الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لبنان نحو الوصاية 

لبنان نحو الوصاية 

07.12.2020
حسام كنفاني



العربي الجديد 
الاحد 6/12/2020 
منذ الانفجار في مرفأ بيروت قبل نحو أربعة أشهر، وما تلاه من دخول فرنسي على خطر السياسة الداخلية اللبنانية، كان من الواضح أن القناعة الدولية أن هناك قصوراً سياسياً لدى المسؤولين في لبنان، عدا عن تقديم الفساد والمحاصصات السياسية والطائفية على ما سواها من قضايا تعنى بتحسين أوضاع البلاد على الصعد كافة. وكان واضحاً أيضاً أن الوقت لن يطول قبل أن تدخل القوى والمؤسسات الدولية، على غرار صندوق النقد والبنك الدوليين، بشكل مباشر لإدارة قطاعات في الداخل اللبناني، في ظل عدم الثقة في نزاهة مسؤولي البلد على التصرف بما يمكن أن تقدمه الدول والمؤسسات من مساعدات، عنوانها الأساس تخطي كارثة المرفأ. 
قبل وصول الأمور إلى هذا التدهور المرتقب، وضع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عندما زار لبنان في أغسطس/ آب الماضي، وجمع المسؤولين اللبنانيين في قصر الصنوبر (السفارة الفرنسية)، مجموعة من الشروط لدعم مساعدة لبنان، منها تشكيل حكومة، كان من المفترض أن تكون من الاختصاصيين، والعمل على محاربة الفساد ووقف المحاصصات، أو على الأقل تأجيلها، خصوصا في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها البلد، والانهيار غير المسبوق في قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي. حينها، خرج المسؤولون اللبنانيون، من التوجهات كافة، ليثبتوا على الموقف الفرنسي ويؤكدوا أهمية النقاط التي طرحها ماكرون لإنقاذ لبنان. غير أن الكلام شيء، والفعل شيء آخر. 
لم يدم مفعول الكلام الفرنسي أكثر من أسابيع قليلة، إذ عادت الأمور إلى سابق عهدها بعد تكليف سعد الحريري بتشكيل الحكومة الجديدة، والتي كان من المفترض أن تكون إنقاذية، وهو أمر مثير لعلامات استفهام كثيرة بالأساس، لأن الحريري نفسه كان في سدّة السلطة عند بداية الانهيار الاقتصادي. مع ذلك، جرى الاتفاق، وبمباركة فرنسية أميركية، على أن يتولى المهام الحكومية، وهو ما قبلته بعض القوى السياسية على مضض، الأمر الذي ما لبث أن انعكس في مهام التأليف المعرقل حتى اليوم. فمعظم القوى السياسية عادت سريعا إلى مربع المحاصصة، وكأن شيئا لم يكن، وكأن البلاد لم تمر بكارثة ثالث أكبر انفجار في التاريخ، ولا أن الوضع الاقتصادي والمعيشي على حافة المجاعة بفعل فقدان العملة الوطنية لقيمتها والتحفظ على المدخرات في الدولار، ولا أن البلد يتجه بسرعة نحو الإفلاس. 
أعادت هذه المعطيات طرح فكرة الوصاية، الاقتصادية على الأقل، على لبنان، وهو ما أعلنه ماكرون بشكل مباشر خلال مؤتمر مساعدة لبنان الذي نظمته فرنسا افتراضيا بمشاركة 27 دولة مطلع شهر ديسمبر/ كانون الأول الحالي. وخلال هذا الاجتماع، وبعد وصلة من التصريحات عن عدم الثقة بالمسؤولين اللبنانيين، والإهانات المبطنة للكثير منهم، أعلن ماكرون أن المساعدات لن تقدّم بشكل مباشر للدولة اللبنانية، وأن لجنة من البنك الدولي ستتولى الإشراف على تقديم المساعدات وصرفها في الداخل اللبناني، في مسعى إلى قطع الطريق على محاولات الاستفادة الشخصية من هذه المساعدات. 
هذا الإعلان يمثل مرحلة أولى من الوصاية الممكنة على لبنان، بعدما تحوّل البلد إلى دولة فاشلة بكل ما للكلمة من معنى. وصاية لعلّ لبنانيين كثيرين يرونها فرصة للخلاص من الطبقة السياسية التي أرهقتهم بفسادها ومحسوبياتها، وأدخلتهم في صراعاتٍ إقليميةٍ وعقوباتٍ اقتصاديةٍ يرون أنهم كانوا في غنى عنها. لكن هذه الخطوة ستقود لاحقا إلى وصاية أكبر، وعودة عصر الانتداب بأشكاله المختلفة، وقد لا يقتصر الأمر على لبنان، خصوصا أن كثيرا من الدول المحيطة تعيش أوضاعا مشابهة، وقد ترى القوى الدولية في ذلك فرصة للدخول على خط أزماتها. 
ما أعلنه ماكرون ليس بالأمر والسهل، والمشكلة أن الأطراف اللبنانية لم تتوقف كثيرا عنده، بل ربما تريده.