الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لبنان في عين الإعصار السوري: "زرع" 2013 و"حصاد" 2014

لبنان في عين الإعصار السوري: "زرع" 2013 و"حصاد" 2014

02.01.2014
خضر طالب


السفير
الاربعاء 1/1/2014
يتنوَّع النقاش حول العنوان الذي يمكن استخلاصه من حصاد العام 2013 لبنانياً.
ثمة من يعتقد أن انخراط "حزب الله" في الحرب السورية هو عنوان التحول الكبير في لبنان، وقد يكون ذلك صحيحاً من الناحية النظرية. لكن التعمق أكثر في قراءة الوقائع اللبنانية، وفي جذور عناوين العام 2013 يؤدي الى استنتاجات مختلفة.
دخول "حزب الله" طرفاً مباشراً في الحرب السورية ليس جديداً. ربما الجديد فيه هو إعلانه رسمياً انه صار شريكاً الى جانب النظام في سوريا في الحرب. لكن الواقع ان "حزب الله" كان يقاتل في سوريا منذ العام 2012، وإن كانت له عناوين مختلفة لتلك المشاركة والتي أدرجها تحت شعار "حماية المقدسات".
قبل "حزب الله" كانت هناك اطراف لبنانية اخرى تشارك في الحرب السورية علناً، مع اختلاف، طبعاً في القدرات العسكرية وحجم المشاركة، وكذلك في القدرة على التأثير في موازين القوى في الحرب المستعرة في سوريا.
ربما يكمن هنا عنوان النقاش. التأثير الذي تركه "حزب الله" في هذه المعارك، من حيث تعديل موازين القوى الميداني في بعض المناطق (القصير - الغوطتان الشرقية والغربية - القلمون)، هو الذي جعل من تلك المشاركة العسكرية للحزب تأخذ هذا الحيّز من النقاش، وتدفعها لتكون عنواناً أساسياً من عناوين العام 2013 وأحد أهم عناصر التحولات التي شهدها، خصوصاً أن هذا التأثير أحبط دولاً عربية معنية مباشرة في الحرب السورية، حيث جاءت مشاركة "حزب الله" الفاعلة لتسقط مناطق في شرق سوريا من الحسابات العسكرية، مع ما يعني ذلك من إحراق أوراق كانت موضع رهان استثماري لاحقاً.
كما أن سقوط هذه المناطق قطع الطريق على مشاركة لبنانية إلى جانب المعارضة السورية المسلّحة، وإن لم تتمكن هذه المشاركة من إحداث تغيير يذكر في الميدان السوري بسبب فارق القدرات العسكرية والتنظيمية بين المجموعات المسلّحة التي تسللت من شمال لبنان وبقاعه إلى الداخل السوري، وبين ما يمتلكه "حزب الله" من إمكانات قتالية.
تلك وجهة نظر لها منظّروها وأنصارها.
ثمة رأي يرى أن من بين أبرز عناوين التحولات اللبنانية في لبنان خلال العام 2013، هو سقوط الأمن والاستقرار اللذين عرفا تماسكاً نسبياً منذ بدء الحرب السورية، أي خلال عامي 2011 و2012، بفضل صمود سياسة "النأي بالنفس".
وإذا كان هناك "اجتهاد" يقول بأن سقوط الاستقرار واهتزاز الأمن يعود لتورّط "حزب الله" في سوريا، إلا أن هذا "الاجتهاد" الذي يأخذ التفجيرات في الضاحية الجنوبية وبعض أحداث مناطق البقاع وصيدا كدليل، فإن ذلك لا يفضي إلى قراءة موضوعية لما جرى من أحداث أمنية في كل لبنان، سواء على مستوى معارك طرابلس (التي شهدت في العام 2012 سبع جولات بينما شهدت 5 جولات في العام 2013 بين التبانة وجبل محسن، فضلاً عن فوضى أمنية)، او على صعيد مدينة صيدا التي شهدت حسماً في العام 2013، في حين ان مناطق عنجر وعرسال وغيرها شهدت تراجعاً في التوتر عما كانت عليه في العام السابق. علماً أن هذه الاحداث كانت بدأت قبل الانخراط العلني لـ"حزب الله" في معارك سوريا واستمرت بعد ذلك.
 
