الرئيسة \  تقارير  \  لماذا تحتدم العلاقة بين إيران وأذربيجان؟

لماذا تحتدم العلاقة بين إيران وأذربيجان؟

19.02.2022
بونوا فيلو


بونوا فيلو* – (أوريان 21) 2/1/2022
الغد الاردنية
الخميس 17/2/2022
من قصائد قائم مقام الفراهاني -وهو أديب وسياسي إيراني كان شاهدا على الحرب الروسية الإيرانية بين 1826 و1828- وصولا إلى الانتقادات الموجهة للاتفاقية الصينية الإيرانية لآذار (مارس) 2021، التي تؤكد تنازل إيران عن جزء من سيادتها لفائدة الصين، فإن الإشارة إلى معاهدة تركمنشاي لسنة 1828 التي قضت بخسارة إيران القاجاريين للقوقاز لفائدة الإمبراطورية الروسية تمثل في المخيال الإيراني نموذجا للعقد المشين، ورمزا لتراجع إيران إلى مكانة القوى الثانوية، ولتعرض الفخر القومي للإذلال. ومنذ أشهر، تسهم إعادة تشكيل جنوب القوقاز -التي عادت مع الحرب الثانية لناغورني قره باغ- في إحياء هذا الشعور المرير، لأنها قد تعود بالخسارة على إيران.
شهدت الأشهر الأخيرة توترات جديدة بين إيران وجمهورية أذربيجان، مع أن بالوسع وصف العلاقة بين البلدين بالصعبة، على أقل تقدير، منذ نهاية الاتحاد السوفياتي. ولم تستحسن إيران -التي تحتضن أقلية تركية أذرية مهمة- استقلال الجمهورية السوفياتية السابقة. ومن جهتها، تشكل الجمهورية الإسلامية بالنسبة لباكو خطرا إيديولوجيا لأنها تشجع وتساند -بطريقة سرية نوعا ما- حركات إسلامية شيعية معادية لحكومة علييف، والتي تتمتع بشعبية نسبية لدى جزء كبير من السكان المحرومين.
يأتي هذا الوضع الجديد بينما كانت العلاقة تميل إلى التحسن بين الجارتين، خاصة مع احتمال انتصار أذربيجاني في ناغورني قره باغ، بينما أرادت إيران أن تلعب دور الحكَم المحايد والصديق بين أذربيجان وأرمينيا، حليفها التاريخي. لكن فاعلين رسميين -خاصة رئيسيّ البلدين- صرحا في الأشهر الأخيرة بإعلانات حربية، وبدا الصراع على وشك الاشتعال على شبكات التواصل الاجتماعي أو في وسائل الإعلام، خاصة من الجانب الأذربيجاني، حيث حرص الإعلام على تقديم جميع السيناريوهات الممكنة في حال اندلاع حرب. ولنعد قليلا إلى ما جرى مؤخرا حتى نفهم ما الذي تعنيه هذه التوترات.
شاحنات إيرانية على طرقات القوقاز
في آب (أغسطس) 2021، قام وزير الخارجية الأذربيجاني باستدعاء السفير الإيراني في باكو على خلفية دخول شاحنات إيرانية بطريقة غير شرعية إلى أراضي قره باغ الواقعة تحت الرقابة الروسية منذ نهاية حرب 2020، وحيث تواصل مجموعة من السكان الأرمينيين العيش. وكانت هذه الشاحنات تنقل بالأساس وقودا. ووفق السلطات الأذربيجانية، فقد نجح سائقو الشاحنات في خداع الحرس الروسي باستبدال اللوحات الإيرانية للشاحنات بلوحات أرمينية. ويبدو أن مرور الشاحنات الإيرانية لم يتوقف حتى بعد استدعاء السفير، حتى أن حوالي 60 شاحنة إيرانية دخلت قره باغ بطريقة غير مشروعة بين شهر آب (أغسطس) وأيلول (سبتمبر)، وفق ما صرح به مسؤولون أذريون. ولم يكن من باكو إلا أن تغلق الطريق الوحيد الذي يجب أن تمر عبره كل مركبة لتسافر من إيران إلى أرمينيا -وقره باغ.
