الرئيسة \  واحة اللقاء  \  فلتكن روسيا واقعية إذا كانت تريد الواقعية

فلتكن روسيا واقعية إذا كانت تريد الواقعية

04.11.2013
الوطن السعودية


السبت 3/11/2013
 يأتي تصريح رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيدف أول من أمس، ليؤكد أن العقلية الروسية لا تريد أن تغير من أسلوبها في التعاطي مع الشأن السوري، فقوله إن الدعوات المطالبة باستبعاد بشار الأسد من أي ترتيبات في المرحلة المقبلة غير واقعية، ثم مطالبته بتقديم ضمانات بشأن سلامة الأسد الشخصية، وتقديم مقترحات حقيقية حول الحوار السياسي.. كل ذلك يوضح بما يقطع الشك باليقين بأن الروس لا يريدون التراجع عن مواقفهم حتى لو حجبوا الشمس بغربال من أجل إثبات صوابها.
فأي واقعية يتحدث عنها ميدفيدف في الإبقاء على الأسد في السلطة، وأي منطق في ذلك؟ بعد أن فعلت قواته كل ما مر من جرائم ومجازر وتشريد وتدمير حتى لم تعد بلده بأفعاله تحمل أي مقومات الدولة. كما أنه لم يكتفِ بالتدمير فقط، بل لم يستطع حماية شعبه ممن يسميهم "إرهابيين" ومن التنظيمات المتطرفة التي سيطرت على مناطق وأعلنت دول خاصة بها.. ولم يتحدث في خطاباته وعبر إعلامه عن آلام شعبه ممن ظلوا في الداخل تحت المعاناة، أو من هاجروا وما زالوا يهاجرون بشتى الطرق غير الشرعية إلى دول أوروبا بحثا عن أمان وعن مستقبل لأطفال يقضون عامهم الثالث من غير دراسة، وكأنهم جميعا ليسوا من شعبه.
أي واقعية في طلب رئيس الوزراء الروسي تقديم ضمانات لسلامة الأسد الشخصية؟ لأنه هنا يتجاهل أكثر من مئة ألف قتيل ومئات الألوف من المعتقلين والمفقودين وملايين المهجرين والمشردين، فمن المخول بالحديث بأسمائهم وأسماء أهاليهم، وهل كل هؤلاء على استعداد لمنح روسيا الضمانات التي تريدها لسلامة الأسد؟
إلى ذلك، تغيب الواقعية عن ميدفيدف وهو يتحدث عن تقديم مقترحات حقيقية عن الحوار السياسي، متناسياً أن دولته هي التي عطلت بـ"الفيتو" خطة جامعة الدول العربية التي طرحت في الأمم المتحدة لإنقاذ الشعب السوري، ولو اعتمدت حينها لانتهت الأزمة ولما بلغت الأمور هذه الدرجة من التدهور، ولما دخلت التنظيمات المتشددة التي ليست لها حاضنة شعبية، وبالتالي فالشعب سوف يلفظها ويتعاون مع أي حكومة جديدة تأتي لتخلصه منها، بدل أن تتركه تحت رحمتها كما يفعل الأسد اليوم.
إذا كانت روسيا تريد الواقعية وتتحدث عنها، فلتكن واقعية وتتعاون مع ما سوف يصدر عن مؤتمر وزراء الخارجية العرب، الذي يعقد اليوم بخصوص الأزمة السورية.
� هل m����4�^3الروس، أم الإيرانيون؟ ومن يضمن أننا لسنا أمام لعبة جديدة مثل لعبة تدمير الكيماوي ليبقى الأسد؟ الواضح أن هناك أمرا ما يخطط له، خصوصا مع قلق الروس المعلن على مبادرتهم حول "جنيف 2"، وهو ما عبر عنه لافروف أمس، مما يوحي بأن أمرا ما يخطط له الروس بتوافق مع إيران، ودراية أميركية!
e='te#�lg�4�^3;text-justify:kashida; text-kashida:0%'>لقد أدى الموقف العربي العام في المستويين الرسمي والشعبي إلى إحباط سوري عام. وبخلاف نداءات المتظاهرين الأوائل للعرب، دولا وشعوبا، من أجل نصرتهم في المعركة ضد النظام، فإن هناك من السوريين من فقد الأمل بالموقف العربي، خاصة بعد التجربة المرة التي عاشها ويعيشها السوريون المقيمون واللاجئون في بعض الدول العربية، وفي كل واحد منها يعيش السوريون تفاصيل مأساة إنسانية ربما لم يعشها أي من شعوب المنطقة في التاريخ الحديث.
ورغم ما تقدم، فإنه لا ينبغي الركون إلى المحصلة السابقة؛ فالسوريون لا يمكن أن يعيشوا خارج الجغرافيا والسياسة، والعرب في دولهم وشعوبهم كذلك. وباستثناء وجود كل من لبنان والعراق والأردن في الجوار السوري، فإن في هذه البلدان وغيرها من البلدان العربية مقيمين ولاجئين سوريين، ولكل البلدان العربية مصالح مباشرة وغير مباشرة في سوريا، الأمر الذي يعني في كل الأحوال صعوبة تفكيك العلاقات السورية من البلدان العربية وبالعكس، أو إبقاء تلك العلاقات في وضعها الراهن المأزوم والملتبس، إضافة للجوانب العاطفية والثقافية والتاريخية، التي تفرض ضرورة تجاوز الواقع الراهن.
غير أن الأهم في ضرورة حدوث تبدل نوعي في علاقات الموقف العربي من القضية السورية، محكوم بما صار إليه الحال السوري واحتمالات تطوره؛ ففي احتمال بقاء النظام على حاله، فإن على جواره العربي أن ينتظر منه سياسة لا تقل عنفا وقسوة عن تلك التي مارسها ضد السوريين، وستكون تجربة تدخلات النظام الدموية، التي قام بها في لبنان والعراق وفلسطين مجرد بروفات أولية وقديمة عن تدخلات دموية مستقبلية يقوم بها في محيطه العربي، وإذا قدر للنظام أن يذهب، وأن يحل مكانه نظام تحكمه جماعات التطرف من "القاعدة" وأخواتها، فلن تكون البلدان العربية والمحيط الإقليمي أفضل حالا، إذ ستكون هدفا ميدانيا لنشاطات تلك الجماعات وأنصارها. والحال لن يكون بالأحسن إذا بقي الحال على نحو ما هو عليه الآن من صراع سوري مفتوح على كل التدخلات الإقليمية والدولية، وهو صراع سيولد مزيدا من التداعيات السياسية والأمنية والمآسي ليس في سوريا وحدها، بل في محيطها وفي الأبعد منه.
خلاصة القول أن القضية السورية باتت تفرض على البلدان والشعوب العربية وعلى العالم، موقفا جديا ينطلق ليس من الخلفيات الإنسانية والعاطفية والثقافية والتاريخية فقط، ولا من المصالح المستقبلية البعيدة، وإنما من مصالح مباشرة وحقيقية، تتعلق بالأمن الكياني والاجتماعي، الأمر الذي يتطلب تحركا عربيا عاما، ومن دول الجوار خاصة، خارج التقديرات والرؤى الصغيرة والتفصيلية. ومن الحق أن يسعى السوريون إلى بيان هذا الجانب؛ لأنه لا يمكن لأحد أن يعيش خارج الجغرافيا ولا خارج السياسة!