارجية الأميركية والبيت الأبيض في ظل الحراك الحاصل في المنطقة، حسبما أفادت به مصادر مطلعة عن كثب على مجريات الأمور هناك، حيث تسود حال من الريبة والشك من إقدام محور الممانعة والمقاومة على القيام بأي عملية غير محسوبة النتائج، يُخشى من أن تعيد خلط الأوراق مجدداً في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة للخروج من من المنطقة التي كلّفتها الكثير من الخسائر على الصعد السياسية والاقتصادية والعسكرية كافة. 
الرسالة النيابية الأميركية تقدمت باقتراحات للقيام بخطوات عملية للحلحلة في لبنان تنطوي على أربعة مرتكزات: 
أولاً، الدفع نحو انشاء مجموعة دولية تضم فرنسا وغيرها من الحلفاء الدوليين بهدف التنسيق لتقديم مساعدات مالية. 
ثانياً، تأسيس برنامج إصلاحي بالتعاون مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بهدف عودة الاستقرار للاقتصاد اللبناني، ريثما يتم التوصل بين الافرقاء اللبنانيين إلى إنتاج أو تشكيل حكومة قادرة على التجاوب مع مطالب شعبها. 
ثالثاً، مطالبة المشرعين الأميركيين البدء بتقديم مساعدات إنسانية مباشرة، مع الأخذ بعين الاعتبار الحرص على احترام القوانين الأميركية، فضلاً عن التحقق التام والكامل من خلفية من يتلقّاها من أشخاص ومؤسسات وتوفير مزيد من المساعدات للجيش اللبناني. 
رابعاً، الطلب بإجراء تحقيق دولي مستقلّ حول تفجير مرفأ بيروت الذي وقع في الرابع من شهر آب (أغسطس) من العام الماضي والذي أودى بحياة أكثر من 230 ضحية، إضافة إلى آلاف الجرحى والمصابين والمفقودين، وما أنتجه من دمار طاول القطاعات الاقتصادية الحيوية وتحطيم منازل السكان الذين يعانون الأمرين في بلد لا يحترم قيمة الإنسان وحقوقه الدنيا في العيش الكريم. 
والسؤال الجدير بالاهتمام كيف سيتلقف لبنان هذه المبادرة وما هي اصداؤها في أروقة الداخل اللبناني؟ 
من المؤسف القول إن المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية يتعاملان مع القضية اللبنانية وكأن لبنان بلد منكوب جرّاء تعرّضه لزلزال مدّمر أو عاصفة طبيعية أو حتى حرب طاحنة أدت إلى تهشيم المؤسسات وسواها. إلا أن الأمر مختلف تماماً عما هو عليه، فلبنان اليوم، ومنذ مدة زمنية طويلة، خاضع للاحتلال، واذا ما توافرت النوايا الحسنة من قبل أميركا والعالم فلا بدّ من البدء من حيث يجب، بدءاً برفع يد الاحتلال الإيراني وما يترتب عليه من نزع سلاح "حزب الله" عبر تطبيق القرار 1559 وباقي القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي التي من شأنها إعادة السيادة الوطنية للبنان. 
أما الحديث عن حلّ اقتصادي في لبنان من دون الولوج إلى إنتاج حلّ سياسي نهائي يبقى كلاماً لا يستند إلى بديهيات العلوم السياسية في العالم، حيث من المستحيل إعادة تعويم اي اقتصاد من دون تأمين سقف سياسي يراعي أسس الاستقرار الأمني. 
ولعلّ الحلّ الأبرز هو توقف المجتمع الدولي وتحديداً الولايات المتحدة عن استخدام لبنان كورقة ضغط تفاوضية في الملف النووي الإيراني، والتركيز على أن المعضلة اللبنانية هي نتاج المشاكل الدائرة بين إيران ومحيطها العربي. وبالتالي الكلام عن الخروج من المأزق الحالي لن يتم بأي شكل من الأشكال طالما استمرت أميركا وخلفها العديد من الدول بتجاهل هذه الحقيقة والواقع القائم الذي يترجم إلى مزيد من المشاكل. 
في الختام، يجب على العالم بأسره أن يعي مسألة في غاية الأهمية وتستند إلى مفهوم بسيط وهو أن الكلام عن إجراء انتخابات نيابية وسواها من الحلول "الترقيعية" عبر مساعدات اقتصادية ومالية من هنا وخطابات طنّانة ورنّانة من هناك لن يشبع جوعاً وتعتبر مضيعة للوقت. صحيح أن لبنان دخل حال الطوارئ ويحتاج إلى إنعاش اقتصادي ومالي، إلا أن الانعاش الحقيقي يكمن في المساعدة على إعادة بناء اقتصاد منتج، متحرّر من سيف العقوبات، يعيد لبنان إلى مصاف الدول القادرة على التفاعل مع محيطها العربي ومع العالم بأسره.