الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لماذا أحرق النظام السوري السجلّ العقاري لحمص؟!

لماذا أحرق النظام السوري السجلّ العقاري لحمص؟!

04.08.2013
غازي دحمان

المستقبل
الاحد 4/8/2013
لا يقتصر ما يحصل في حمص على معناه الميداني ومدلولاته العسكرية، ولا يستقيم إختزاله بمجرد صراع عادي بين المعارضة وكتائب النظام وحلفائه. ولو كان الأمر كذلك، لما إستدعى، من طرف النظام والقوى التي تؤيده، كل تلك التعبئة المحمومة، ولا المخاطرة في التدخل العلني من قبل قوى خارجية، لطالما إدعت في أوقات سابقة وظروف مختلفة وقوفها على الحياد في الحدث السوري.
دع عنك كل ما يجري الحديث عنه من أهمية إستراتيجية لمنطقة حمص، وهو ليس سوى محاولة لتبرير كل أنواع الفتك والتدمير والتقطيع والتوصيل لجغرافية هذه المنطقة، ذلك أن أهمية أي حيز جغرافي تقررها حاجة وظروف طرف معين في لحظة تاريخية معينة، ووفق هذه القاعدة وعلى ضوئها شهد التاريخ العسكري سقوط وصعود مناطق كثيرة في الإعتبارات العسكرية طبقاً لأهميتها الظرفية، واللوجستية بالحصر، ألم تكن آسيا الداخلية في مرحلة قلب العالم" الهارتلاند"؟ ألم يكن البحر المتوسط درة الإستراتيجيات وحلمها؟ ألم يصبح المحيط الهادي وجنوب شرق أسيا هما قلب العالم الجديد؟
ما يحصل في حمص حدث لا يحتمل الكثير من التأويلات والمبررات، ومن أي نوع كانت، هي تكشف عن وجهها القبيح، من دون أدنى حاجة لإستدعاء المبررات، أو قل المحسنات من أي نوع، الصورة، ببساطة كما تعبر عن نفسها، عمليات تطهير ممنهجة يقوم بها النظام وحلفاؤه، يراد منها تغيير الواقع الديمغرافي، عبر العبث بالتركيبة السكانية للمنطقة من خلال زيادة الأقلية وإنقاص الاكثرية متوسلين بذلك وسائل عديدة لتحقيق هذه الغاية، مثل عمليات إرهاب السكان وتدمير الحياة الإقتصادية لهم، الإعتداء على أعراضهم، وصولاً إلى المجازر المنظمة والممنهجة بحقهم.
وتأتي عملية إحراق السجل العقاري كواحدة من تلك الوسائل، حيث يراد إفقاد المدينة لوثائقها وكل من شأنه أن يثبت عكس الحال، ما يعني أن النظام يبيت لنوايا خطيرة، تجاه المدينة وريفها، وفيما يخص علاقته بمستقبل سوريا، ومما يثبت، أيضاً، أن النظام أخذ في إجراء ترتيبات معبنة ونهائية، وبخاصة فيما يتعلق بعملية تموضعه الديمغرافية والجغرافية.
اللافت في هذا السياق، تركيز النظام على إعطاء طابع قانوني لكل الإجراءات التي يقوم بها، بحيث يعمد على تثبيت كل واقعة وحالة ضمن سجلات رسمية وقانونية، ولا يغفل عن أي إجراء بهذا الخصوص، رغم أن النشطاء كانوا يتندرون على هذه الظاهرة التي كان يصر النظام على القيام بها، حتى وهو في أصعب أوضاعه الميدانية والسياسية، فكما كان للنظام فريق إعلامي يستمر بضخ الدعاية الكاذبة، مع إدراكه أن مصداقيته لدى الناس تساوي الصفر، كان له فريق قانوني يعمل بجدية مذهلة على إتمام كافة الإجراءات اللازمة، ولواقع أن النظام أنجز إرشيفاً توثيقيا كاملا، يتضمن كل الأحداث التي حصلت، وأنجز مضابط ومدونات كاملة، صحيح أنها كلها مزورة وغير حقيقية، لكنها من الناحية الإجرائية صحيحة، ومتكاملة، وفيها كل عناصر الواقعة وأركانها، من صاحب العلاقة والشهود والتسجيل الرسمي.
منذ بداية الثورة وثّقت مؤسسات النظام المختصة كل شهيد، وتم إجبار ولي أمره على التوقيع والإقرار بأن المتسبب بمقتل إبنه هو العصابات التكفيرية الإرهابية، كذلك قام بتقديم تعويضات بسيطة للفقراءعن بيوتهم التي تهدمت جراء قصف قواته لها، وإشترط على كل من يحصل على هذا التعويض الإقرار بأن المجموعات الإرهابية هي من دمرت منزله، ونظراً لحاجة الناس وظروفهم الإقتصادية الصعبة، وربما لعدم وعي الكثير منهم، فقد أقر كل من إستلم تلك المبالغ بما أرادته الحكومة.
ما يحصل في حمص، ربما يحمل طابعاً أكثر فجاجة وعدوانية، لكنه يعبر عن الحقيقة التي حاول الكثير من السوريين إغماض العين عنها، ربماً خوفاً من الواقع الصادم، غير أن النظام يبدو أنه لا يأبه كثيراً بمثل هذه الإعتبارات، فكل ما يهمه هو تأسيس سياق يخدم إستراتيجياته المستقبلية، وحمص تقع في قلب هذا السياق، وبما أن النظام يسعى لأن تكون كل إجراءاته سليمة وقانونية، فقد عمد إلى إحراق كل الوثائق العقارية للمدينة، بمعنى أنه يريد تشكيل هوية جديدة للمدينة، عبر إستصدار وثائق ملكية جديدة يغير من خلالها الواقع الديمغرافي، ونهائياً، طالما لم يعد هناك ما يثبت عدم صدق روايته وحججه.
حمص وريفها، بلا سكان، واليوم صارت بلا عقارات، وبلا وثائق تثبت ان الناس ناسها والديار ديارهم، حمص سيستوطنها الغرباء عنها، صارت أرضاً بلا شعب، وسيقطنها شعب جاء من أرض أخرى، أما هي فقد تأبطت ديك جنها ونكتتها وحلاوتها الشهيرة وتاهت في الأرض.