الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "لقاء القتلة" بين بايدن وبوتين... رقصة تانغو أم مبارزة حامية! 

"لقاء القتلة" بين بايدن وبوتين... رقصة تانغو أم مبارزة حامية! 

17.06.2021
محمد حسين أبو الحسن


النهار العربي  
الاربعاء 16/6/2021 
فتح الرئيس الأميركي جو بايدن نيران عداوته مبكراً على نظيره الروسي فلاديمير بوتين. وصفه بـ"القاتل" وتوعد بمعاقبته؛ رد عليه بوتين أن "القاتل" هو من يصف الآخر بذلك... حرب كلامية بين الزعيمين أوشكت أن تتطور إلى تصعيد سياسي أو عسكري بين البلدين؛ لذلك يترقب العالم القمة الأميركية - الروسية في جنيف، لمناقشة القضايا الشائكة وتسوية النزاعات وتعزيز الاستقرار العالمي؛ إذ سيكون لقاء "القتلة" المحطة الأصعب للرئيس الأميركي في زيارته الخارجية الأولى، بعد مشاركته بقمة السبع في بريطانيا، والناتو في بروكسيل. أما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، فقال: مهتمون بتحقيق نتائج إيجابية، لكن "رقصة التانغو" تحتاج إلى اثنين. فهل يكون "لقاء القتلة" رقصة تانغو أم مبارزة حامية بين بايدن وبوتين؟ 
التوترات 
للعلاقات الروسية مع أوروبا والولايات المتحدة تاريخ حافل بالتوترات، وقد ازدادت سوءاً منذ عام 2014، عندما أقدمت روسيا على انتزاع شبه جزيرة القرم من أوكرانيا، وتفاقمت خلال الأشهر الأخيرة، بخاصة مع الولايات المتحدة، بعد اتهامات لموسكو بالتدخل في الانتخابات الأميركية 2016 و2020، حيث وصف بايدن بوتين بالقاتل، كما فرض عقوبات على روسيا، بعد سجن السلطات الروسية المعارض أليكسي نافالني. رد بوتين بالمثل ولم يتأخر. 
 أظهر بايدن عدائية حادة لبوتين، هذه العدائية ليست مزاجية عابرة، نحن هنا أمام منحى أميركي لإعادة تحديد العدو الجيوبوليتيكي الخارجي، ولفت الأنظار إليه، لا سيما تجاه روسيا؛ خصمها اللدود في عمق أوراسيا، فالسباب بين بايدن وبوتين يعبر عن أوضاع قلقة وتأزم يستبق نظاماً دولياً، يوشك أن يولد من تحت ضربات كورونا. عمق الهوة بين واشنطن وموسكو، يجعل من الصعب التأسيس على لقاء بايدن - بوتين لجسر الهوة وطي الخلافات. يدخل الرئيسان اللقاء لاستكشاف فرص التقارب، أو على الأقل إدارة الخلافات من دون الوصول إلى درجة الاشتعال أو الصدام. ذهب بايدن إلى قمتي السبع والناتو؛ لإعادة توحيد صفوف الحلفاء عبر الأطلسي تحت قيادة واشنطن، بعدما تخلخلت خلال حكم دونالد ترامب، أعلن أن "أميركا عادت للقيادة"، محاولاً إقناع الحلفاء عبر تطمينات، كالعودة إلى اتفاقات التجارة مع أوروبا والمناخ ومواجهة كورونا وتقديم لقاحات إلى الدول الفقيرة والانخراط في مفاوضات النووي الإيراني، والعمل على كبح النفوذ الصيني... اجتهد بايدن لرص صفوف الحلفاء، قبل لقائه بوتين، وتجلى ذلك في افتتاحية بايدن التي كتبها في "الواشنطن بوست"، وعوّل فيها على قوة وثبات التحالفات لمواجهة التهديدات الروسية والصينية. 
الخطوط الحمراء 
يرى عميد كلية الخدمة الدولية في الجامعة الأميركية بواشنطن والمتخصص بالعلاقات الخارجية الدكتور جيمس غولديغير، أن الجولة الحالية تمثل اختباراً لقدرة بايدن على إصلاح العلاقات مع حلفاء بلاده، بينما تعد مباحثاته مع بوتين فرصة لنقل مخاوف أميركا إلى بوتين؛ بشأن الهجمات الإلكترونية والموقف مع أوكرانيا واتفاقات الأسلحة. وقد تعهد بايدن قبيل اللقاء بإشهار "الخطوط الحمراء" بوجه نظيره الروسي. وفي وقت سابق قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، خلال لقائه نظيره الروسي، في ريكيافيك، إنه إذا أمكن لقادة روسيا والولايات المتحدة العمل معاً بشكل متعاون، فسيكون العالم أكثر أمناً. 
 أكد بوتين أن موسكو ستعمل مع واشنطن، بناءً على ما يصب في مصلحة روسيا؛ يدخل الرئيس الروسي ردهات القمة من دون أوهام، يرى في توسع الناتو، خطوة عدوانية لمحاصرة بلاده، لا يثق بوتين بالغرب، رأى روسيا تتعرض للإذلال من قبل الغرب، تحت حكم بوريس يلتسين؛ حينها اعتبر بوتين أن الغرب عمل على فرض رؤيته للنظام العالمي، وأن انهيار الاتحاد السوفياتي كان "أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين". لم يكن بوتين يريد إعادة إنشاء الاتحاد السوفياتي، ولكنه سعى لبناء قوة عظمى يمكنها التعامل مع الغرب بشروطها، والسيطرة على جوارها المباشر، لذلك لم يتسامح بوتين مع تجاوز الغرب ما سماه "الخطوط الحمراء" التي تشكل تهديداً لمصالح بلده، مثلما حدث في جورجيا وأوكرانيا، والتي فرض الغرب بسببها عقوبات قاسية على روسيا. 
