الرئيسة \  واحة اللقاء  \  للجرح السوري...وردة

للجرح السوري...وردة

14.10.2013
غازي دحمان


المستقبل
الاحد 13/10/2013
مخجلة هي ردود الفعل التي يعيشها العالم فرحاً بتسوية تبدو أقرب إلى مؤامرة، ووقحة إلى حد الصلف، فبين تهليل الرئيس الأميركي باراك أوباما أن إدارته انتصرت انتصاراً باهراً، وأفراح بشار الأسد، وحلفائه الممانعين، بأنهم غيروا موازين قوى العالم، وصعّدوا روسيا قوة دولية كبرى، استمر دم السوريين يشلّ غزيراً. وقد أوحى هذا المشهد بأن كل الملوثة أيديهم بدم الشعب السوري، وأولئك الذين أتاحوا للمشهد أن يكتمل، قد انتصروا، ووحدها العدالة الإنسانية خسرت.
لم يكن أحد يعلم أن موت السوريين سيوزع تلك المساحة الهائلة من الانتصارات. وحده العالم المعاصر، بتراجع أخلاقه وتهافت منظومته القيمية، يستطيع أن يصنع من بساط دم السوريين سجادة يطأ عليها القادة المنتصرون، ويستطيع أن يرى في استمرار مشهد الموت ممكنات تغيير نحو الخلاص، كلهم انتصروا على الجرح السوري وهزموا الإنسانية على عتبات غوطة دمشق وراحوا يطالبون بنوبل للسلام تثبيتاً لانتصار البربرية على الإنسانية!
وحدهما، الضمير والعدالة، في هذه الملهاة، وقفا فاغران فمهما دهشة، فكيف يجري لي عنق القوانين لكي تشارك في سياق الظلم الهزلي؟ ومن أجل ماذا تضع العدالة عصبة على عينيها إفساحاً لمرور موكب الغدر؟ وهل ما زال لدى الضمير الإنساني مساحات واسعة من الخراب تستوعب نفايات الإرتكابات بحق البشر السوريين؟
ولعلّ المفارقة الأكثر سطوعاً في هذا المشهد المليء بالمفارقات أن يبدو الرئيس السوري بارعاً في صناعة أدوار للدول على حساب موت جمهوريته، إذ ينقل عنه حلفاؤه اللبنانيون أنه يشعر بالفخر والنشوة لأن روسيا حققت تقدماً ملحوظاً في تراتبية القوة الدولية، وأن إيران، التي سلمها مفاتيح مصير الدولة السورية، تستطيع أن تفاوض العالم اليوم من موقع قوة، فيما حزب الله الموغل بالدم السوري والمرتكب جرائم حرب حسب منظمات حقوقية دولية، بحق المستضعفين السوريين، بات حسب رؤية الرئيس المؤتمن على الدم السوري قلعة مقاومة!
كل المؤشرات تدل على أن المحتفلين على ضفة نهر الدم السوري تعجَلوا بإعلان أفراحهم، ضللتهم لعبة المكاسب الإستراتيجية التي أوهموا أنفسهم ببلوغها. اعتقدوا أن اللعبة انتهت عند هذا الحد، وظهر أخيراً أن الخطوط الحمر لم تكن سوى خطوط وهمية افتراضية تضع الحدود بين المكاسب والخسائر، وأغرتهم حكاية أن يفوزوا مادياً ومعنوياً من دون أن يدفعوا الأثمان. الغالب أنهم كانوا ضحية تقديرات خاطئة عن الحقل الذي طابت كرومه، فالحقل السوري لم يزل عجراً، رغم استخدام كل أنواع المبيدات، لم تنضجه النار بعد لصالح الأسد وحلفائه.
العقل الإستراتيجي العالمي مصاب بالعمى، وقلة الطموح ونفاذ الصبر. هو كذلك حين يبني معطياته على زبد الحالة السورية دون معرفة أسرارها، فليس ضعف الائتلاف المعارض ولا إستطالات بعض الكتائب المقاتلة قادرة على تلخيص الموقف الثوري السوري. كما أن رجلهم، الذي عهدوا له إنجاح ليلتهم الكبيرة، لم يعد حتى مختاراً لحي المهاجرين، طالما لا يملك مكتباً يدير فيه الحي، والثورة تطبق على صدره من درعا والقلمون والغوطتين، سيكتشفون أن أبصارهم ضللتهم، فما رأوه في السبق، وراهنوا عليه، كان حماراً أعرج مزركش، بخرج من سجادة فارسية متهرئة، ورسن مقطع من وبر دب.
سيكتشفون ذلك قريباً، سيكتشفون أن الثورة وحاملها الاجتماعي مازالت لديهما القدرة على إستيلاد مشاهد جديدة مدهشة، وأنهم سيضطرون مرغمين إلى الاعتراف بخطأ تقديراتهم وبؤس أفراحهم. وإلى حينه، سيكتشف السوريون، أن جروحهم باتت تستحق أن تضمد بأوراق الورد، وتقدم هدايا معطرة في المناسبات المهمة، طالما هي تنطوي على سر السعادة. فطوبى لكم يا أطفال سوريا المخنوقين.. كم أسعدتم العالم. وطوبى لكم يا شهداءها، فالعالم الكئيب المأزوم اقتصاديا وقيمياً، والمهزوم أخلاقياً، استعاد أخيراً مناخات الفرح.