الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لقاح كورونا في سوريا بنكهة سياسية! 

لقاح كورونا في سوريا بنكهة سياسية! 

27.02.2021
عبدالله سليمان علي


النهار العربي 
الخميس 25/2/2021 
ينتظر السوريون كغيرهم من شعوب العالم وصول لقاح كورونا إلى بلدهم للتخلّص من فيروس كورونا المستجد. غير أن لسوريا خصوصية معينة قد تجعل من وصول اللقاح مناسبة لتفشي أمراض سياسية مختلفة من بينها التقسيم والاستغلال السياسي وفرض النفوذ الخارجي. 
 وقسّمت الحرب السورية المستمرة منذ عشرة أعوام جغرافياً البلد إلى أربع مناطق نفوذ، تخضع كل منطقة لسيطرة طرف معين ولها ارتباطات خارجية مختلفة عن سواها، فهناك المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية وعاصمتها دمشق، وتحظى كل من إيران وروسيا بنفوذ قوي في هذه المناطق؛ ومناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام وتسيطر عليها الحكومة الموقتة التابعة للائتلاف السوري المعارض وهي عملياً مجرد غطاء للاحتلال التركي الذي يتعامل مع هذه المناطق كأنها أراضٍ تركية خالصة؛ وتسيطر "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) على منطقة شرق الفرات التي تتواجد فيها القوات الأميركية، أما المنطقة الرابعة فهي منطقة خفض التصعيد في إدلب وتخضع إدارياً لسيطرة حكومة الإنقاذ التي هي مجرد واجهة للسيطرة العسكرية التي تتولاها فعلياً "هيئة تحرير الشام" المصنفة على قوائم الإرهاب، وشهدت هذه المنطقة تزايداً واضحاً للنفوذ التركي لكنه لم يصل بعد إلى درجة "التبعية" التي وصلت إليها مناطق درع الفرات. 
من الصعب في ظلّ هذا الانقسام الجغرافي الاتفاق على خطة موحدة للحصول على لقاح كورونا، لا سيما أن كل منطقة من مناطق النفوذ السابقة باتت تنسب الى نفسها نوعاً من السيادة الخاصة التي تتعارض مع الاعتراف بسيادة باقي المناطق حتى لو كان الأمر متعلقاً بضرورات التنسيق في موضوع إنساني بحت. 
 وقد برز هذا التعارض في شكل واضح من خلال تصريح أدلى به وزير الصحة السوري حسن الغباش أمام مجلس الشعب في شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي قال فيه إن "الحكومة السورية لن ترضى بأن يأتي هذا اللقاح على حساب أمور أخرى متعلقة بالمواطن السوري والسيادة السورية"، وسرعان ما جاء الرد من الحكومة الموقتة الموالية لتركيا من خلال إعلان رفضها تسلّم لقاحات كورونا عبر نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد. ويعكس تبارز الطرفين على طريقة الحصول على لقاح كورونا تحت لافتة السيادة، استمرار التنافر بين دمشق وأنقرة باعتبار أن سياسة التتريك التي تتبعها الأخيرة في مناطق سيطرة الحكومة الموقتة بدأت أخيراً تأخذ منحى التبعية المطلقة. 
لم ينسحب ذلك بإطلاقه على المنطقتين الأخريين، أي منطقة شرق الفرات التي تسيطر عليها "قسد" ومنطقة خفض التصعيد في إدلب التي تسيطر عليها حكومة الإنقاذ التابعة لـ"هيئة تحرير الشام"، فالإشكاليات القانونية والدولية التي تعاني منها هاتان المنطقتان فرضتا على القوتين المهيمنتين عليهما أن تتوسلا أساليب أكثر مرونة للحصول على لقاح كورونا.  
ووجدت قوات "قسد" نفسها أمام تحدٍّ قانوني لا يمكن تجاوزه بسهولة، تمثل في قرار مجلس الأمن الدولي بتاريخ 10 كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، الذي حصر وصول المساعدات الانسانية إلى سوريا بمعبرين فقط، معبر باب السلامة ومعبر باب الهوى، وذلك بعد أن كانت المساعدات تصل من خلال أربعة معابر من ضمنها معبر اليعربية الذي كان مخصصاً لتوريد المساعدات إلى مناطق سيطرة "قسد" شرق سوريا.  
هذا الواقع المفروض بموجب قرار أممي، وضع "قسد" أمام خيارات صعبة قد يكون أفضلها الحصول على لقاح كورونا من خلال منظمة الصحة العالمية مع تقبل عبوره من خلال مطار دمشق الدولي. وفي ظل تصاعد التجاذبات بين "قسد" ودمشق على أكثر من صعيد، ومع اقتراب استحقاق انتخابات الرئاسة السورية، يبدو أن لقاح كورونا سيكون من أوراق التفاوض بين الطرفين للحصول على مكاسب سياسية. 
