الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لحساب بوتين... وعلى حساب الأسد!

لحساب بوتين... وعلى حساب الأسد!

21.03.2016
محمد مشموشي


الحياة
الاحد 20/3/2016
كما قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 30 أيلول (سبتمبر) 2015، بعملية خلط أوراق شبه كاملة عبر تدخّله العسكري المباشر في سورية، فإنه أعاد خلط الأوراق مجدداً في 15 آذار (مارس) الجاري، بقراره سحب القسم الأكبر من قواته المسلّحة منها. الفارق أنه، في الحالة الأولى، قام بخطوته لمصلحة نظام بشار الأسد (ومصلحته هو بالطبع)، أي ضد معارضي النظام، فيما لا يمكن أن تكون حركته الأخيرة إلا ضد هذا النظام، وربما لمصلحة المعارضين في نهاية المطاف.
أبعد من هذا، لـيس مبالغاً به اعتبار أن قرار سحب القوات يرقى الى مستوى إعادة تصويب البوصلة بعد أن تبيّن للقيادة الروسية أن ما كسبته من العملية (الدور المقبول إقليمياً ودولياً، القاعدة الجوية في حميميم والأخرى البحرية في طرطوس، ومنع سقوط سورية في أيدي "داعش" أو "جبهة النصرة") لن يعطيها سياسياً، في ظل تعنّت الأسد ومحاولته تجيير التدخل الروسي ونتائجه كلها لمصلحته، سوى سورية معادية شعبياً من ناحية، وعالم عربي رافض لموسكو وسياساتها في المنطقة من ناحية ثانية.
ذلك أن بوتين، الذي يعرف جيداً حدود لعبته السورية، والدولية والإقليمية طبعاً، كان يعتقد أن إعادة توازن القوى على الأرض (خطة بوتين منذ البداية) ينبغي أن تقنع الأسد بالدخول في تسوية سياسية تكون مقبولة من الشعب السوري، كما من العالم العربي فضلاً عن العالم، بعد خمسة أعوام من القتل والتدمير والتهجير الى حد تهديم معظم البلد وتشريد نصف الشعب في أنحاء المعمورة.
ولم يكن هذا موقف الأسد، ولا كذلك ربيبته إيران، اللذين تصرفا منذ ما وصفاه بـ "عاصفة السوخوي" وكأن روسيا تعمل لحسابهما ومن أجل تنفيذ أجندتهما الخاصة، ليس في سورية فقط إنما في المنطقة كلها أيضاً، كما بدا جلياً لموسكو خلال الفترة الماضية. وليس خافياً، أن القيادة الروسية لم تكتف بلفت نظر الأسد الى ذلك، بل إنها عمدت الى تأنيبه في ثلاث مناسبات علنية على الشكل التالي:
أولاً، عندما تنطّح الأسد، غداة الاتفاق الروسي - الأميركي على وقف "الأعمال العدائية" وصدور القرار الدولي الرقم 2254، للقول أنه يوافق على الهدنة لكنه يتمسّك بما وصفه "استكمال تحرير الأراضي المحتلة من الإرهابيين"، لم ينتظر ممثل روسيا في الأمم المتحدة فيتالي تشوركين طويلاً للرد عليه بكلمات صارخة: "هذه ليست سياستنا في سورية". ومعنى كلام تشوركين، لمن يفهم، أن تدخّل قوات بلاده في سورية كان لإنقاذ النظام من السقوط، وبالتالي لمنع سيطرة "داعش" أو غيره من التنظيمات الإرهابية على البلد، وليس لأي هدف آخر.
ثانياً، لكن الأسد لم يفهم الرسالة (أو أنه لم يرد أن يفهم!)، لأنه عمد بعد أيام قليلة من كلام تشوركين الى الدعوة لإجراء انتخابات نيابية في سورية وحدّد لها موعداً يوم 13 نيسان (أبريل) المقبل. وجاء الرد عليه من موسكو هذه المرة أيضاً، عندما أصدرت الخارجية الروسية بياناً قالت فيه أن الانتخابات في سورية تجري فقط بعد تشكيل الحكومة الانتقالية والاتفاق على دستور جديد... أي عملياً، بعد التسوية السياسية التي نصّ عليها القرار الدولي 2254.
ثالثاً، لم تكن المحادثات في "جنيف2" قد استؤنفت بعد، عندما خرج وزير خارجية النظام وليد المعلم، ليردد كلاماً مفاده نسف المؤتمر من أساسه. بين ما قاله أنه "لا يحق لستيفان دي ميستورا (مبعوث الأمم المتحدة الى سورية) ولا لغيره (أي للدول الراعية للمؤتمر، بما فيها روسيا) أن يحدّد مواعيد لأي من الانتخابات النيابية أو الرئاسية في سورية... وأن بشار الأسد هو في النهاية "خط أحمر" لا يمكن أحداً أن يمسّه أو يتجاوزه. ومرة أخرى، جاء الرد من موسكو بالتشديد على ضرورة العمل على إنجاح المحادثات في جنيف.
ليس هذا فقط، فقد حرص بوتين ووزير دفاعه على إعادة تأكيد الرسالة إياها الى الأسد بإعلانهما أن القوات الروسية التي ستبقى في سورية ستواصل ملاحقة الإرهابيين عندما تجد فرصة لذلك. وفي هذا الكلام ما يعني (لمن يفهم مجدداً؟!) أن التدخل الروسي لم يكن إلا لمنع سقوط النظام في أيدي هذه التنظيمات، وأن المهمة لهذه الناحية قد أنجزت الى حد ما... وأن لا مهمة سواها، ما قد يكون الأسد أو حلفاؤه يفكرون فيه.
وفي هذا المجال تحديداً، يكون بوتين كمن يبلغ الأسد بأن الحرب على الإرهاب في سورية، كما في غيرها، هي مهمة روسية/ أميركية/ عربية/ أوروبية مشتركة قبل كل شيء. بل إن وزير خارجيته سيرغي لافروف، لم يكن يقول غير ذلك عندما حرص، بعد يومين فقط من بدء سحب قوات بلاده من سورية، على الإشادة بالدور الذي تقوم به السعودية ودول الخليج العربية، سواء في مجال محاربة الإرهاب أو في السعي للوصول الى تسوية سياسية في سورية.
غني عن القول، بعد ذلك كله، أن روسيا التي حددت منذ 30 أيلول الماضي، فترة ثلاثة أشهر لتدخلها العسكري في سورية ثم مدّدتها لاحقاً ثلاثة أشهر أخرى، لا تريد لمغامرتها أن تتحول مستنقعاً تغرق فيه... كما يبدو أن الأسد ومن يقف وراءه يريدون لها.
كذلك، فإن ما قيل عن "صفقة" عقدتها مع واشنطن، وحصلت فيها على تفويض أميركي بإنهاء الملف السوري (فضلاً عما يمكن لمعالجة الوضع في أوكرانيا والعقوبات ضدها) ليس مما تبدو موسكو راغبة في تعريضه للخطر... ولماذا؟، كرمى لعيني الأسد وحربه المجنونة للبقاء في السلطة على حساب تدمير بلده وإبادة شعبه؟!.
واقع الحال، أنه تحت هذه العناوين، ولهذه الأسباب بالذات، جاء قرار بوتين سحب قواته من سورية. وهو، من أية زاوية نظر إليه فيها، لحسابه في المقام الأول... وعلى حساب الأسد أولاً وأخيراً.