الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لحظة سوريا... المصيرية

لحظة سوريا... المصيرية

16.09.2013
خليل علي حيدر


الاتحاد
15/9/2013
المأساة السورية بلغت أوجها في الداخل والخارج، وفي بعض الحالات صار الحي يحسد الميت. ولا أحد من جانب ثالث يعرف إلى أين سينتهي هذا الجدل الدولي حول الطرف المسؤول عن استخدام السلاح المدمر الذي قتل مئات الأطفال في لحظات، ومتى وكيف ينبغي أن ينال العقاب الرادع.
ومن المحزن حقاً أن يبدو المشهد السوري بعد كل جرائم النظام بحق الشعب السوري ومدن سوريا وتراثها، والقتلى الذين بلغ عددهم أكثر من مائة ألف والمشردين الذين فاق عددهم عدة ملايين، أقول، يبدو المشهد وكأن محور كل كوارث سوريا هذا السلاح الكيميائي، الذي هو في الواقع جزء بسيط نسبياً من مصائب وويلات سوريا منذ انفجار الثورة.
الولايات المتحدة بدورها منقسمة هذه المرة بين رافض لتكرار "تجربة العراق"، التي لعب النظام السوري كما هو معروف دوراً أساسياً في تدميرها، ومؤيد لضربة محدودة تشل النظام، دون أن تورط أميركا في تلك الخسائر الجسيمة في الجند والمال.
ولكن هل حكومة الرئيس الأميركي درست أبعاد ونتائج هذه الضربة؟ وهل ستحطم نظام بشار أم الدولة السورية؟ لا توجد مصالح أو مؤامرة أو "مخططات" في الموقف الغربي الآن تجاه سوريا، وحتى ولو كان للغرب أي نوايا شريرة للانقسامات داخل المعارضة السورية وبعض قواها كجبهة النصرة قد عززتها!
يقول الكاتب حازم الأمين في صحيفة "الحياة"، هناك ثلاث مستويات كشفت عنها المناقشات الغربية للمسألة السورية: الإسلاميين الإرهابيين، شكل نظام الحكم في أعقاب سقوط "الأسد"، الموقف من عملية السلام العربية - الإسرائيلية. ويضيف الأمين أن "شكوك الرأي العام الغربي كما كشفت عنها المناقشات تتعلق في معظمها بهذه العناوين التي لم تتعامل معها المعارضة السورية، وهي إن فعلت، فإن تعاملها قد أثار مزيداً من الشكوك".
هوية المعارضة السورية، يقول، شديدة التعقيد بالنسبة للرأي العام الغربي، فالغرب يرى في هذه الجماعات الجهادية التكفيرية "احتمالات تدميرية لا تقل فتكاً عن الميول البعثية في القتل". هل المعارضة السورية مسؤولة بشكل ما عن جرائم "جبهة النصرة"؟ يقول الأمين: "لم تسأل الثورة السورية نفسها من أين قدم هؤلاء إلى سوريا، ولماذا قدموا؟ ومقولة إن الأولوية لقتال النظام كانت نوعاً من الهرب من واقع جلي وواضح. لقد قدم معظمهم عبر تركيا، والتحالف مع أنقرة منع طرح السؤال، وقاموا بممارسات تستهدف جوهر الثورة وهويتها المدنية، ولم يُواجهوا سيطروا على مدينة الرقة، وأقاموا معسكرات مهاجرين غير سوريين، وتجنبت الثورة مواجهتهم، اختطفوا الأب باولو وصحافيين غربيين، وبدت المعارضة عاجزة تماماً حيالهم".
وما يثير الاستغراب والأسئلة كذلك، أن نظام "البعث" السوري ونظام بشار بالذات كان قد استخدم هؤلاء المجاهدين التكفيريين، ربما بالتنسيق مع الحرس الثوري الإيراني وجهات أخرى، لعرقلة النظام الجديد في العراق بعد 2003، والانتقام من كل من يتعامل مع الأميركيين من العراقيين: "ماذا كان البعث السوري يريد من العراق بدعمه الإرهاب وتسهيل تدريب الإرهابيين، وتحديداً المنتمين إلى القاعدة، بتنسيق مع البعثيين العراقيين، وتسللهم إلى العراق كي يفجروا ويقتلوا ويخربوا الوضع الأمني والسياسي". الكاتب والسياسي العراقي كامران قره داغي يجيب عن هذا السؤال، بأن المخطط البعثي السوري نجح في تقسيم العراق طائفياً وحتى قومياً. الرئيس طالباني قال في لقاء له مع الأسد: "قلوبنا مجروحة بسبب الأعمال الإرهابية ونعتقد أن الإرهابيين قدموا من سوريا وعندنا أدلة وبراهين".
"طالباني" سلّم الأسد قائمة بأسماء القياديين المعروفين في "البعث" العراقي، ومن القادة العسكريين الفارين إلى سوريا مع عناوينهم، إضافة إلى مراكز تدريب الإرهابيين فيها. ماذا كان رد الأسد؟ "والله لا علم لي بذلك"، ثم أضاف مبتسماً، "بالطبع، إن التسلل يمكن أن يجري بسبب الفساد، يكفي أن تدفع 500 دولار"! ومع أنه لم يكن على علم بوجود القياديين البعثيين العراقيين في سوريا، لكنه بعد قليل قال لطالباني، إنهم على وشك الانشقاق - بين عزة الدوري ومحمد يونس الأحمد - مضيفاً: "وفي هذا فائدة لنا ولكم".
