الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لتنظيم النازحين السوريين... لا إذلالهم

لتنظيم النازحين السوريين... لا إذلالهم

12.01.2015
أوّاب المصري



الشرق القطرية
الاحد 11-1-2015
موجة البرد التي ضربت لبنان خلال الأيام الماضية، كان من نتائجها وفاة عدد من النازحين السوريين معظمهم من الأطفال، لم تقيهم الخيام المهترئة التي يلتحفونها من الثلج والصقيع. صور الضحايا التي تم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي تُشعر كل من يشاهدها بالذنب. ذنب تجاه الضحايا أنفسهم، وكذلك تجاه ملايين النازحين المشردين، سواء في لبنان أو في الدول الأخرى المحيطة بسوريا ممن يعيشون أوضاعاً مأساوية صعبة. هو شعور العاجز الذي لا يملك ما يقوم به، لتحسين الواقع الإنساني المزري الذي يعيشه النازحون. فمهما بلغت الجهود والتضحيات والأموال التي تبذلها الجمعيات الخيرية واللجان الإغاثية وفاعلو الخير، فإنه لن يكفي لتلبية متطلبات النازحين الذين يحتاجون كل يوم لكل شيء. مأساة بهذا الحجم لا يمكن استيعابها إلا بتحرك دولي يلتزم فيه المجتمع الدولي بتقديم المساعدة والعون، فعلاً لا قولاً، ليس فقط سعياً للتخفيف عن الدول التي تؤوي النازحين، بل أيضاً حرصاً على النازحين أنفسهم، لأنهم سيكونون كبش فداء في أي مشكلة داخلية ستحصل في دول إيوائهم.
لا خلاف على أن النازحين السوريين مشكلة إنسانية معقدة وملحة، لكنها في لبنان أكثر تعقيداً وإلحاحاً، في ظل عدم وجود خطة حكومية لمواجهة تدفق النازحين عبر الحدود. غياب الخطة هذا، انعكس سلباً باتجاهين، الأول على النازحين الذين افتقدوا أي متابعة أو عناية من جانب السلطات اللبنانية، وانعكس أيضاً على الدولة اللبنانية، التي لم تعد تدرك حجم التحدي الذي تواجهه، سواء لناحية عدد النازحين الذين دخلوا أراضيها، أو الأماكن التي لجأوا إليها، أو الأعمال التي امتهنوها لتأمين قوت يومهم وتدفئة أجساد أطفالهم من برد الشتاء. ليس هذا فحسب، بل إن الأجهزة المختصة تفتقد أي معلومات عن توجهات النازحين. كم نسبة الذين يؤيدون النظام السوري، مقابل الذين يؤيدون المعارضة؟ كم عدد النازحين الذين يتعاطفون مع التنظيمات المتشددة، سواء كان جبهة النصرة أو تنظيم الدولة الإسلامية؟ كل هذه المعلومات الضرورية تفتقدها السلطات اللبنانية، مما انعكس تخبطاً في أدائها حول كيفية التعامل مع أزمة النزوح. ولعل ما فاقم من المشكلة، هي الأعداد الكبيرة من النازحين الذين دخلوا لبنان من خلال الحدود المشرعة بين البلدين، بعيداً عن المعابر الحدودية وأعين الأجهزة الأمنية المختصة. هذا الواقع جعل معظم ما تملكه الأجهزة الأمنية من معلومات عن النازحين هي مجرد تقديرات دون أي إحصاء حقيقي وعلمي. وعوض أن تمد الدولة اللبنانية المنظمات الدولية والإنسانية بإحصاءات وأرقام ومعلومات حول النازحين اللاجئين على أراضيها، باتت هي تستعين بالأرقام والإحصاءات التي تصدر عن هذه المنظمات.
لم يكن مستغرباً أن الحال في دول اللجوء الأخرى كان مختلفاً. فتركيا، امتصت مبكراً الجزء الأكبر من النازحين في مخيمات مجهزة أقامتها في مناطق قريبة من سوريا، أمّنت فيها مقومات العيش اللائقة. ومن سمحت له بدخول أراضيها تمت تسوية وضعه القانوني وهو يتحرك داخل الأراضي التركية بعلم ومتابعة الأجهزة المعنية.
الأردن من جانبها أيضاً أقامت مخيم الزعتري للاجئين، وهي مؤخراً باتت تعتمد بصمة العين وسيلة لضبط حركة النازحين، وصارت كل عين نازح تدخل إلى سوريا لا يسمح لها بالعودة إلى الأردن.
بينما في لبنان وهو البلد الذي استقبل أكبر عدد من النازحين السوريين نسبة إلى عدد سكانه، بحيث بات أكثر من نصف ساكنيه من غير اللبنانيين، رغم ذلك، هو البلد الوحيد الذي لم يسع لأي خطوة باتجاه تنظيم دخول النازحين السوريين، نتيجة الانقسام والتخبط السياسي. وهو الوحيد الذي رفض إقامة مخيمات للنازحين لأسباب طائفية سطحية لا تراعي حجم المعاناة الإنسانية التي يعيشها النازحون. لتصحو الحكومة قبل أيام، على قرار يتضمن شروطاً وضوابط يجب توفرها بالسوريين الراغبين دخول الأراضي اللبنانية.
الخطورة في القرار الحكومي تكمن في أن الشروط التي وضعها أشبه بالتعجيزية، وهي لا تنطبق على معظم النازحين الهاربين من القصف والقتل والتشريد.
وكأن الدولة اللبنانية بهذا القرار تريد وقف استقبال النازحين لكنها لا تجرؤ على إعلان ذلك.
المبادرة اللبنانية المتأخرة لضبط أوضاع النازحين السوريين خطوة كان يجب أن تبدأ قبل أربع سنوات. لكن التأخر في التحرك ليس مبرراً لظلم النازحين والاستهتار بهم وتشريدهم والتهرب من تأمين ملجأ لهم، والمساس بكرامتهم. وهو بكل الأحوال يناقض الاستقبال والترحيب الذي لقيه اللبنانيون النازحون إلى سوريا خلال العدوان الإسرائيلي عام 2006.
الجميع متفق على أن وضع النازحين السوريين لا يجب أن يستمر على ما هو عليه. لكن ذلك لا يبرر ظلمهم وسلبهم الحق بالعيش في مكان آمن يتوفر فيه الحد الأدنى من مقومات الحياة.