الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لغز الحل السياسي في سوريا

لغز الحل السياسي في سوريا

06.04.2015
راتب شعبو



المستقبل
الاحد 5-4-2015
في سوريا اليوم صراع متعدد الأطراف. حافظ النظام على وحدته العسكرية والسياسية حتى الآن، غير أن المعارضة تعددت. (نستخدم مفهوم "معارضة" هنا بمعنى بسيط وهو مواجهة النظام، وذلك لكي يشمل التنظيمات الجهادية، مع إدراكنا أن هذه التنظيمات تخرج عن تعريف المعارضة فلا هي منبثقة من تناقضات وصراعات اجتماعية سورية، ولا هي تمتلك مشروعاً تحررياً في فكرها وتصوراتها المستقبلية). في المعارضة السورية اليوم تياران رئيسيان، الأول جهادي والثاني غير جهادي. يضم هذا الأخير يساريين وعلمانيين ولكن يغلب عليه الإسلاميون غير الجهاديين. يوجد بالطبع تقسيمات فرعية في كل تيار، لكن اللافت أن هذا الانقسام يتماشى مع انقسام أو افتراق عسكري/سياسي، بمعنى أن التيار الجهادي يحوز على القدرات العسكرية ويحصل على دعم غير محدود من مصادر مستورة، فيما لا يحوز التيار غير الجهادي سوى على وزن معنوي بفعل حجم تضحيات الشعب السوري، وبفعل اعتراف دول العالم به. ولأسباب تتعلق بسياسات الدول التي تستثمر في الصراع السوري، يُمنع فعلياً هذا التيار من امتلاك قوة عسكرية مؤثرة على الأرض. أي يمكن القول إن المعارضة العسكرية هي جهادية، فيما المعارضة غير الجهادية هي معارضة سياسية. وعليه، نحن أمام لوحة غير بسيطة، حيث الطرف المعارض الذي يتكلم عن حل سياسي لا يملك قوة عسكرية مؤثرة تدعم مطالبه السياسية، والطرف الذي يملك القوة العسكرية لا يتكلم عن حل سياسي، وغير قادر على الحسم العسكري.
في هذه اللوحة، يقول طرفان (هما النظام والمعارضة غير الجهادية) إنه لا مجال لحل عسكري ولا بد من حل سياسي. ولكن هل يريد النظام حلاً سياسياً؟ النظام غير مستعد للحوار مع "الإرهابيين" (الإرهابي بتعريف النظام المعلن، هو كل من يحمل السلاح في وجه قوات النظام، والإرهابي بذهنية النظام الفعلية هو كل من يعارض النظام) وسيستمر في ضرب الإرهاب حتى القضاء على آخر إرهابي. هذا ما يكرر قوله النظام. وفي الوقت نفسه، يكرر ان المعارضة السورية التي حاورها في جنيف، ليست معارضة سورية أصلاً ولا وزن لها. "الحل هو حل سياسي.. لكن إذا أردت أن تجلس مع شخص ما أو حزب ما لا يؤثر في الوضع على الأرض.. فسيصبح الأمر محادثات من أجل المحادثات"، هذا ما قاله رئيس النظام السوري منذ فترة وجيزة.
إذاً المعادلة المستحيلة التي يصوغها النظام ويريد من السوريين حلها، هي التالية: كل معارضة مسلحة هي إرهاب، ولا حوار مع الإرهاب. وكل معارضة غير مسلحة أو مسلحة بشكل "لا يؤثر في الوضع على الأرض"، ليست معارضة مؤهلة للحوار والمحادثات معها عبثية. هذا هو ملخص الحل السياسي بمفهوم النظام. الحل الوحيد لهذه المعادلة هو استمرار القتال حتى تقضي الدول المنخرطة في هذا الصراع أمراً كان مفعولا.
من جهتها، المعارضة غير الجهادية (إئتلاف، هيئة تنسيق، ..الخ) تقول أيضاً بالحل سياسي، لأنها لا تملك خياراً آخر. فهي لا تملك قوة عسكرية على الأرض، ولا فاعلية شعبية لها بعد أن تعسكرت الثورة وصارت بين فكي كماشة، طرفاها النظام والجهاديون. اليوم لا تملك المعارضة غير الجهادية من أمرها إلا القليل. وأميركا التي تتحدث عن تدريب وتسليح معارضة معتدلة، لا يبدو أن لها غاية سوى الإبقاء على هذه المعارضة فوق مستوى الموت بقليل، وجعلها ورقة ممكنة في وقت ما.
الصراع العسكري يدور إذاً بشكل أساسي بين النظام والقوى الجهادية، وعلى هذا المحور لا يوجد أي كلام عن حل سياسي، وقد بات صراعاً مفتوحاً يقع حله بالكامل خارج الميدان السوري، أي بيد الأطراف الخارجية التي تدعم طرفيه. والمعنى السياسي الوحيد له، مستمد أيضاً من خارجه، أي من سياسات الدول الداعمة لطرفيه، وهو على هذا ليس صراعاً سورياً إلا من حيث أنه يتخذ من سوريا مسرحاً له