في المقابل، وجدت "هيئة تحرير الشام" أن تصنيفها على قائمة الإرهاب العالمية حرمها من قطف الثمار السياسية لواجهة حكومة الانقاذ التي شكلتها بغرض التعامل مع المجتمع الدولي والدول المجاورة. وقد اضطرها ذلك إلى التغاضي عن موضوع السيادة الخاص بها في ما يتعلق بموضوع الحصول على لقاح كورونا.  
وتتوزع مناطق شمال غربي سوريا التي يشار إليها غالباً بمصطلح "المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية" بين ثلاث جهات حكومية تتولى الإشراف على الملف الطبي. فهناك وزارة الصحة في الحكومة الموقتة ويتركز نشاطها في مناطق الاحتلال التركي في ريف حلب الشمالي، ووزارة الصحة في حكومة الاإنقاذ، بالإضافة إلى مديرية الصحة في إدلب.  
ويلعب عاملان أساسيان الدور الأهم في تفعيل أدوار هذه الجهات ومدى تأثيرها في الواقع الطبي في المناطق التي تشرف عليها، وهذان العاملان هما: التنازع على الشرعية بين الحكومة الموقتة وحكومة الإنقاذ ومحاولة كل منهما سحب البساط من تحت أقدام الأخرى؛ ويتمثل العامل الثاني في موضوع الدعم المقدم إلى هذه الجهات من قبل منظمات وهيئات طبية إقليمية ودولية. 
ولطالما عانت كل من الحكومة الموقتة وحكومة الإنقاذ من صعوبة الحصول على الدعم لأنهما جسمان حكوميان غير معترف بشرعيتهما دولياً، وبالتالي لا يمكن تقديم الدعم لهما. أما مديرية الصحة في إدلب، وهي مستقلة عن وزارة الصحة في حكومة الإنقاذ، فقد توقف الدعم الدولي عنها منذ عام 2019 باستثناء بعض القنوات التي تتيح لها تمويل أنشطة محددة. 
ومن غير الواضح حتى الآن ما هي مآلات الصراع بين الجهات الطبية في مناطق الاحتلال التركي وإدلب وانعكاسها على طريقة الحصول على لقاح كورونا. فقد أعلنت منظمة الصحة العالمية عن وصول الدفعة الأولى من لقاح كورونا إلى مناطق شمال غربي سوريا الشهر المقبل، ونقلت وكالة "فرانس برس" يوم امس الثلثاء عن المنظمة أن 35 في المئة إلى 40 في المئة من اللقاحات المخصصة لسوريا ستتوافر خلال النصف الأول من العام، ومن المفترض أن تتلقى محافظة إدلب ومحيطها 336 ألف جرعة بما يغطي قرابة 4 في المئة من إجمالي السكان بحسب المنظمة. ولم يوضح إعلان المنظمة الدولية ما هي آليات وصول لقاح كورونا وما هي الطرق والجهات التي سيجري التعامل معها أو من خلالها، الأمر الذي ترك موضوع النزاع على الشرعية بين الحكومة الموقتة الموالية لتركيا وحكومة الإنقاذ التابعة لـ"هيئة تحرير الشام" مفتوحاً على مصراعيه. 
 وخصصت منصة كوفاكس التابعة لمنظمة الصحة العالمية مليوناً و20 ألف جرعة من لقاح "أكسفورد - أسترازينيكا" البريطاني لسوريا. وتوقعت ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا، أكجمال ماغتيموفا، أن تحصل سوريا على لقاح "أسترازينيكا" لعدم وجود التسهيلات اللازمة للحفاظ على لقاح "فايزر" في تجميد عميق. 
بيد أن حكومة دمشق لم تكتف باللقاح البريطاني القادم عبر منظمة الصحة العالمية، وسعت جاهدة الى استثمار علاقاتها بحلفائها من أجل الحصول على لقاحات أخرى. وكانت الصين سباقة إلى تقديم يد العون في هذا المجال اذ أعلن سفيرها في العاصمة السورية فنغ بياو مطلع الشهر الجاري عن تقديم بلاده 150 ألف جرعة من اللقاح الصيني المضاد لفيروس كورونا. ومنذ أيام قليلة أعلنت دمشق عن اعتمادها لقاح "سبوتنيك V" الروسي المضاد لفيروس كورونا المستجد، ووافقت على استخدامه في مناطق سيطرتها بحسب ما نقلت وكالة "تاس" الروسية يوم الاثنين. وبذلك تكون دمشق بانتظار ثلاثة أنواع مختلفة من لقاحات كورونا ستصل إلى مناطق سيطرتها تباعاً، بينما ستقتصر مناطق شمال غربي سوريا على استخدام ما يصل إليها عبر منصة "كافاكس" من جرعات اللقاح البريطاني. أما مناطق سيطرة "قسد" فإن المشهد الطبي فيها ما زال غير واضح وبانتظار نضوج بعض التفاهمات حوله.