الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لقاء موسكو وغياب الحكمة

لقاء موسكو وغياب الحكمة

04.02.2015
د. طيب تيزيني



الاتحاد
الثلاثاء 3-2-2015
انفض لقاء موسكو مع أطراف من المعارضة السورية قبل بعض الوقت، دونما نتائج تذيب بعض الجليد في جسد الأزمة السورية، التي تكاد أن تكون مغلقة على نحو غير مسبوق مقارنة مع أزمات تاريخية كبرى راهنة وسابقة. وقد تنعقد لقاءات أخرى لاحقاً حول الموضوع ذاته، دون أن تنتج مقاربة تساعد على تفكيك هذا الأخير، والتركيز على عمق الفعل السياسي، ونحن إذ نقترب أكثر من هذا الموضوع، فإننا نصبح ملزمين بالنظر إلى موضوعنا من حيث هو فعل يحتمل مواقف متعددة وخصوصاً في الحقل السياسي.
ففي ذلك الحقل لم يعد في المنطق السياسي العلمي ممكناً أن يقول المرء المحاور: إما كل شيء، ولا شيء! فإذا حدث ذلك، فإنه يكون قد أغلق الأبواب المفتوحة، وفتح أو أبقى مفتوحاً أزيز الرصاص والقنص العسكري والبراميل المتفجرة. وفي هذه الحالة يفقد اللقاء بين الطرفين أو الأطراف المعنية جدواه، كما يفقد الداعون إليه المصداقية اللازمة. ومن شأن هذا إنْ حدث أن ينتج حالتين مأساويتين خطيرتين، تحويل سوريا بعجرها وبجرها إلى هدف تفكيك وتدمير أولاً، وإلى نزرع الثقة المأمولة ممن يعتقد أن المجتمعات الإنسانية تعيش وتستمر عبر مجهود فريق واحد، ومن ثم عبر إقصاء الفريق أو الفرقاء الآخرين من الحلبة.
إن ذلك السلوك الأخير لا ينتج تصفية الفريق الأول المستهدف من قبل هذا الأخير فحسب، وإنما هو يحمل في أحشائه أيضاً تصفية أصحاب ذلك السلوك، وإذ يحدث ذلك، فعلى سوريا السلام!
نعم، كان خطأ مؤسفاً وفاحشاً أن يدعي فريق المعارضة أو المعارضات السورية إلى مؤتمر أو يريد فيها الفريق الداعي اشتراط ذلك بأن يكون المدعون في حضورهم للدعوة مسلوبين من المرجعية السياسية، وكذلك من الانتماء السياسي والثقافي المجتمعي، كائناً ما كان ذلك، فللحد من التفكير على هذا النحو، يتعين علينا أن نستعيد الشرط السياسي المستجد منذ تفكك الاتحاد السوفييتي في بنيته الحاسمة والفاقعة، وهي أن المجموعات البشرية "مجموعات" وليست مجموعة واحدة؛ مما يجعلنا نستنبط بسهولة الحقيقة التي اكتشفتها البشرية وعاشتها، وهي أن الشمولية المطابقة لـ "حقيقة واحدة مطلقة"، أمر ليس خطأ فحسب بالتعبير المنطقي البسيط والرزين غير المؤذي لأسماع الناس البسطاء والعلماء - وإنما هو قد يكون كارثياً!
ليس - والحال كذلك - أمراً مذلاً أن يبحث البشر عن طرائق من التوافق والتواؤم والتسامح تكون بمثابة ناظم لحياتهم: إن الشمولية ومستتبعاتها من نظام مجتمعي يحتاج كي يتمكن الاستمرار في الحكم أن يصبح نظاماً أمنياً، أو "دولة أمنية تجد مهمتها كامنة في أن تفسد الناس ممن لم يفسدوا بعد تحت الطلب! إن "داعش" قد يكون الآن آخر المراحل في إسقاط التعددية والمدنية والكرامة الإنسانية، بعيداً عن التغول في التشدد والاستفراد بالسلطة والإعلام إلخ.