الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لغة غريبة على السوريين

لغة غريبة على السوريين

22.03.2014
محمد برهومة


الغد الاردنية
الجمعة 21/3/2014
تنتشر بين السوريين اليوم، أي بعد ثلاث سنوات على الثورة السورية، لغة غريبة عليهم وعلى طريقة عيشهم وتعايشهم الديني، وتسامحهم الاجتماعي الذي عاشوا في ظله لعقود عدة منذ عهد الاستقلال الوطني. ومع تصاعد العنف وصراع الأجندات الإقليمية والدولية، يتم الاستهانة بإراقة الدماء وحرمة كرامة الإنسان. عند هذا الحدّ، لا منتصر في سورية سواء أكان النظام أم المعارضة؛ فأي انتصار حين تحكم شعبا لدى كل عائلة فيه مصيبة وذكرى أليمة وجرح غائر؟!
أعرف كثيرا من الزملاء السوريين منذ سنين، ولأول مرة أكتشف فيهم تصاعد نبرة الرغبة في إفناء الآخر في الوطن والعروبة، وتمني السوء له، والجهر بالسعي إلى تدميره وإقصائه، والدعاء لأن يكون العيش من دونه!
في ظل أهوال الثورة/ الصراع/ الأزمة في سورية، تهشّم التنوع الغنيّ، وتشظى التآلف، وتفكك النسيج، وضاع التسامح. إنها الحقيقة المرة من دون وهم وتنميق إنشائي. وحتى لو كنت من أشد أعداء نظرية المؤامرة، فإن هذا لا يشفع بأن يصار إلى غض النظر عن أن الجغرافيا السياسية لسورية ما تزال لم تستنفد أغراضها في الصراع الإقليمي والدولي الذي يتخذ من سورية "ساحة" له. هنا سيقال كلام كثير عن السياسة، ولعبة التحالفات الإقليمية والعالمية، وإعادة تشكيل المنطقة وتواطؤ دولي لفرض أجندات وسياسات معينة ليس مصلحة الشعب السوري ومشاعره ومأساته وهمومه وفجائعه من ضمنها. ولكن السؤال الكبير: إلى متى ستستمر هذه الحرب المدمرة التي أفرغت سورية من مقومات حضارتها، وأهدرت تاريخها، وأراقت الدماء في ساحاتها، وغيّبت الاستقرار من جنباتها؟!
ليس في هذا الكلام تخطيئا لأطفال درعا الذين كتبوا قبل ثلاث سنوات على جدران مدينتهم عبارات تدين عنف النظام ودمويته، وكشفت عن رغبتهم في العيش بحرية وكرامة فكان مصيرهم تقطيع الأصابع! كما ليس في هذا تعايشا وتبريرا لنظام يبدع في إهداء شعبه براميل البارود والمتفجرات والقنابل!
التحليل السياسي الأصم يقول إن هوية الخاسر في سورية ستحدد شكل المنطقة، وتعيد ترتيب هندستها الجديدة. والمشاعر الإنسانية تقول: أي انتصار هذا الذي سيكون في دولة مفككة وفاشلة، ومجتمع نصفه يكره الآخر ويتمنى إزالته؟!
الحل بيد السوريين أنفسهم، وهو تغليب مصلحة الوطن وتعميق أواصر الأخوة والمحبة بين أبناء البلد الواحد. مثل هذه الدعوة تبدو للكثيرين ساذجة ومستحيلة، وتتعامى عن وقائع السياسة واشتباكاتها وتعقيدات الصراع القائم وأبعاده وتفاعلاته، وموازين القوى على الأرض وصراع الإرادات. لكنّ شيئا من التروي وإمعان النظر والإحساس بالصدمة والألم والفاجعة، سيكشف لنا أنّ هذه الدعوة المستهجنة هي التي ينبغي أن تسود إذا أردنا أن نبدأ في وقف هذا العنف الأعمى الذي تغرق فيه سورية اليوم.
إنه نداء المشردين والجرحى والمكلومين والخائفين من أهل الضمائر الذين لا يتخيلون كيف سيكون شكل الأجيال المقبلة في سورية ممن قضوا طفولتهم البريئة في مخيمات اللجوء، وفي ظل هدير المدافع والطائرات وصوت القنابل والرصاص ورائحة الدماء، وفي خضم أجواء الصراع والكراهية وإهدار المحرمات.
الأمل والدعاء أن تكون سورية في سنتها الرابعة أكثر سلاما وأمانا.