الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لغة الجسد.. ووجوه بلا ملامح

لغة الجسد.. ووجوه بلا ملامح

21.12.2017
د. أحمد موفق زيدان


العرب
الاثنين 20/12/2017
ثمة وجوه بلا ملامح، لا تستطيع أن تقرأ فيها شيئاً. أحد هذه الوجوه الذي قد يكون أنموذجاً لدراسة حالة وجوه بلا ملامح، هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وكان يُقال في حق رئيس النظام السوري الراحل حافظ الأسد الأمر ذاته، لكن التقت هذه المرة لغة جسد بوتين وبشار مع وجه بوتين الشمعي الذي لا يحكي شيئاً ولا تستطيع أن تفهم منه ما جرى أو يجري، في ظل تجمّده وارتدائه قناعاً شمعياً يحجب عنك قراءة ما تحته.
كثير من الصحافيين والإعلاميين -وحتى البشر- يعتمدون في تقييماتهم ونظرتهم إلى الآخر على لغة جسده؛ فهي أصدق من لغة الكلام. وكما قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: "ما أسرّ أحد سريرة إلا أظهرها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه". كل ما علمته وتعلمته عن لغة الجسد كنت أحاول استغلاله في تفكيك ما جرى في قاعدة حميميم بالساحل السوري منذ وصول الرئيس الروسي بوتين إليها محاطاً بجنوده وضباطه، بحضور رئيس النظام السوري بشار الأسد. الأعجب أن يتقدم ضابط روسي إلى طائرة بوتين ليقدّم له القاعدة العسكرية في غياب كامل لكل أشكال السيادة الوطنية السورية التي صدّعنا بها النظام السوري على مدى عقود. كان رئيس النظام السوري قد تم شحنه من دمشق إلى "حميميم"، تماماً كما تم شحنه سابقاً بطائرة روسية على عجل إلى روسيا ليلتقي بوتين وحيداً دون مساعدين، وسط ارتباك وفوضى بروتوكولية، ربما تصلح للتدريس في أكاديميات البرتوكول الرئاسي العالمي.
بالطبع، القاعدة العسكرية الروسية أرض روسية، بحسب الاحتلال الروسي للشام. وبالتالي، فبوتين قادم إلى هنا لغرض واحد، ولقاء الأسد تحصيل حاصل، ليس إلا من باب إظهاره ذليلاً تابعاً لهم وضامنين له، وإن كان هذا باعتقادي لا يعني أبداً أنهم تخلوا عنه أو وجدوا البديل له؛ فبوتين قادم لغرض واحد هو إعلان النصر العسكري على تنظيم الدولة؛ ليذكّر العالم بإعلان بوش وكل "منتصر" أو غازٍ بعد حركاته الاستعراضية. وإعلان هذا النصر يستلزم بالتأكيد أن يكون وحيداً؛ فالنصر لا يقبل الشريك، ولكن الأسد -جهلاً بالبرتوكول أم لأسباب أخرى نجهلها- سارع ليكون إلى جانب الرئيس الروسي الذي استلزم من الضابط المرافق إبعاده عن بوتين الذي يريد أن يعلن النصر لناخبيه في روسيا. ما زلت أتذكر الرئيس الأفغاني حامد كارزاي، الذي رفض أن يلتقي الرؤساء الأميركيين في قاعدة بغرام العسكرية الجوية الأفغانية، وكان يشدد على اللقاء في القصر الرئاسي بكابول. وقد ظهر غير مرة الرؤساء الأميركيون في قاعدة بغرام وحيدين دون نظيرهم الأفغاني، بينما العالم كله جعل من كارزاي مضرب مثل في التبعية وخدمة الوجود الأجنبي في بلاده، لكنه بدا أكثر احتراماً لنفسه وبلده من الأسد. بكل تأكيد، تعرّض رئيس النظام السوري إلى ضربة قوية إن كان على مستوى الخارج أو على مستوى الداخل. والمقصود به وسط أتباعه وشبيحته الذين يُنشدون: "الأسد أو لا أحد"! ولكن الأعجب هو تلك التبريرات والتفسيرات السخيفة وسط أتباعه، التي تابعناها على مواقع التواصل الاجتماعي، وإن كانت الغالبية -لا سيما من أقاربه ومقربيه- انتقدوه، بل وهاجموه على ذلك الظهور. كان بوسع الأسد أن يرفض المجيء إلى القاعدة، أو إرسال ضابط كبير من طرفه. ولكنه الإذلال، ويبدو أن العدالة الإلهية ستتم في الدنيا قبل الآخرة بإذلال كل من أذل شعبه، وها نحن نرى كيف ينتهي الأمر بعلي عبدالله صالح ببيته، وبالطريقة نفسها التي قضى بها على سلفه إبراهيم الحمدي. ولتكتمل العدالة الإلهية الدنيوية أمام أتباعها، رأينا كيف تم نشر زجاجات الخمر حول جثة صالح، تماماً كما فعلوا قبل 20 عاماً تقريباً حول جثة الحمدي.;