الرئيسة \  تقارير  \  لعبة “الدرونز”.. كيف تغير شكل الحرب في الشرق الأوسط؟

لعبة “الدرونز”.. كيف تغير شكل الحرب في الشرق الأوسط؟

22.12.2021
محمد محمود السيد


محمد محمود السيد
ساسة بوست
الثلاثاء 21/12/2021
أصبحت الطائرات دون طيّار “الدرونز” (Drones) تمثل التطور الأهم حاليًا في عالم التسليح وأسواقه، وذلك نظرًا لاستخدامها المتزايد في النزاعات حول العالم، وفتحها المجال أمام سباقات التسلح بين الدول الصغيرة، وربما الهشة، فالتقدم التقني قدّم للعالم سلاحًا فتّاكًا جديدًا، بتكلفة لا تتساوى مع إمكانياته المتعددة، لدرجة أنه صار سلاحًا في متناول الجماعات المسلحة في العديد من البلدان.
وتتوافر كل الشروط التي أدت إلى تنشيط عمليات صنع واستخدام الطائرات دون طيّار، في منطقة الشرق الأوسط، فهي المنطقة التي تحتضن أبرز الصراعات المسلحة الممتدة في العالم، والتي خلقت سباقات تسلح بين جميع الأطراف، ناهيك عن احتضان المنطقة لعدد من الجماعات المسلحة، والتي كانت مؤثرة ونشطة في مسارات الصراع المختلفة (مثل: “داعش”، و”حزب الله”، و”جماعة الحوثي”).
كل ذلك منح الشرق الأوسط مكانة خاصة في عالم “الدرونز”، وبالتحديد في مجال الاستخدامات العسكرية، بالنظر إلى أن الأصل في تطوير الدرونز كان للأغراض السلمية، سواء في مجالات إدارة الكوارث، أو إطفاء حرائق الغابات، ومراقبة الحدود لمنع التهريب، وتصوير أنابيب النفط، ورش المزارع؛ إذ تركّز الاستخدام الأكبر للدرونز في الشرق الأوسط على الجوانب العسكرية، لذا بلغت الدرونز العسكرية نسبة 82% من إجمالي سوق الطائرات دون طيّار في المنطقة.
وفي هذا الإطار تأتي الدراسة المنشورة على موقع “معهد الدراسات السياسية الدولية (ISPI)” بإيطاليا، وهو أحد أقدم المراكز البحثية في أوروبا، وتُركز دراساته على القضايا العسكرية والأمنية، مع إفراد مساحة خاصة لقضايا الشرق الأوسط، وجاء الدراسة بعنوان: “لعبة الطائرات بدون طيار في الشرق الأوسط: السباق على الطائرات بدون طيار الفتاكة وانعكاساتها على المشهد الأمني في المنطقة”.
وفي هذا التقرير نلقي الضوء على أبرز أفكار الدراسة، بدايةً من رصدها لتطور صناعة واستخدام الطائرات دون طيّار في المنطقة، مرورًا برسم خريطة لأبرز الفاعلين في هذا المجال على المستويين الإقليمي والدولي، ووصولًا إلى تحليل انعكاسات كل ذلك على المشهد الأمني في المنطقة.
أطراف اللعبة في الشرق الأوسط
من اليمن إلى ليبيا، ومن سوريا إلى العراق؛ باتت “الدرونز” تظهر في طليعة العمليات الجوية داخل مناطق الصراع المسلح في الشرق الأوسط، ولا سيما في إطار عمليات الدعم الجوي والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع التكتيكي، في الوقت الحالي، هناك 13 دولة في المنطقة إمّا تقوم بتشغيل درونز مسلحة بالفعل، أو تستعد للحصول عليها، ومن بين هذه الدول هناك أربعة بلدان تُصنّع الدرونز وتصدرها إلى دول إقليمية وأجنبية، وهي:
إسرائيل:
لا تعد إسرائيل إحدى القوى الكبرى في منظومة “الدرونز” المسلحة في الشرق الأوسط فحسب، بل على مستوى العالم أيضا، وربما توضع في المرتبة الثانية مباشرةً (خلف الولايات المتحدة الأمريكية) في هذا المجال، فحتى عام 2014 كانت هي المُصدِّر الرئيس للطائرات بدون طيّار بنسبة 61 % من الصادرات العالمية.
كما أنها تملك النسخة الأقوى على مستوى العالم ضمن “الدرونز” العسكرية، وهي (Heron-TP)، والتي تقوم بأداء مهام إستراتيجية على أقصى ارتفاع ممكن لـ”الدرونز” (13 ألف متر)، ويمكن أن تعمل بشكل متواصل لمدة تتعدي 30 ساعة، وتحمل مجموعة متنوعة من أجهزة الاستشعار والذخائر بحمولة تصل إلى 2700 كيلو جرام.
