الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لديبلوماسية "القوة" في سورية

لديبلوماسية "القوة" في سورية

02.06.2014
جوناثان ستيفنسون



الحياة
الاحد 1/6/2014
يعارض كثر من الأميركيين، وعلى رأسهم باراك أوباما، التدخل العسكري في سورية، ويرون انه يساهم في إغراق بلادهم في (وحول) حرب شرق أوسطية مجهولة النتائج. لذا، يرجحون كفة الحل الديبلوماسي وهم مصيبون في رأيهم، لكن سورية ليست خطراً قصياً. ولا غنى عن دعم المعارضة السورية دعماً عسكرياً محدوداً وسرياً في حماية الأمن الأميركي وزيادة حظوظ نجاح الديبلوماسية.
ولا شك في ان قادة "القاعدة" في باكستان دعوا الجهاديين في سورية الى إسقاط بشار الأسد أولاً، ثم مواجهة أعدائهم الآخرين، ثانياً. لكن نفوذ قادة "القاعدة" على فروعها يضعف. فأكبر هذه الفروع، "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، رفض توجيهات أيمن الظواهري، فتبرّأ منها ودعم "جبهة النصرة". لكن "داعش" لم تتراجع، ويستمر النزاع بينها وبين "النصرة" على الصدارة في سورية، وينافس ابوبكر البغدادي الظواهري على زعامة "القاعدة". ويبدو أن "داعش" تتقرب إلى "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" في اليمن، ومثل هذا التقارب يهدد الأمن الأميركي. فقدرات "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية تفوق قدرة "داعش" وغيرها من فروع "القاعدة": والمجموعة هذه وراء محاولة عمر فاروق عبدالمطلب في 2009 تفجير عبوة مخبأة في ملابسه التحتية بطائرة في ديترويت الأميركية؛ ووراء إرسال طرود متفجرات الى أميركا عام 2010؛ وتهديد سفاراتها في 2013. وكانت ملاذ أنور العولقي الآمن قبل أن ترديه طائرة "درون" في 2011.
وعلى رغم انتشار الفوضى في اليمن، تتعاون حكومته مع القوات الأميركية، وتقيّد عمليات "القاعدة في شبه الجزيرة العربية". وإذا تحالفت هذه مع "داعش" وانتخبت سورية ملاذاً لها، تعاظمت قدرتها على تهديد الولايات المتحدة. ومثل هذا التحالف يقوّض نجاعة الإجراءات الأميركية (اقتسام معلومات استخباراتية وتعاون أمني) في مواجهة "القاعدة". وأوباما في وضع لا يحسد عليه، فسواء أعجبه الأمر أم لا، نظام الأسد وإيران و"حزب الله" يواجهون المجموعات الجهادية المنتشرة في سورية والمتعاظمة القوة. ولكن لا فائدة ترتجى من الصدوع بكرّ سبحة الرعب في سورية، ولا من دعوة الأسد الى الرحيل وتشكيل حكومة انتقالية معتدلة. وسعت الإدارة الأميركية الى ارساء تقاسم السلطة في سورية وتقييد التطرفين السنّي والشيعي. وحري بالديبلوماسية الأميركية مواصلة السعي الى بلوغ مثل هذه المساومة وعدم اقصاء إيران عن هذه المساعي. لكن الديبلوماسية لن تقنع المتطرفين، أي "القاعدة" و"حزب الله" وإيران، بقبول حل. وتمس الحاجة الى مساعدة واشنطن المجموعات السورية المعتدلة، وتقييد اخطار "القاعدة" والجهاديين السنّة على عملية سلام انتقالية في سورية. ولمحت الإدارة الأميركية الى أنها عزّزت برامج تدريب المعارضين السوريين المعتدلين و"المدقّق في سجلهم" في الأردن. وثمة بيّنات على تزويد اميركا المعارضة السورية صواريخ مضادة للمدرعات. ومثل هذه الخطوات الرامية الى جبه أخطار الجهاديين تساهم، من جهة، في طمأنة إيران و"حزب الله" الى ان اميركا لا تقوّي شوكة المتطرفين السنّة، ومن جهة أخرى، تحمل الأسد وحلفاءه الأجانب على الاحتكام الى طاولة المفاوضات. فالدعم الأميركي للمعارضة يزيد كلفة الالتزام العسكري الإيراني والتزام الحزب.
وحري بواشنطن أن تشكل قوة نخبة من المقاتلين السوريين المعارضين من أهل الثقة، من أجل مواجهة "داعش" و"جبهة النصرة" ومساعدة المجموعات المتوسطة الحجم والصغيرة المعتدلة على جبه المتطرفين. وهذه القوة قد تكون نواة إرساء الاستقرار في سورية.
وقد يبدو أن هذه الاستراتيجية تحرف سياسة الإدارة الأميركية عن مآربها الاستراتيجية الأوسع، أي ترجيح كفة القوة "الناعمة" على القوة "القاسية" (العسكرية) في السياسة الخارجية. لكن واشنطن لا يسعها المساهمة في حل ديبلوماسي في سورية و"إثبات" نجاعة القوة الناعمة من غير حماية الأمن القومي الأميركي (من خطر الإرهاب). وتسليح القوات السورية المعارضة وتدريبها قد يحركان عجلة المساعي الديبلوماسية، ويقنعان إيران وروسيا بأن الولايات المتحدة عازمة على مكافحة الإرهاب الجهادي.
* أستاذ دراسات استراتيجية مدير الشؤون السياسية - العسكرية في فريق الأمن القومي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البيت الأبيض بين عامي 2011 و2013، عن "نيويورك تايمز" الأميركية، 21/5/2014، إعداد منال نحاس