الرئيسة \  تقارير  \  لعبة الروليت الروسية: تداعيات عالمية محتملة للحرب في أوكرانيا

لعبة الروليت الروسية: تداعيات عالمية محتملة للحرب في أوكرانيا

31.01.2022
الإيكونومست


تقرير خاص – (الإيكونوميست) 29/1/2022
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
الغد الاردنية
الاحد 30/1/2022
المعاناة الإنسانية والصدمة الاقتصادية وإعادة الاصطفاف الجيوسياسي، كلها نتائج قد تنجم عن اندلاع حرب في أوكرانيا
* *                  
نادرًا ما شهد مجال الصراع البشري مثل هذا القدر الكبير من الأشياء المعلقة على أهواء رجل واحد. هل يوشك فلاديمير بوتين على غزو أوكرانيا كما يوحي حشد القوات الروسية على حدودها؟ أم أنه يخادع فقط لانتزاع تنازلات من جارته ومن الغرب؟ لا أحد يستطيع التأكد من نوايا السيد بوتين. وحتى وزير خارجيته يبدو أنه قد أبقي عليه في منطقة التخمين. ولكن، إذا كان القتال على وشك الاندلاع حقاً، فإن العالم في حاجة إلى فهم المخاطر التي سينطوي عليها.
ربما يخطط بوتين لغزو شامل واسع النطاق، مع توغل القوات الروسية في عمق أوكرانيا للاستيلاء على العاصمة، كييف، والإطاحة بالحكومة. أو أنه ربما يسعى إلى ضم المزيد من الأراضي في شرق أوكرانيا، وإنشاء ممر يربط بين روسيا والقرم، شبه الجزيرة الأوكرانية التي انتزعها بوتين في العام 2014. ثم مرة أخرى، ربما يريد حرباً صغيرة فقط، حيث “تنقذ” روسيا الانفصاليين المدعومين من الكرملين في دونباس، المنطقة الواقعة في شرق أوكرانيا، من الفظائع الأوكرانية المفترضة، بينما تقوم في نفس الوقت بإضعاف القوات المسلحة الأوكرانية.
لأن بوتين يمتلك المبادرة، من السهل استنتاج أنه يتمتع بالميزة. وفي الواقع، يواجه بوتين في هذه المسألة خيارات محفوفة بالمخاطر. سوف تنطوي حرب كبيرة على مخاطر غير عادية؛ لكن حربًا أصغر تحد من هذه المخاطر قد تفشل في وقف انجراف أوكرانيا نحو الغرب. وإذا لم تتمكن حرب صغيرة من تأمين استسلام الحكومة في كييف، فقد ينجر السيد بوتين حتماً إلى حرب أكبر.
سوف يكون غزو روسي كامل- إذا حدث- أكبر حرب تشهدها أوروبا منذ الأربعينيات، والأولى منذ ذلك الحين لإسقاط حكومة أوروبية منتخبة ديمقراطياً على يد غازٍ أجنبي. ولن يعاني الروس من الخسائر البشرية فقط، خاصة في حال حدوث تمرد مطول، لكنهم سيتسببون أيضًا في مقتل عدد لا يحصى من الأوكرانيين – بني جلدتهم السلاف، الذين يرتبط الكثيرون منهم معهم بروابط عائلية.
كما ستعاني روسيا أيضاً من عقوبات ثقيلة. سوف تتعرض بنوكها لعقوبات قاسية وسيُحرم اقتصادها من المكونات الأميركية ذات التقنية العالية. وقد يُمنع الروس فاحشو الثراء، بمن فيهم بوتين نفسه، من الإنفاق والادخار في الخارج. وسيعاني الروس العاديون من مستويات معيشية متدنية، بعد أن كانت في حالة تراجع مُسبقاً على مدى السنوات السبع الماضية.
وسوف يأتي إخضاع أوكرانيا بتكلفة إستراتيجية تترتب على روسيا أيضاً. سوف تراجع كل دولة تعيش في ظلها حساباتها الأمنية. وسيقوم حلف الناتو بتعزيز دفاعات أعضائه الشرقيين. وقد تنضم السويد وفنلندا إلى الحلف.
بالنسبة لبوتين، يمكن النجاة من العواقب الاقتصادية للحرب، على الأقل في المدى القصير. فلدى بنكه المركزي نحو 600 مليار دولار من الاحتياطيات– وهي أكثر من كافية لتجاوز العقوبات. لكن المكاسب السياسية في أوكرانيا يمكن أن تطغى بسهولة على النكسات في الداخل، والتي، كما يعرف بوتين أفضل من أي شخص آخر، هي المكان الذي سيتقرر فيه مصيره في نهاية المطاف.
لذلك، ربما يبدأ بوتين بغزو أقل طموحًا. ومع ذلك، فإن حربًا محدودة يمكن أن تودي بحياة العديد من الأشخاص وقد يصعب احتواؤها. وقد تكون العقوبات أخف، لكنها ستظل مؤلمة على أي حال. وسوف يستمر فك ارتباط روسيا مع الغرب في التسارع. وعلاوة على ذلك، إذا ظلت الحكومة في كييف مستقلة، فإن الحرب لن تؤدي سوى إلى مضاعفة جهودها للانضمام إلى الغرب. وتعني البلطجة التي مارسها بوتين على مدى السنوات الثماني الماضية أنه حتى المتحدثين بالروسية في شرق أوكرانيا لم يعودوا يتوقون إلى توثيق روابطهم مع موسكو.
