الرئيسة \  مشاركات  \  للجولة الثانية وربما المائة من جنيف 2: طرق أخرى للتفاوض!

للجولة الثانية وربما المائة من جنيف 2: طرق أخرى للتفاوض!

01.03.2014
وليد جداع


الحضور القوي للمعارضة في مؤتمر جنيف 2 في جولتيه الأولى والثانية ، وجلب الأسد رغما عن أنفه للمفاوضات، مقابل وفد مساو له تماما أمام العالم، لا يعني تحقيق انتصارات قوية للمعارضة، بقدر ما يعني إذلالا حقيقيا للنظام وسوقا له إلى حتفه أمام كاميرات العالم وأضوائه. يعني هذا أن على المعارضة السورية لتحقيق أهداف الشعب السوري، حتى عن طريق التفاوض السياسي، القيام بمهام شاقة ، تحتاج جهودا مضنية ، وتحتاج خبرات ، وتحتاج حشدا شعبيا قويا، وتحتاج إلى سطوع في هدف واضح قامت الثورة السورية أساسا من أجله وهو تحقيق حرية الشعب السوري واسترداد كرامته والوصول بسورية إلى وضعها الطبيعي كدولة حرة مستقرة ينعم شعبها كما كل شعوب العالم الحر، بالكرامة والسيادة.
فلا بد هنا من ملاحظة عدم قيام هيئات التحالف ومؤسساته بأي حشد جماهيري فاعل يري السوريين أنفسهم داخل سورية أولا ، أنهم على قلب رجل واحد في السعي لتحقيق حريتهم. وأنهم –ثانيا- في شتاتهم المريع في الجوار العربي والتركي وفي باقي أرجاء الأرض موحدون في نضال متواصل من أجل هدف سام مشترك.. ويري النظام أيضا أنه لا يتمتع بأي حضور شعبي ذي مغزى في سورية كلها، ليس في المناطق المحررة في سورية فحسب، بل بين ملايين السوريين في أرجاء الأرض كافة.
إن متطلبات العمل الخاص بملفات التفاوض ومستلزماته السياسية والتقنية يجب أن لا تغفل الحاجة إلى التفاف شعبي كبير حول الائتلاف ، تري الأسد وداعميه أن الشعب السوري وراء هذا الائتلاف في تفاوضه ما التزم بتحقيق أهداف هذا الشعب وتطلعاته. إن على منظمات المعارضة السورية على اختلاف مشاربها أن تظهر أنها –بكل الطرق الممكنة- مع الائتلاف في مفاوضاته. وبشكل خاص فإن جموع الشعب السوري التي خرجت في بداية الثورة ، مطالبة اليوم في المناطق المحررة وفي المهاجر-إن سمح لها- بالتظاهر العام دعما للائتلاف في مواجهة وفد القتلة من دمشق!