كان الإرهابيون الذين انحدروا على "اللاذقية" في سوريا من كل حدب وصوب يتدربون ويعبأون بالمئات هناك، ثم يرسلون إلى مدن العراق وأسواقه وجوامعه ليقوموا بعملياتهم المروعة. وكان بين هؤلاء كما نذكر جيداً، مئات من شباب الدول الخليجية وتونس وليبيا وغيرهم ممن كانت الأجهزة السورية تعدّهم للموت في العراق وتحصد أرواح آلاف العراقيين المدنيين معهم.
ثاني ما يخيف الغرب، يقول حازم الأمين، إلى جانب خطر إرهاب الإسلاميين هو ضعف المعارضة، وفيما إذا كانت قادرة حقاً على إدارة الدولة السورية في حالة إسقاط النظام، ويضيف: "لم تعد الوثيقة التي أصدرتها جماعة الإخوان المسلمين السوريين لتصورها لشكل النظام التعددي بعد سقوط الأسد كافية لطمأنة أحد. تجربة "الإخوان" في مصر أطاحت بهذه الوثيقة. واندراج الإخوان السوريين في سياق "إخواني" غير سوري - وقد رأينا نحن الخليجيين نماذج له كذلك - أحدث ريبة في نوايا الجماعة".
فالغموض إذن يلف فعلاً شكل نظام الحكم بعد سقوط الأسد، وعلى المعارضة السورية أن تعالج هذه المخاوف بجملة إجراءات وبصراحة أكبر. ولقد رجعت إلى مقال كتبه "توماس فريدمان" في سبتمبر 2002، قبل إسقاط النظام العراقي بستة أشهر، قال فيه: "لا تصدقوا استطلاعات الرأي التي تقول إن أغلب الأميركيين يساندون ضربة عسكرية للعراق، ذلك غير صحيح. ومن الخطأ أيضاً الاعتقاد بأن أغلب الأميركيين يعارضون بقوة فكرة الإطاحة بصدام. بل الصحيح هو أن الحيرة تستبد بأغلبية الأميركيين حيال هذا الموضوع. فالسؤال الذي تردد باستمرار يقول: "كيف يمكن لنا فجأة أن نفكر في شن حرب على صدام حسين؟ صحيح أنه يملك أسلحة فتّاكة، إلا أنه لم يسبق له أن شكل تهديداً مباشراً لنا، وفي حال أنه فعل أليس بالإمكان أن نمحقه من الوجود؟ ما يخيفنا فعلاً بن لادن وبقية الإرهابيين الذين لا يزالون طلقاء". ويضيف الكاتب الأميركي محللاً مخاوف الأميركيين عشية الإطاحة بنظام بغداد: "كان صدام دائماً قاتلاً وليس انتحارياً، وبالفعل لقد أمضى حياته كلها يطور حماية نفسه وبقائه على قيد الحياة، بحكم أن حبه للحياة يفوق أكثر من كرهه لها. ما يخيف الأميركيين فعلاً ليس أولئك القابلين للردع مثل صدام، بل أولئك الذين لا يمكن احتواؤهم مثل هؤلاء الشباب العرب المسلمين من نوعية منفذي اعتداءات 2001/9/11، والذين ما زالوا يتربصون بنا. كما أن الأميركيين مستعدون لدفع أي ثمن تقريباً في سبيل القضاء على خطر مثل هؤلاء الذين تفوق كراهيتهم لنا حبهم لأنفسهم وللحياة، مما يجعلهم غير قابلين للردع".
ومثل هذا الرأي ينقلنا اليوم، حيث المواجهة مع النظام السوري، إلى الجدل القائم في الولايات المتحدة حول العلاقة بين ضرب إمكانات القوة في النظام السوري من جانب، ومصالح الأمن القومي الأميركي. فمن الذين تحدثوا بهذا الخصوص "برت ستيفانس"، في صحيفة "وول ستريت جورنال". وقد أورد الكاتب بعض مواقف أعضاء مجلس الشيوخ وراح يناقشها مفنداً، وداعياً في النهاية إلى أن الاعتداءات المباشرة على الأراضي الأميركية لا تشكل وحدها تهديداً للأمن القومي، ولا تحتم وحدها خطوات حاسمة: ذكر السيناتور "راند بول"، أن ما من رابط واضح بين الحرب في سوريا وأمن الولايات المتحدة القومي، وأعلن السيناتور "مايك لي" قائلاً: "لا أعتقد أن الوضع في سوريا يشكل خطراً وشيكاً يهدد الأمن القومي الأميركي، لذلك لا أدعم التدخل العسكري". وقال النائب "جاستان أماش"، إنه "عندما لا تتعرض الولايات المتحدة لهجوم، فعلى الشعب الأميركي من خلال ممثليه، تحديد ما إذا كان من الضروري أن نخوض حرباً".
إن الأموال التي تصرفها الولايات المتحدة لتثبيت الاستقرار الدولي، كما يراها "ستيفانس"، ليست أموالاً مهدرة. فـ "يجب أن يعي الجمهوريون أيضاً أن الاستثمار في النظام العالمي يردع المعتدين الأكثر خطورة في المستقبل ويؤسس عالماً ملائماً لتجارة الولايات المتحدة وأمنها وقيمها، ومن الطرق الفاعلة القليلة الكلفة لتحقيق ذلك تلقين مجرم تجاهل كل تحذيرات الولايات المتحدة والهيئات المتحضرة درساً قاسياً". يقال إن الضربة في سوريا قد جُمدت أو أُجِّلت. من يضمن عدم قتل مئات أو آلاف آخرين من المدنيين.. بالسلاح الكيماوي؟