ولكي تحافظ إسرائيل على ريادتها الإقليمية في هذا المجال، امتنعت عن تصدير طائراتها إلى أية دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولا يزال أقطاب الصناعات العسكرية في إسرائيل يضغطون على الحكومة من أجل إلغاء الحظر، خاصةً في ظل تنامي علاقات إسرائيل العسكرية مع عدد من دول المنطقة بعد توقع اتفاقات التطبيع عام 2020.
تركيا:
استطاعت تركيا خلال السنوات الخمس الأخيرة أن تُسجِّل حضورًا حيويًا ولافتًا في داخل نادي “الدرونز” حول العالم، ليس على صعيد عمليات تصنيعها واستخدامها في العمليات القتالية في الشرق الأوسط، ولكن أيضًا في ضوء تحولها إلى أحد أقطاب تصدير الطائرات دون طيّار في المنطقة، وباتت تمتلك بالفعل مستودرين على درجة كبيرة من الأهمية، مثل: قطر وتونس وأذربيجان.
وعلى هامش مشاركتها في النزاع في لبيبا، تمكنت تركيا من تجريب وتسويق أحدث منتجاتها من الطائرات دون طيّار، وذلك في مواجهة منظومات أجنبية أخرى متطورة، إذ أثبتت “الدرونز” التركية التي قاتلت في صفوف حكومة الوفاق الوطني السابقة (بقيادة فايز السرج)، تفوقها في مواجهة طائرات (Wing Loong IIs) التي اشترتها الإمارات من الصين وزوّدت بها قوات خليفة حفتر.
وتعمل تركيا حاليًا على تحويل قطاع تصنيع “الدرونز” إلى قطاع محلي بالكامل عبر استبدال أي مكوّن أجنبي ببديل محلي بنفس الكفاءة، وتحاول أيضًا إدخال عناصر أكثر تطورًا في هذه المنظومة، كان آخرها في سبتمبر (أيلول) 2021، إذ دخلت الخدمة الطائرة بدون طيار الجديدة “بيرقدار أقنجي تيها”، والتي مثّلت تطورًا ملموسًا في صناعة الطائرات دون طيّار بتركيا، سواء من ناحية قدرة الحمولة العالية أو ناحية القدرات الهجومية، وكذلك قابلية التشغيل البيني مع الطائرات المقاتلة الأخرى.
إيران:
بالتوازي مع أنشطتها النووية وبرامج الصواريخ الهجومية، أصبحت إيران تحرز تقدمًا واضحًا فيما يتعلق بتقنية “الدرونز”، ويقول تقرير صادر عن “وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية”: إن معدلات التطور في صناعة الطائرات دون طيّار في إيران هي الأسرع على مستوى الشرق الأوسط.
فقد شهدت طائرات الجيل الثاني من “الدورنز” في إيران انفتاحًا أكبر على التقنيات المتقدمة، وصارت تمثل حلًا فعّالًا – للقيادة العسكرية الإيرانية – من ناحية التكلفة، وذلك لتعزيز قدرات المراقبة والاستطلاع والهجوم، وتعويض أوجه القصور في منظومة التسليح التقليدية، ناهيك عن استغلال إيران لهذه الجوانب في تعزيز سمعتها العسكرية وتعزيز خطابها السياسي.
الإمارات:
تعمل الإمارات (وإلى حد ما المملكة العربية السعودية) على شراء الطائرات دون طيّار بكثافة وتطويرها؛ إذ تنشر منصات “الدرونز” الصينية منذ عام 2015، وجرى استخدماها بالفعل في المعارك في اليمن وليبيا، ولكن حاليًا تسعى الإمارات لتعزيز صناعاتهما المحلية من الطائرات دون طيّار، إذ تستثمر حاليًا في طائرات ضمن سلسلة (Yabhon)، التي تنتجها شركة (ADCOM Systems)، وتعمل على تسويقها إقليميًا، بل وقامت بتصديرها بالفعل إلى عدد من الدول الأفريقية، مثل نيجيريا.
سيولة أسواق “الدرونز”.. هنا تربح بكين وتخسر واشنطن
تعد الدرونز الصينية، مثل (Wing Loong) و(Cai Hong 4B) الأكثر شعبية في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يؤكد على ريادة الصين في هذه السوق، وهي الريادة التي تأتي على حساب شركات الدفاع الأمريكية، وهو أمر مثير للانتباه في ضوء امتلاك واشنطن لتكنولوجيا الأكثير تقدمًا على مستوى العالم في مجال الطائرات دون طيّار.
ويعود السبب وراء ذلك أن بكين تتّبع سياسات تصدير ليبرالية تمامًا، ولا تتورع عن بيع طائراتها حتى للأنظمة الاستبدادية، بينما نجد أن الشركات الأمريكية مُكبلة بالقيود الصارمة التي تفرضها لوائح تصدير الأسلحة الأمريكية، كما لا يمكن أن نستهين بدور إسرائيل في هذا الصدد، فهي تُمارس جهود دورية حثيثة لمنع واشنطن من تصدير هذه التكنولوجيا التسليحية المتقدمة إلى الدول العربية، صيانةً لأمن إسرائيل وحفاظًا على تفردها في هذا المجال.
