الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لعبة موازين القوى في الشرق الأوسط

لعبة موازين القوى في الشرق الأوسط

11.05.2016
سالم سالمين النعيمي


الاتحاد
الثلاثاء 10-5-2016
لكل منطقة تشهد صراعاً جغرافياً هوية، ولديها أيضاً ذاكرة وكيان خاص بها يتداخل مع بقية مناطق العالم. ففي الشرق الأوسط هناك أربع كتل تعتبر قوى إقليمية كبرى وهي إسرائيل ومصر والسعودية وإيران، وقد كانت تركيا مدرجة في البدء ضمن الدول المستهدفة في "مشروع الشرق الأوسط الكبير"، لكنها أضحت فيما بعد مدرجة ضمن الدول التي يمكنها المساهمة في إقامته.
وهناك محاور صراع حول تلك المراكز، وستعمل القوى العظمى كل ما في وسعها لإفشال أي محاولة تناغم وتنسيق كلي يمثل ثقلاً على المستوى الإقليمي دون موافقة وفرمان من الدول التي ترى في نفسها حراس المعبد، وتعتبر كل العالم آخر نقطة في حدودها.
وتوجد لدى العرب فرصة واحدة للمواجهة النسبية، وهي "الاعتمادية المتبادلة" من خلال نهضة اقتصادية ومعرفية بين الدول العربية المحورية، وجعل الدول التي تقع على أطراف العالم العربي، كالجزائر مثلاً أو عُمان حصوناً قوية بها وجود نهضوي اقتصادي معرفي عربي محسوب لا يمس بسيادتها واستقلاليتها كدول، وفي الوقت نفسه، يضمن التوافق وشمولية الرؤى المشتركة لحماية الداخل العربي وعدم تركها في عزلة تدفعها نحو التعاون مع من لا نرغب أن تتعاون معه، أو أن تصبح نقاط نفاذ وبوابات عبور للمخاطر والتهديدات التي تمس وجود الوطن العربي ككيان يملك سيادته، وإنْ كانت مطاطة، بعد أن أضحت التبعية للدول الكبرى وأذنابها عقد قابل للمفاوضة ورفع الأسعار أو المقايضة العلنية، ما يبرز أهمية تأسيس صندوق استثماري سيادي عربي مشترك.
ومن جانب آخر، إن ما تفعله بعض الدول العربية هو من منطلق تحقيق أهدافها القومية في المقام الأول، وليس له علاقة برغبات القوى الكبرى في العالم، فكل دولة لها وزن حقيقي ووزن تقديري ستدخل به في كل صراع، وفق الظروف الحالية، وحسب تمركز قوى الصناديق السيادية، أو سوق الطاقة العالمي، ومدى مساهمتها في تحريك نمو أو تباطؤ حركة أسواق الأموال العالمية، وهو الأمر الذي جعل دولاً صغرى بمعيار الحجم والتعداد السكاني تنتقل من تصنيف الدول ذات النمو المثير للإعجاب إلى دول تعتبر من اللاعبين المؤثرين على المستوى العالمي. وإذا اجتمع العالم كله في سوريا على سبيل المثال، فتلك لم تكن مصادفة فسوريا لم تكن تلبس "طاقية الإخفاء" قبل ذلك، ولكنها اللحظة التاريخية المناسبة لاتخاذ موقف، و"نُشيطن" من نريد، ولا نأتي بالجديد.
وعليه، إن فرض الهيمنة ومبدأ القوة لن يتخلى البشر عنهما، في تداول طبيعي للسيطرة والسيادة ووضع اليد على المصدر والحصول على الأكثر، فأفقر الدول اليوم قد كانت في فترة ما تملك جيشاً جراراً تسوق به الناس في أسواق النخاسة، ولديها ثروات لا تعرف ماذا تفعل بها، ولكن نظام الإمبراطوريات يبدو لي ذهب مع الريح، وأصبح رجال المال من يسيرون العالم والسياسيين مجرد متعهدين تم التعاقد معم لضمان أن نظام الإمبراطوريات التقليدية ليس له مكان في عالم اليوم بين حدود واقعية قانونية وحدود افتراضية وحدود شفافة تتقاطع فيها مصالح الدول.
فعندما يكون لدى إسرائيل علاقة مميزة مع إثيوبيا ومنفعية مع إيران فهي بدهاء تعيد اتزان ميزان القوى الإقليمي، وتعطي الدول العربية الكبرى دروساً في تعزيز العمق الاستراتيجي للدول وعدم الركون لردود الفعل، فنجد المبادرة السياسية الاستباقية من المملكة السعودية في جزيرتي صنافير وتيران، وهو تحرك عبقري في فهم الواقع الجديد لمعنى قوة إقليمية، وأهمية التموقع الاستراتيجي والاستثماري ودوره في تعزيز السيادة الوطنية، وكما يبرز مثال التغلغل الإيراني منذ التسعينيات في اليمن، وغيرها من دول العالم، والنقلة التي حدثت في مفهوم الهيمنة الإقليمية وسبل تحقيقها.
وحتى تصبح أي دولة شرق أوسطية قوة إقليمية كبرى لا بد من توافر مقومات الدولة الإقليمية الكبرى من ناحية الموقع والمساحة والسكان والاقتصاد والصناعة والدخل القومي والتطور العلمي، ونوعية التسليح والأحلاف والبعد الثقافي والفني والإعلامي، وقد لا تملك كل المقومات، ولكن لديها بعض المقومات الأساسية التي تغطى على بقية المقومات، وتجعلها قوة يُشار إليها بالبنان، مثل التقدم الاقتصادي والصناعي النوعي والتكنولوجيا الحديثة والبحث العلمي المعرفي والتسليح والمتقدم والجاهزية النووية. وعليه أن تصنيف القوى الإقليمية الأقوى والأكثر تأثيراً في الشرق الأوسط والقوى القادمة بقوة لتصبح قوى إقليمية كبرى ليس سراً على أحد.