الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لعنة جنيف 1.. هل تتكرر؟

لعنة جنيف 1.. هل تتكرر؟

07.11.2013
د. حسن عبد ربه المصري


القدس العربي
الاربعاء 6/11/2013
كلنا يعرف أن اجتماع جنيف الأول الذي عقد في في حزيران/ يونيو 2012 لم يؤد إلى نتائج ملموسة، لوقف نزيف الدماء الذي يعاني منه الشعب السوري منذ حوالي 31 شهرا، لإسباب بعضها يرجع إلى تعنت طرفي الصراع، وبعضها الآخر لاختلاف المصالح التي تقف وراءها الأطراف الاقليمية والدول الداعمة لكل منهما.
السؤال اليوم، هل تفضي النسخة المعدلة من هذا الاجتماع إلى نفس النتيجة؟ خاصة أن نقاط الخلاف، الذي جرى في الخفاء بين الطرفين الأمريكي والروسي في لندن منذ بضعة أيام، بدأت تظهر للعيان متجاوزة حدود تعارض رؤية كل منهما حول إطار تمثيل المعارضة السورية والمنظمات الجهادية المتشددة، وحجم التنازلات التي يجب ان تلتزم بها دمشق، إلى كشف الستار عن اختلافهما البين حول مسائل اكثر عمقا تتصل مباشرة بأوراق محلية وأخرى اقليمية لا غني للملف عنها.
لا زال الكثير منا يتذكر البيان الختامي لـ’جنيف 1 الذي نص على ضرورة تشكيل حكومة انتقالية سورية، تضم وزراء من النظام الحاكم والمعارضة.. حكومة تتقاسم في ما بينها المسؤوليات، من دون ان يحدد لمن توكل اليه الوزارات السيادية، ومن دون ان يتطرق إلى إشكالية إبعاد بشار الأسد عن السلطة، مما جعل الضبابية تضع خاتمها الوهمي على كل ما تمخض عنه هذا المؤتمر من إجراءات، سواء على مستوى القوى المعارضة، او على تناول كل من الإدارتين الأمريكية والروسية للملف برمته سياسياً وعسكرياً.
تشهد الوقائع المعاشة يومياً بأن الوطن السوري مرت عليه أحداث كثيرة منذ ذلك التاريخ، دعم بعضها النظام الحاكم، سلباً مما سبق وحققته قوى المعارضة من نجاحات، مما قوى من صمود دمشق، ومنح بعضها الآخر قوى المعارضة هامشا محدودا من الامتيازات التي اهدرتها بشكل متسارع على مستوى الجيش الحر والإئتلاف الوطني السوري من ناحية، والمنظمات الإسلامية المتطرفة، كجبهة النصرة وجيش الدولة الاسلامية من ناحية أخرى.
النظام الحاكم حتى الآن، لم تتخل عنه القوى الداعمة لحقوقه المناصرة لموقفه. أما الطرفان الآخران المتقاتلان معه، فيمكن القول انهما فقدا الكثير من زخمهما.
الطرف الأول، يعاني من عدم التوافق والتضاد في مجمل ما دأب على اتخاذه من قرارات، منذ شهر اذار/مارس الماضي، حيث لم يوفق في تشكيل حكومة المنفى، وتقلصت مراكز الامداد المادي والمعنوي التي كان يحظى بمساندتها، ولحقت به ضربة موجعة، حين ألغت الولايات المتحدة مشروع الضربة العسكرية التي كانت تنوي القيام بها ضد مفاصل قوة القوات المسلحة السورية النظامية.
هذا الطرف يعاني حتى لحظتنا هذه من فشل القدرة علي الاستجابة لدواعي وضرورات المشاركة في مؤتمر ‘جنيف 2، لأن تشكيلته ليست على قلب رجل واحد، لا حيال مطلب إزاحة الرئيس بشار الاسد قبل البدء في التفاوض.. ولا حيال وعود استمرار الدعم الأمريكي، كما كانت قيادته ترجو وتأمل وتحلم.
الطرف الثاني، ونقصد به المنظمات الإسلامية الجهادية، سواء المحلية منها أو الوافدة عبر الحدود التركية والعراقية، تحول مع مرور الوقت إلى مصدر قلق وتوتر، على مستوي الداخل والخارج.. في الداخل ترفض القوى غير الإسلامية أسلوب الجبر المجتمعي والرؤية الأحادية، اللذين تمارسهما وتفرضهما تلك المنظمات، وتشكو من تحريضها لكوادرها ‘المناضلة’ لكي تترك مواقعها للالتحاق بها، نظير مقابل مادي لا يقدر عليه غيرها.
هذه المجموعة اصبحت مصدر فزع لغيرها، ممن لا يسيرون على دربها ويعترضون على أسلوبها في تطبيق الشريعة، وعلي توجهاتها العسكرية المخالفة لمنهج ثوار سورية الأصليين، كما اصبحت مصدر قلق وتوتر للغالبية العظمى من ابناء الشعب السوري، الذين لا ناقة لهم ولا جمل في هذه الحرب الضارية.
هذه المجموعة تحولت إلى قنبلة موقوتة على مستوى التقارير الأمنية التي تخرج من سورية على مدار الساعة، لأنها أضحت تمثل تهديداً إرهابياً للمصالح الأمريكية للأمن الإسرائيلي والاستقرار التركي.