وعلى الرغم من الدول العربية، تطلع دائما لحيازة تكنولوجيا التسليح الأمريكية، كما أن الجزء الأعظم من هياكل التسليح العربية هي أمريكية بالفعل، فإنه في ظل القيود الأمريكية باتت الدول العربية تُفضِّل الطائرات دون طيّار الصينية؛ وذلك بسبب الأسعار المنخفضة وسياسة “عدم طرح الأسئلة” فيما يخص الديمقراطية أو حقوق الإنسان.
من جانب آخر جعلت سيولة أسواق الطائرات دون طيّار تكنولوجيا التسليح متاحة للجماعات شبه العسكرية والميليشيات غير الحكومية في المنطقة؛ إذ يمتلك حزب الله اللبناني أكثر من 200 طائرة بدون طيار، بما في ذلك الطائرة (Ababil-2T) الإيرانية، والطائرة الأكثر قوة (Mohajer-4)، والتي استخدمها الحزب في عدد من عملياته ضد إسرائيل، بينما تمتلك جماعة الحوثي نماذج مختلفة من الدرونز الإيرانية، والتي مكّنتها من ضرب الأهداف العسكرية للتحالف العربي اليمن، وكذلك استخدمتها لاستهداف المنشآت النفطية داخل السعودية.
المثير للانتباه أن هذه الجماعات بجانب تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)” – خلال فترات صعوده – استغلت الطائرات دون طيّار الرخيصة المُخصصة للأغراض المدنية في عملياتها؛ إذ عملت على تطويرها واستخدامها في عمليات المراقبة والاستطلاع العسكري، وكذلك في العمليات الهجومية، فنجد أن طائرات “داعش” عام 2016 كانت فعّالة للغاية في إبطاء تقدم قوات الأمن العراقية نحو الموصل عام 2016، ناهيك عن استخدام “داعش” هذه الطائرات لدعم عملياته البرية وعمليات التفتيش على نقاطها الأمنية.
كيف تغير “الدرونز” شكل الحروب في المنطقة؟
استطاعت هذه التكنولوجيا الفتّاكة التأثير شكل تلك الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وهو الأثر الذي قد يمتد لعدة سنوات، ويتمثّل الشكل الأول لهذا التأثير في تحول الطائرات دون طيّار إلى السلاح المُفضَّل في أيدي الدول والميليشيات خلال حروبهم وصراعاتهم المسلحة، (في اليمن، والعراق، وسوريا، وليبيا) ولكن الأمر الأكثر خطورة هو استخدام الطائرات دون طيّار لقمع التمردات المسلحة، مثلما فعلت تركيا عام 2015 خلال مواجهاتها ضد حزب العمال الكردستاني.
أما الشكل الثاني لتأثير تلك الطائرات على الصراع في الشرق الأوسط، فيرتبط بتداول “الدرونز” في المنطقة بسهولة وبأسعار منخفضة، إذ تحولت إلى حافز إضافي لخوض الحروب والصراعات، بعد أن ساهمت في خفض فواتير الحروب، سواء على مستوى التكلفة والخسائر الاقتصادية، أو حتى على مستوى السمعة السياسية؛ فـ”الدرونز” سهّلت عمليات “الحرب عن بُعد”، والتي مكّنت الحكومات المتورطة بها أن تتبرئ منها ومن نتائجها وضحاياها، لذلك ربما تستمر تلك الحروب إلى آفاق زمنية أطول، دون أن نتمكّن من إدانة أي طرف بشكل مباشر وصريح.
ويتمثل الشكل الثالث لهذا التأثير في تصعيد نمط “الحرب بالوكالة”، فالقوى الإقليمية والدولية تنخرط في معظم الصراعات لصيانة مصالحها السياسية بصورة غير مباشرة، فقد بات من السهل تسليح الأطراف المحلية بـ”الدرونز” للقتال نيابةً عن هذه القوى، وكأن هؤلاء الوكلاء صاروا “كبش فداء”.
إجمالًا يبدو أن منطقة الشرق الأوسط هي المستقبل الواعد لصناعة “الدرونز” العسكرية حول العالم، فلم تزل المنطقة تُعاني من الاضطرابات والصراعات المسلحة في أكثر من دولة، وهو ما يُعزّز الرغبة في امتلاك أدوات القتال والأسلحة الرخيصة، التي تتناسب مع الاقتصادات المتواضعة لدول الصراع، لذلك من غير المُستبعد أن يتسع نطاق استخدام وتصنيع الطائرات دون طيّار في المنطقة خلال العقد الحالي.