سابقة لبنانية
 
صحيح أن دخول "حزب الله" طرفاً مباشراً في الحرب السورية يشكّل نقطة تحوّل في الصراع العسكري في سوريا، لكن ذلك التحول لم يشكّل تحولاً في الداخل اللبناني، وإن شكّل تحولاً في الواقع الامني للمناطق التي تعتبر البيئة الطبيعية لـ"حزب الله".
وقد يصح القول إن دخول "حزب الله" في الحرب السورية هو بمثابة سابقة لبنانية.
ربما يحق لخصوم "حزب الله" توجيه اتهام صريح له بأنه "أسقط مشروعية سلاحه المقاوم ضد العدو الإسرائيلي" عندما "انتقلت وجهة بندقيته شرقاً". وقد يحق لخصوم الحزب أن تتزايد مخاوفهم من أن يصبح "حزب الله" القوة العسكرية التي ستمارس دور "الوصاية" على لبنان لاحقاً. وقد يخشى حلفاء الحزب من أن ترتد هذه المشاركة العسكرية إلى الواقع اللبناني، وإلى تحالفاته.. وربما إلى داخل الحزب نفسه.
والأرجح أن قرار "حزب الله" بإقحام نفسه في حرب سوريا لم يأت على شكل "نزوة"، أو من دون استراتيجية مسبقة أدركت حجم المخاطر التي سترتد عليه بناء لذلك، ولذلك فإن قراراً بهذا الحجم لا يمكن أن يتّخذ من دون احتساب كل الاحتمالات التي ستترتّب بعدها، وإلا فإن الحزب يكون قد خاض مغامرة كبرى سترتد عليه بمخاطر كبرى.
من هنا، يمكن القول إن دخول "حزب الله" طرفاً في الحرب السورية هو نقطة تحوّل في مسار "حزب الله" وتاريخه ومستقبله، برغم أن لهذا التورّط تداعيات لبنانية داخلية، وسيكون لهذا التدخل تأثير مباشر على دور الحزب وموقعه مستقبلاً، ليس في لبنان فقط وإنما على مستوى المنطقة، باعتباره صار قوة إقليمية واستراتيجية في توازنات المنطقة.
سقطت سياسة "النأي بالنفس" في العام 2013، أو هي تلفظ أنفاسها، وتسبب ذلك بانهيار المناعة اللبنانية، الضعيفة أصلاً، ليصبح لبنان ساحة متأثّرة مباشرة بالحدث السوري.
في الأصل، لم يكن لبنان طيلة السنوات الثلاث من الحرب السورية إلا ساحة احتياط لدى القوى المتصارعة في سوريا.
بقي لبنان منذ اشتعال البركان السوري تحت رعاية القرار الدولي بـ"حماية الاستقرار"، وهو قرار بقي نافذاً بفعل التوازن العسكري في الميدان السوري، والتزم به كل المتدخّلين سياسياً وعسكرياً في سوريا. لكن اختلال التطورات الميدانية جعلت الحاجة ملحّة لاستخدام ساحات رديفة لتعويض الاختلال. كان لبنان الساحة الجاهزة لهذا الاستخدام، وكذلك العراق، وإن احتاج ذلك إلى إزالة بعض العوائق التي تسمح بـ"اللعب المفتوح" سياسياً وأمنياً.
الاستراتيجية ذاتها اعتمدت في لبنان والعراق. ما يعني أن الجهة المخطّطة هي نفسها.
الهدف في الساحتين واحد: إسقاط الحكومة.
صمدت حكومة نجيب ميقاتي طوال سنتين أمام الضربات التي تلقّتها. كانت تمتلك حصانة كافية لحماية نفسها من السقوط، إلى أن قرّر ميقاتي نفسه إسقاطها.
نجيب ميقاتي، هو نفسه، كان قد شكّل أحد أبرز "دروع الحماية" للدفاع عن الحكومة. حتى عندما خشي شركاؤه من استسلامه للضغوط الهائلة أو من ضعف في قدرته على تحمّل الضربات المتتالية والموجعة التي تلقّاها، فوجئوا بقدرة استثنائية على المواجهة.. ووحده أحياناً.
لكن ميقاتي قرّر إسقاط حكومته في اللحظة التي شعر فيها أن سياسة "النأي بالنفس" قد تعرّضت لضربات تسببت في إضعافها وباتت تترنّح.
تلك الخطوة، أي الاستقالة، شكّلت نقطة التحوّل الرئيسة في مسار لبنان للعام 2013.. وهو ما لم يحصل في العراق.
 