سوف تحدد الأسابيع المقبلة الكيفية التي سيحدد بها بوتين خياره، ولا ينبغي أن تساور أحداً أي شكوك بشأن المخاطر المحتملة. تواجه أوروبا احتمال قيام روسيا بخنق تدفق الغاز عبر الأنابيب إليها. وحتى لو لم يحدث خفض في التدفق، كان من المتوقع أن تنفق أوروبا تريليون دولار على الطاقة في العام 2022، أي ضعف ما تم إنفاقه في العام 2019. وستؤثر الحرب أيضًا على أسعار السلع الأخرى. وقد شرع سعر النفط في الارتفاع مُسبقاً. كما أن روسيا هي أكبر مصدر للقمح في العالم، تليها أوكرانيا. وتعد روسيا مصدرًا كبيرًا للمعادن: في الأسواق الضيقة اليوم، يمكن حتى لصدمة صغيرة أن تدفع أسعار السلع إلى التحليق.
سوف يضع غزو ناجح لأوكرانيا سابقة سياسية مزعزعة للاستقرار. لطالما كان النظام العالمي مدعوماً بالقاعدة القائلة بأن الدول لا تعيد رسم حدود الدول الأخرى بقوة السلاح. وعندما استولى العراق على الكويت في العام 1990، قام تحالف دولي بقيادة أميركا بطرده منها. وقد أفلت بوتين، الذي يملك ترسانة نووية تحت إمرته، في السابق بضم شبه جزيرة القرم؛ وإذا استولى على شريحة أكبر من أوكرانيا، فمن الصعب رؤيته وهو يستنتج فجأة أن الوقت قد حان لصنع السلام مع “الناتو”.
سوف يكون الاحتمال الأرجح هو مواصلته مسيرته بمساعدة الوجود الجديد للقوات الروسية في بيلاروسيا لاختبار جدية اتفاق الأمن الجماعي لحلف الناتو، الذي يُعتبر بموجبه أي هجوم يشن على أحد الأعضاء هجوماً على الجميع. ولن يستمتع بوتين بفرصة تفريغ التزامات أميركا تجاه أوروبا فحسب، بل إنه أصبح يعتمد أيضًا على شيطنة العدو في الخارج لتبرير حكمه القاسي في الداخل.
وقد يلاحِظ ما يحدث في أوكرانيا معتدون محتملون آخرون أيضاً. من المؤكد أن احتمال غزو الصين لتايوان سوف يرتفع. وسوف يستنتج النظامان في إيران وسورية أنهما أكثر حرية في استخدام العنف مع الإفلات من العقاب. وإذا كانت القوة هي الحق، فسوف يدور القتال حول المزيد من حدود العالم المتنازع عليها.
مع وجود كل هذا القدر الكبير من المخاطر، يجب على الغرب أن يرد بثلاث طرق: الردع، ومواصلة الحديث، والاستعداد. لردع بوتين، يجب على القوى الغربية -وخاصة ألمانيا- التوقف عن المراوغة، وتشكيل جبهة موحدة وتوضيح أنها مستعدة لدفع ثمن فرض عقوبات على روسيا، كما يجب عليها دعم الأوكرانيين المستعدين لمقاومة جيش الاحتلال. وفي هذه الأثناء، يجب على الدبلوماسيين مواصلة الحديث والبحث عن أرضية مشتركة بشأن الحد من التسلح، على سبيل المثال، والضغط من أجل إتاحة تراجع يحفظ ماء الوجه بحيث تكون لبوتين ووسائل الإعلام الأسيرة له الحرية في نشر القصة كما يحلو لهم أن يصفوها. ويتعين على أوروبا الاستعداد للأزمة القادمة من خلال توضيح أن تحول الطاقة لديها سيقلل من اعتمادها على الغاز الروسي من خلال استخدام التخزين، والتنويع، والطاقة النووية.
نادرًا ما كان الاختلاف بين مصالح دولة ومصالح زعيمها صارخًا بهذا المقدار. سوف تستفيد روسيا من علاقات سلمية أفضل وأوثق مع الغرب. وستكون مثل هذه العلاقات متاحة إذا لم يتصرف بوتين بشكل بغيض. وهو الشخص الوحيد الذي يستفيد من الفتنة لأنه يستطيع أن يقول للروس إنهم تحت الحصار ويحتاجون إلى رجل قوي للدفاع عنهم. ولكن، حتى أذكى الرجال الأقوياء يمكن أن يخطئ في التقدير. ويمكن أن يثبت غزو أوكرانيا في نهاية المطاف فشل السيد بوتين، إذا تحول إلى مستنقع دموي أو جعل الروس أكثر فقراً وغضبًا وأكثر توقًا إلى التغيير. وحتى لو كان ذلك لخدمة مصلحته هو فقط، فإنه ينبغي أن يدعي تحقيق انتصار على التهديد الوهمي الذي تواجهه روسيا في أوكرانيا– ويتراجع.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Russia’s roulette: A war in Ukraine could have global consequences