ليس هناك شك في أن موافقة دمشق على تدمير ترسانتها من الأسلحة الكيميائية أكسبها بعض أوراق الضغط التي تمكنت من حسن استخدامها.. ووفرت لمناصريها، سواء في موسكو أو طهران الكثير من المعطيات التي ساعدتهما على تهدئة سخونة التعامل الأمريكي ـ الأوروبي مع الملف السوري ككل، ومنحت جون كيري مقومات حرث الأرض لعقد مؤتمر ‘جنيف 2 بشكل موسع يضم عددا إضافيا من الدول العربية والإسلامية على رأسها إيران، وترتب على ذلك..
عقد مؤتمر لندن الذي ضم الدول الغربية وعددا من الدول العربية الاربعاء 6/11/2013 جانب من قوى المعارضة السورية.
عقد مؤتمر اضافي في انقرة لأصدقاء سورية.
قيام المندوب العربي الاممي الأخضر الإبراهمي بزيارة مكوكية للمنطقة،
كل ذلك بغرض التوفيق بين أطياف المعارضة لكي تحسم أمرها وتشارك بإيجابية في ‘جنيف 2 ضمن وفد واحد تتوافر له مقومات التعبير عن غالبية القوى، وأيضاً لاستشراف ما في جعبة دمشق من نيات وافكار ومساومات.
بالتوازي مع ذلك تواصلت المكالمات الهاتفية بين موسكو وواشطن لوضع الإطار اللازم لاجتماع ممثلين عنهما في جنيف يوم الثلاثاء 5 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي لمناقشة الأفكار التي تضمن نجاح نسخة جنيف المعدلة حتى لا تصيبها لعنة ‘جنيف 1 ‘.
كل ما تسرب عن هذه الاتصالات لا يبشر بخير.. الخلاف الحاد بين الجانبين الروسي والأمريكي يدور حول كيفية الجمع بين النظام السوري الحاكم ومعارضيه، وفق مستوى من التنازلات التي يقبل كل منهما تقديمها، لتوفير أكبر قدر من الضمانات لإبعاد اللعنة عن مؤتمر جنيف الثاني.
موسكو لم تلفح في اقناع دمشق بإعلان موافقة صريحة على قبول بشار الاسد ترك السلطة قبل بدء الاجتماع، لأن دمشق ترى أن ذلك حق أصيل لا يمكن التنازل عنه، على الأقل حتى شهر يونيو القادم. موسكو تعلن مرة أنها متمسكة بالرئيس السوري، وتسرب مرات ما يفيد استعدادها الى التخلي عنه والرضا بمن يختاره الشعب السوري، في أجواء انتخابات حرة. موسكو تحمل أمريكا مسؤولية أن تفرض على قوى المعارضة الانخراط في فريق واحد تحت قيادة الإئتلاف الوطني السوري، باعتباره الممثل الشرعي للشعب السوري. واشنطن فشلت مرات كثيرة في إقناع القوى المناوئة للنظام السوري الحاكم بالاصطفاف تحت مسمى واحد، وفشلت في إبعاد المنظمات الجهادية المتطرفة عن ساحة العمل السياسي والدبلوماسي.. وفشلت كافة محاولات إقناع القوى التي يرى البعض أنها معتدلة لكي ترتفع إلى مصاف الندية التي يحتاجها الأمر للوقوف في وجه النظام عسكرياً وسياسياً.
القوى المناهضة لدمشق، ترى أن من حق الجميع المشاركة في التفاوض مع النظام بعد تجريده من الأوراق التي لا زال يستقوي بها، إلى جانب تحييد روسيا وإبعاد إيران عن الساحة.. لذلك لا زالت تعترض بقوة على ضم طهران إلى طاولة الحوار، ولكنها في نفس الوقت لم تتمكن على امتداد شهور طويلة من أن تضم كافة الفصائل تحت مظلة واحدة، ولم تتمكن من ضبط إيقاع التعامل مع العناصر الجهادية المتطرفة، التي دخلت إلى الأرض السورية من الأبواب الخلفية بدفع من جهات ليس لها مصلحة مباشرة في الصراع السوري/ السوري الذي اندلعت شرارته قبل اكثر من 31 شهرا.
صراع تحميل مسؤوليات الفشل الدائر بين موسكو وواشنطن انعكس سلباً على كافة الخطوات التي اتخذتها كل منهما لتفعيل جولة ‘جنيف 2 بما في ذلك النتائج التي توصل إليها الأخضر الإبراهيمي.. وبما يتوقعه المراقبون من هزال على يد اجتماع الإعداد الذي سيعقد في هذه المدينة اليوم أو غدا.. وكذا على جولة التنسيق والتوفيق التي بدأها جون كيري وزير الخارجية الأمريكية الأحد الماضي بالرياض، والتي قيل انها ستستغرق تسعة أيام.
فهل كل ذلك مما يعتبر مقدمات موحية بفشل مسبق لـ’جنيف 2؟ أم هو من قبيل الإرهاصات التي يستقوي بها كل طرف على الآخرين قبل جولة ‘جنيف 2 التي يؤكد البعض أنها سوف تكون فاصلة لتوثيق حق الشعب السوري في الحياة الحرة الكريمة التى يختارها بملء إرادته؟ عندي، لم يعد للتفاؤل مكان.. فهل يمتد تأثير اللعنة إلى كل أوراق الملف السوري؟
 
‘ إستشاري اعلامي مقيم في بريطانيا