يشكو الطرفان من تدخل الآخر في شؤونه الداخلية، اتهم بايدن نظيره الروسي وأجهزته بالتدخل في الانتخابات الأميركية والتجسس وشن حروب إلكترونية تسببت في خسائر فادحة لأميركا وحلفائها، بينما دأب بوتين على التنديد بالتدخلات الغربية في شؤون بلاده، ودعم المعارضة الروسية، مثل المعارض البارز أليكسي نافالني، كما اعتاد السياسيون الروس التذكير بما قامت به الإدارات الأميركية السابقة في الفضاء السوفياتي، بل في قلب الكرملين، عندما قام فريق الاستشارات الأميركية الذي كان يضم ضباطاً من المخابرات الأميركية بدعم الحملة الانتخابية للرئيس الروسي يلتسين، في عام 1996 والتي فاز بها من الجولة الثانية. المفارقة أن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأجنبية كان، ولا يزال، أساس سياسات الولايات المتحدة وروسيا، في علاقاتهما مع البلدان القريبة والبعيدة، والأمثلة أكبر من الحصر. 
 كبرياء الإمبراطورية 
يحاول الأميركان والروس تطويق خلافاتهما؛ حتى لا تخرج من القمقم، بالذات في: أوكرانيا، وتمدد "الناتو"، وسوريا، والنووي الإيراني، وكوريا الشمالية، ومسألة حقوق الإنسان والحريات في روسيا، والاحتباس الحراري، والسيطرة في القطب الشمالي، إضافة إلى العلاقات الثنائية في شقها السياسي والاقتصادي والعسكري، بخاصة سباق التسلح التقليدي وغير التقليدي. أبدت الخارجية الروسية حرصها على منع تدهور العلاقات إلى حد يصعب التعافي منه، واعتبر المتحدث باسم الكرملين تخلي واشنطن عن فرض عقوبات على الشركة التي تبني خط أنابيب الغاز "نورد ستريم-2" بين ألمانيا وروسيا، مؤشراً إيجابياً. ومع ذلك يصعب تصور تحقيق "لقاء القتلة"- بناء على وصف بايدن وبوتين كل منهما للآخر- أي اختراق كبير. 
طوال العقدين الماضيين، حدَّد الرئيس الروسي مصالح بلاده بطرق لا تتوافق مع مصالح الولايات المتحدة والأوروبيين، وأي تحسين مستدام للعلاقات بين الغرب وروسيا مرهون بأمرين: إما أن تعترف واشنطن بنفوذ روسيا في "عمقها الاستراتيجي" الذي كان يحظى به الاتحاد السوفياتي، أو أن يقرر بوتين أن مصالح بلاده لا تواجه أي تهديدات من قبل الغرب. وكلا الأمرين ليس منظوراً في المستقبل القريب؛ وما يزيد عامل الخطورة، أن الطرفين يشعران بأنهما في مأزق، لأسباب مختلفة. قد لا يبدو هذا واضحاً أو ذا قيمة في مقاييس بعض المتابعين، لكنّه ضخم في مقاييس العقل الإمبراطوري؛ إذ تسعى واشنطن وموسكو حثيثاً لتأدية دور شرطي العالم وفرض الهيمنة، بحسب درجات القوة الشاملة لكل منهما، عبر التسكين والإخضاع، لكنهما تخفقان أحياناً في فرض الهيمنة على إقليم جديد، بل الأدهى هو خروج مناطق من هيمنة الإمبراطوريّة أو حتى اختراق فضائها وفتح جبهة جديدة في قلب أراضيها الآمنة، في تحدٍ لكبرياء الإمبراطورية التي تتوهم تفوقها أخلاقيّاً وقيميّاً على باقي المجتمعات؛ وذلك ما يدفع الأميركيين والروس للسير بالاتجاه المعاكس للعقلانية والنضج السياسي والانحطاط إلى درجة التلاسن. 
وبرغم أشباح الحرب الباردة والجبهات المفتوحة على تخومها بين الولايات المتحدة وروسيا، فإن كلا البلدين يعرف مدى حاجته للآخر، لا سيما تجاه قضايا الحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين؛ رفض ترامب الالتزام بتمديد معاهدة "ستارت الجديدة"، بيد أن بايدن استهل ولايته بالموافقة على تمديد تلك المعاهدة التي وقعها الرئيس الأسبق باراك أوباما مع نظيره الروسي ديميتري ميدفيديف عام 2010. وهذا ما يدفعنا إلى القول، إن "لقاء القتلة" - إن جاز الوصف - قد ينجح في تبريد الجبهات، لكن العداء المستحكم سوف يولد توترات أخرى لا نهاية لها، ومن ثمّ تواصل مؤسسات في الجانبين الحيلولة دون الانغماس بمواجهة كارثية لهما وللعالم. 
ذات مرة، قال نيتشه: لا توجد حقائق، هناك فقط تأويلات!.