عودة السعودية وتحرير "حزب الله"
 
استقالة الحكومة شكّلت في حدّ ذاتها راحة ضمنية لكل القوى المتنازعة في لبنان، وتبعاً للقوى الإقليمية المتورّطة في الصراع السوري:
ـ أعادت الاستقالة بعض التوازن السياسي إلى الواقع اللبناني، فاستعادت السعودية بعضاً من أوراق اللعب في لبنان من خلال استعادة زمام المبادرة الذي سمح لها بتكليف تمام سلام لتشكيل حكومة تطوي صفحة نجيب ميقاتي شخصياً، وتُنهي مرحلة انكفاء السعودية عن لبنان وتعيد فريقها إلى الحكم.
في تلك اللحظة، شعرت السعودية أنها "ثأرت لكرامتها" التي أسيء إليها عندما حصل الانقلاب عليها بعد سقوط مشروع الاتفاق السوري ـ السعودي والذي تسبّب بإسقاط سعد الحريري وحكومته.
كما ظنّت السعودية أن "انتصارها" مكتمل، لاعتقادها بأنها "حرّرت" لبنان من "الهيمنة" الإيرانية والسورية التي قبضت عليه طيلة سنتين، مستفيدة من موقف رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" النائب وليد جنبلاط ومراهنة على استمراره إلى جانب خياراتها بشكل حاسم.
نظرياً، الاستقالة قدّمت خدمة للسعودية بأن فتحت لها أبواب عودتها للعب دور شريك في لبنان، إلا أن الرياض كانت ترفض شراكة مع أحد، وهو ما تسبب بتجميد "انتصار" السعودية وتالياً فريق "14 آذار"، وبتعليق "خسارة" إيران وسوريا وتالياً فريق "8 آذار".
ـ "حزب الله" لم يكن، حتى استقالة الحكومة، قد جاهر بمشاركته في الحرب السورية. قبل ذلك كان الحزب مصرّاً على أن عديد مقاتليه في سوريا هو بالعشرات، ومهمتهم محدّدة بحماية المقدّسات الشيعية. بعد الاستقالة تحرّر من حرج شراكته في حكومة تتبنّى سياسة "النأي بالنفس"، فذهب إلى المشاركة العلنية الكاملة في الحرب السورية. ولذلك أزالت استقالة الحكومة القيود عن حركته العسكرية.
عملياً، أصبح "حزب الله" جزءاً من معادلة إقليمية كبرى، وباتت حساباته أبعد من لبنان. أدركت ذلك إسرائيل، وتفادت أي اشتباك معه في هذه المرحلة. المعركة مع "حزب الله" أصبحت أكثر صعوبة.
دفع الحزب أثماناً مختلفة لتورّطه في الحرب السورية. خسائر داخلية متعددة، وارتفاع وتيرة الحملات السياسية عليه حتى تفوّقت على تلك التي أعقبت 7 أيار.
احتدمت المواجهة داخلياً مع الحزب، واتّخذت طابعاً خطيراً بأبعادها المذهبية التي بلغت حافة الانفجار. وتبلورت أكثر فأكثر صورة الصراع الداخلي، وباتت المواجهة مفتوحة. فمورست ضغوط كبيرة على "حزب الله" للتوقّف عن مشاركته في الحرب السورية، وانضمّ رئيس الجمهورية ميشال سليمان بشكل علني إلى فريق المطالبين بعودة مقاتلي الحزب من سوريا. واتّخذ الاتحاد الأوروبي قراراً يمكن وصفه بـ"الملتبس" الذي وضع "الجناح العسكري" لـ"حزب الله" على لائحة الإرهاب. تسمية على شكل تسوية استجابت جزئياً للضغوط العربية والدولية التي مورست على الاتحاد الأوروبي الذي سارع إلى تكثيف اتصالاته مع قيادة الحزب لاستدراك قراره.
 