ولا شك أن العلاقة غير الوثيقة بين الائتلاف والقوى المقاتلة على الأرض واحدة من أخطر القضايا التي تضعف من موقف الائتلاف. لكن وفد الائتلاف المفاوض يستطيع أن يستند إلى هذه المشكلة بالذات ليضعها مشكلة أمام مراقبي التفاوض ورعاته أنفسهم، وهي أن الائتلاف مهما أبدى من مرونة سياسية في التفاوض، فهو لا يستطيع المضي بعيدا عن متطلبات الشعب السوري وفصائله المقاتلة على الأرض، التي هي عماد العمل المعارض اليوم ، بعد أن مضى النظام بعيدا في توحشه وإجرامه. ولكن هذا يقتضي العمل بجدية مع الفصائل المقاتلة لتوحيد الرؤية ، وتحقيق الدعم المتبادل! إن على الفصائل المقاتلة أن تدرك أنها جزء من المشروع السوري الوطني في التحرر من الأسد وليست المشروع كله.. ثم هي باعتبارها جزءا من المعارضة السورية الظاهرة أوالداعمة من بعيد، لا يمكنها أن نفرض رؤيتها على المعارضة كلها، فكيف بفرضها على الشعب السوري كله! هذا فضلا عن أن العمل العسكري المعارض ينبغي أن يصل إلى أهداف سياسية في النهاية ، ولا بد من تمثيل سياسي للمقاتلين يحقق أهدافهم التي يقاتلون من أجلها. إن المجتمع السوري والدولي قد ارتضى الائتلاف مفاوضا عن الشعب السوري والمعارضة السورية في هذه المرحلة ، وعلى الفصائل المقاتلة أن تدعم الائتلاف بكل قوة ليحقق هذا الائتلاف ما نرمي إليه جميعا من تحرر وكرامة.
أما المهمة الملحة الثانية ، فهي أن يعزز الوفد المفاوض موقفه بعمل إعلامي خاص بهذه المرحلة ، يقدم للشعب السوري صورة كاملة عما يجري في غرف المفاوضات، ويطلعه أولا بأول على النتائج والمتغيرات . إن هناك خطورة حقيقية بأن ينفرد النظام عبر وسائل إعلامه المتعددة وعبر وسائل إعلام داعميه بتقديم الأخبار والأكاذيب ، فيما الشعب السوري بعيد عن صورة ما يجري وحقيقته من وفده المفاوض عنه! لا شك أن إعلام التحالف ضعيف جدا من حيث العمل العام والوصول إلى قطاعات كبيرة من الشعب السوري والعالم، ونحن لا نرى ماكينة إعلامية هادرة تفعل فعلها في الرأي العام السوري والدولي. إن الارتكان إلى قوة القضية السورية وقدرة الوفد المفاوض ، لا يعني عدم الحاجة إلى ماكينة إعلامية قوية تفعل فعلها في التأثير على الرأي العام.
ثم إن الدعاية السياسية الاختصاصية تكاد تكون غائبة عن المشهد تماما. وكما هو معروف فإن الدعاية السياسية والحرب النفسية وأشباههما وسائل تقنية جبارة تؤثر في العدو والصديق والطرف الأكبر المنتظر أو المحايد أو الصامت.... إن السعي إلى شيطنة الأسد وتبيان دوره كسفاح وقاتل ومدمر للشعب السوري يحتاج إلى وحدات عمل خاصة نفتقدها ولا نحس بوجودها ، وهو أمر قديم قدم انتفاضة الشعب السوري للأسف الشديد، ناتج في الأساس عن عدم وجود مرجعية واحدة للعمل المعارض، فضلا عن عدم الاهتمام بهذا الأمر من كل فصيل على حدة كجهد متمم لعمله ، سواء كان هذا الفصيل مقاتلا أو سياسيا. والدعاية السياسية والحرب النفسية مختلفتان تماما عن العمل الإعلامي الذي تقوم به أجهزة المعارضة السورية على اختلاف تشكيلاتها ، ويحقق قدرا ما من الرضى أو النجاح .
هذه موضوعات أساسية نرى افتقاد المعارضة السورية عبر وفدها المفاوض في جنيف لها. ويمكن إضافة جوانب قصور أخرى أكثر أهمية أو أقل ، مثل افتقاد الشعب السوري لنصرة مباشرة من شخصيات عالمية سياسية أو ثقافية أو فنية لامعة جدا. ليس بسبب عدم وجود هؤلاء، بل لعدم التركيز عليهم في معظم الأحيان. ويشبه هذا عدم انتباه كبير لموضوع طلب المساعدة من شخصيات كانت فاعلة في الربيع العربي ، وكان لها شأنها العربي والعالمي. وعلى منظمات المعارضة السورية، عبر تمثيلها في الا ئتلاف، أن تتلافى بسرعة نواقص عملها ، وأن تدرك-من جديد- أن عدالة قضية الشعب السوري وأخلاقيتها ، لا يغني عن استكمال العمل التفاوضي بتعزيز مقوماته على الأرض السورية المقاومة للأسد، وعبر حشد قوى وكفاءات وتقنيات أكثر تأثيرا وأمضى في إضعاف الوفد الأسدي المفاوض وتبيان هشاشته ورداءة قضيته.
وكما رأى الناس كافة مهانة الوفد الأسدي المفاوض وخسران النظام لنصف أوراقه مرة واحدة بقدومه قسرا إلى جنيف. فإن علينا عملا مضنيا من أجل أن يسقط القسم الثاني من أوراق النظام واحدة إثر واحدة، والوصول في النهاية لأهداف الشعب السوري المشروعة.