الرئيسة \  مشاركات  \  لماذا تحاول واشنطن شيطنة الإسلام المعتدل؟

لماذا تحاول واشنطن شيطنة الإسلام المعتدل؟

26.10.2014
الطاهر إبراهيم




مع بداية العشر الأخير من القرن العشرين وبعد هدم جداربرلين وتفكك الاتحاد السوفياتي، شهد العالم قوة وحيدة تتحكم فيه هي أمريكا، التي فرضت نفسها شرطيا للعالم وقاضيا يحكم بتجريم أقوام وتبرئة آخرين. لعل أبرز المظاهر التي ظهرت فيها واشنطن أنها اتخذت قوائم للإرهاب تضع عليها من لا يوافقها من الدول والجماعات والأشخاص.
كان من أذرعها التي تطال الذين وضعت أسماؤهم على اللائحة السوداء: الإنتربول والمحكمة الجنائية الدولية ومعظم البنوك التي لها صفة دولية. وأحيانا ترسل جيشها لجلب المطلوبين لها إلى الساحة التي تجعلها مكانا لتطبيق عدالتها عليه، أو تجمد ملاحقة مطلوبين للوقت الذي قد  تراه مناسبا لفرض شروطها عليهم. يكفي أن نرى مافعلته في العراق عندما غزته عام 2003 وحطمت دولته وسلمته أنقاضا إلى حكومة المالكي ففرض الطائفية التي دمرت ما كان يعرف بدولة اسمها العراق، وكل ذلك فعلته واشنطن بعيدا عن مجلس الأمن.
كان مما فعلته واشنطن بعيدا عن العدالة الدولية، أنها كانت ترسل طائرات بدون طيار تقصف في جبال أفغانستان، بعد أن عجزت جيوشها عن تنفيذ ما تريده. كما أنها كانت ترسل طائراتها لتقصف طالبان باكستان في شمال باكستان وتقصف قبائل في جنوب اليمن بحجة أنها أماكن  وجود القاعدة، وقد قتلت أضعاف ما تقتل من عناصر القاعدة. كان آخر هجوم في 24 تشرين أول الجاري في "رداع" اليمنية لمؤازرة الحوثيين ضد رجال القبائل. وقد جيشت الآن تحالفا من أكثر من40 دولة لنصرة حفنة من الأكراد في عين العرب، ومنعت وصول سلاح مضاد للطائرات التي تقصف السوريين بالبراميل.
لعل الأشد فظاعة من ذلك كله اعتقال واشنطن لأكثر من 500 من العرب والمسلمين وإيداعهم سجن غوانتنامو الرهيب من دون محاكمة. وقبل وصول باراك أوباما إلى السلطة، كان أكد في دعايته  الانتخابية تقديم هؤلاء إلى المحاكمة ومن ثم إغلاق غوانتنامو، لكنه رجع عن ذلك. لا يهمنا سبب رجوعه، إنما المهم أنه لا يمكن الاطمئنان إلى ما تفكر به واشنطن.
هذه السياسة التي أصبحت خلقا لأمريكا ولّد عند الشعوب الإسلامية والعربية "كماً" هائلا من عدم الثقة مما يمكن أن تفعله بهم أمريكا. ومما جعل المسلمين يتوجسون من مستقبلهم الغامض مع واشنطن أنها احتكرت الحقيقة. والحقيقة المخوفة هنا هي تفسير واشنطن للأمور، وليس ما يحصل على أرض الواقع.
كان الإخوان المسلمون في سورية أعلنوا قبل أكثر من سنتين في وثيقة سموها"عهد وميثاق": التزامَهم بالديمقراطية والتعددية السياسية وما تفرزه صناديق الاقتراع ومبدأ تداول السلطة في سورية المستقبل. وقدهلل السياسيون السوريون لهذا الإعلان، ثم تبين لهم أن واشنطن لن تقبل بالإخوان المسلمين ولو خلعوا جلودهم، فانكفأ باقي السياسيين السوريين نحو واشنطن.
واشنطن تريد شيطنة الإخوان المسلمين ليس في سورية فحسب، بل هذا ديدنها في الشرق منذ أن ورثت بريطانيا في البلاد العربية وفي الشرق الإسلامي. وكان مما عملته واشنطن أن يقود العلمانيون الثورة السورية وسمتهم المعتدلين.وقد علم السوريون أنه من هم من غير الملتزمين بالإسلام كان الواحد منهم ماأن ينضم إلى فصيل جهادي يقاتل النظام حتى يصبح جهاديا خالصا، فليس هنالك في الثورة السورية معتدل ومتطرف. وأن المعتدلين هم إما ضباط انشقوا عن الجيش النظامي وقد أنفوا أن ينخرطوا تحت قيادة قادة الفصائل المدنيين،وقد تجمع أكثرهم في تركيا. أو أنهم أصحاب طموح أرادوا أن يكون لهم شأن فرضوا بما عرضته واشنطن.
حتى الآن لم تستطع طائرات التحالف أن تنجح في تحجيم تنظيم الدولة داعش. بل نرى أن هذا التنظيم يزداد اتساعا أفقيا وشاقوليا كلما ازدادت هجمات طيران التحالف. بل إن البعض يعتقد أن هذا التنظيم يمتلك أسلحة أمريكية مضادة غنمها من جيش المالكي، لم يستعملها حتى الآن، يخبئها ليفجر بها مفاجأة تعصف بهيبة واشنطن أمام شعبها وحلفائها.
نعود إلى ما بدأنا به مقالنا فنتساءل: لماذا تريد واشنطن شيطنة الإسلام المعتدل؟وكان الأحرى بها أن تستعين به لتحتوي القاعدة وداعش وأخواتهما وما يمكن أن يظهر بعد. الجواب واضح لدينا، فهي تخشى الإسلام المعتدل أكثر مما تخشى من القاعدة وداعش. فقد رأت كيف أحسن الإسلاميون المعتدلون النتيجة في الانتخابات التي جرت في كل من مصر وتونس و في ليبيا بالانتخابات الأولى، لذا فهي تستبق الوضع في سورية فلا تمكن للثوار.
يبقى التساؤل الوجيه الذي يخطر ببال البعض: وهو أن واشنطن لم تحسب حساب توسع الأمر فينقلب السحر على الساحر. فيتوسع داعش الذي كان قبل سنة لا يعد عسكره عدة مئات في العراق ومثلها في سورية، فأصبح الآن يعد بعشرات الألوف. بل قد يمتد ذراعه إلى اليمن الذي يموج بالقبائل السنية الذين قتلوا حتى الآن عدة مئات من الحوثيين الذين تدعمهم واشنطن وإيران، والحبل على الجرار. وما خفى كان أعظم!!