سيادة الفراغ والانتظار
 
طوى العام 2013 أيامه على احتقان لبناني شديد ومخيف. الهوّة اتسعت كثيراً بين فريقي الصراع، والاشتباك مستمر بأشكاله المختلفة.
كل ذلك فتح الباب أمام تجاذب كبير على مستوى مؤسسات الدولة: حكومة مستقيلة لا تستطيع الاجتماع، رئيس مكلّف لا يستطيع تأليف حكومة، انتخابات نيابية مؤجّلة ومعرّضة لتأجيل جديد وتمديد للمجلس الحالي في ظل حالة الاشتباكات، رئاسة جمهورية مهدّدة بالفراغ الذي تمدّد إلى كل مؤسسات الدولة التي تشهد تحلّلاً هائلاً.. وسقوط الاستقرار الأمني.
طوى العام 2013 أوراقه على مخاوف كبرى من الآتي الأعظم في العام 2014. وفي استشراف الأيام المقبلة من العام 2014، ثمة احتمالات مفتوحة. لكن الثابت أن الأفق مقفل على الحلول طالما أن التسوية الإقليمية ما تزال معقّدة وبعيدة.
بات لبنان جزءاً من الأزمة السورية.. هذه مسألة لم تعد بحاجة إلى نقاش.
ما يفضي عملياً إلى أن الواقع اللبناني سيبقى معلّقاً على مسار الأزمة السورية، مع ما يعني ذلك من انتظار طويل لمآل الأزمة السورية. وربما سيكون الانتظار محموماً لانعقاد "جنيف 2" أو ما يليه.
لكن الأدق في الواقع اللبناني أن الأزمة ستبقى معلّقة على تسوية إيرانية ـ سعودية ما تزال إلى اليوم خارج مرمى البصر.
هل يعني ذلك أن العام 2014 سيكون أكثر تأزّماً من العام المنصرم؟
تحتاج الإجابة على هذا السؤال إلى متابعة واقعية لما يجري في المنطقة من ترتيبات وتسويات. لكن الأكيد أن احتمال حصول تسوية في الوضع السوري، وكذلك احتمال حصول تفاهم سعودي ـ إيراني، سينسحب على الواقع اللبناني، يتمثّل بإزالة كل تداعيات المواجهة، ومن بينها على الأخص الحالة الإسلامية الأصولية التي تنامت وكبُر دورها في ظل حالة الاشتباك المذهبي.
 
خطر الأصولية الإسلامية
 
ومن الواضح أن هذه الأصولية الإسلامية ستكون في المرحلة المقبلة تحت المجهر الدقيق، في حال حصول تسوية، وبالتالي ستكون أمام تحدّي مواجهة شرسة لتحجيمها وإضعاف دورها وتأثيرها، على اعتبار أن مسألة استئصالها مستعصية وتجارب التاريخ القديم والحديث دليل على استحالة إلغاء هذه الحالة المتشدّدة في الواقع الإسلامي.
لكن المواجهة مع هذه المجموعات ستكون جزءاً من حرب شاملة ضد "الإرهاب" في المنطقة كلها، وبالتالي لا تملك هذه المجموعات قدرة على الصمود أمام تلك المواجهة.
في مطلق الأحوال، يفضي منطق الأمور إلى أن التسوية تطيح بكل حالات الاشتباك، ما يعني عملياً أن المرحلة المقبلة في لبنان سيكبر فيها العنوان الأمني، بالتزامن مع العناوين السياسية، سواء حصلت التسوية أم لا.
وإذا كان العام الطالع، هو عام الاستحقاقات في لبنان: تشكيل الحكومة، انتخابات رئاسة الجمهورية، الانتخابات النيابية.. فإن ذلك يعني ان الأسابيع الأولى من هذا العام ستكون حافلة بالسخونة التي لا يوجد أي ضابط لها في ظل الاشتباك القائم إقليمياً، والانقسام الحاد داخلياً.
كل ذلك يفضي إلى استنتاج مفاده أن العام 2014 تحمل بشائره احتمالين متناقضين: إما أن يكون عام التسويات التي تدفع لبنان نحو مرحلة جديدة من الهدوء والاستقرار، وهو احتمال لا يملك مقومات كافية للتفاؤل بحصوله. وإما أن يكون عام تفاقم الأزمات والانكشاف الأمني والسياسي عبر الغرق أكثر فأكثر في البركان السوري الذي يقذف حممه باتجاه لبنان الذي أصبح في عين الإعصار السوري.
في المحصّلة، لا يبدو "زرع" العام 2013 مشجّعاً على أن "حصاد" العام 2014 هو أفضل من سابقه.. إلى أن يتغيّر شيء غير متوقّع في المنطقة يسمح بـ"موسم مثمر" في لبنان.