وكان هذا الطريق أرمنيا بالكامل حتى حرب 2020، ما عدا نحو 20 كيلومترا تقع في أراضي أذربيجان لأن السوفيات لم يهتموا برسم حدود واضحة بين الجمهوريتين. ولذلك يشكل هذا الطريق وسيلة ضغط مهمة، حيث تتقاضى أذربيجان من الشاحنات القادمة من إيران والتي تمر عبره رسوم مرور بقيمة 130 دولارا.
وقد تتالت تصريحات المسؤولين الرسميي الأذريين المعادية لإيران، الذين اتهموا طهران بتمويل “إرهاب أرمني”، وبالمساهمة في الاتجار الدولي بالمخدرات من خلال جزء قره باغ الأرمني. وتم توقيف سائقَين إيرانيين كانا ينقلان وقودا ومواد غذائية إلى ستيباناكيرت؛ العاصمة الأرمنية لقره باغ، في أيلول (سبتمبر)، ثم الإفراج عنهما في 21 تشرين الأول (أكتوبر)، بعد أن أعلنت المنظمة الإيرانية للنقل على الطرق أن كل علاقة تجارية مع منطقة ستيباناكيرت غير قانونية. وبذلك، يبدو أنه تم حل مسألة الطرق التجارية نسبيا، لكن هذا لا يعني انتهاء أسباب العداوة بين الجارتين.
مناورات عسكرية ونقاش حاد بين الملالي
خلال شهر أيلول (سبتمبر)، قامت أذربيجان مع حليفيها التركي والباكستاني (“الإخوة الثلاثة” كما يحلو لوسائل الإعلام الرسمية أن تصفهم) بتمارين عسكرية لمدة أسبوعين في منطقة باكو وفي بحر قزوين. وقد أثارت هذه المناورات غضب طهران التي احتجت وأشارت إلى أن التواجد العسكري التركي والباكستاني في أكبر بحر مغلق في العالم غير قانوني، وفق معاهدة الوضع القانوني لبحر قزوين لسنة 2018، حيث يكون هذا التواجد حكراً على البلدان التي تطل على هذا البحر.
في بداية تشرين الأول (أكتوبر)، أجرت الجمهورية الإسلامية بدورها تمارين عسكرية على حدودها الشمالية الغربية، لتثير غضب المسؤولين وعددا كبيرا من سكان أذربيجان. وقامت مجموعة من الشباب حركتها روح التحدي بوضع أباريق وضوء تحمل ألوان علم إيران أمام سفارة إيران في باكو، علاوة على الكم الهائل من المحتوى المعادي لإيران على الشبكات الاجتماعية الأذربيجانية، لا سيما ذلك الفيديو الذي يتهم فيه الجيش الإيراني بدخول الأراضي الأذربيجانية بطريقة غير شرعية خلال حرب 2020.
للحيلولة دون صعود تضامن أذري في إيران مع باكو، قام آية الله عاملي من أردبيل -ثاني أكبر مدينة في الجزء الأذري من إيران- بشن هجوم في 27 أيلول (سبتمبر)، ذكرى بداية الحرب الثانية على قره باغ، وهو الذي كان قد ساند سابقا أذربيجان في حرب قره باغ، وحث باكو على أن لا “تدوس على ذيل الأسد”. وجاء الرد من الله شكور باشازاده، الزعيم الديني في أذربيجان، قبيل موجة من الترحيل التي طالت الملالي الذين اشتهروا بقربهم من إيران، تلاها إغلاق مكتب ممثل المرشد الأعلى الإيراني في باكو -رسميا بسبب حالات إصابة بفيروس كورونا. وبذلك أصبح هناك، إلى جانب التوترات العسكرية، شجار في المجال الديني، يهدف إلى طمأنة -أو التأثير على- الجماهير الدينية في كلا البلدين.
استهداف إسرائيل
سرعان ما دفع المسؤولون الإيرانيون بالصراع نحو موضوع ليس بجديد: العلاقة الوطيدة التي تربط جمهورية أذربيجان بإسرائيل. في تغريدة له بتاريخ 3 تشرين الأول (أكتوبر) باللغة الأذرية، طلب علي خامنئي من جاره (دون تسميته) بألا يجعل من بلده قاعدة عسكرية للقوات من خارج المنطقة، مضيفا أنه “من حفر جبّا لأخيه وقع فيه”. وهكذا كانت الإجابة عن الخطاب الأذربيجاني المعادي لإيران بخطاب يجعل من أذربيجان “حصان طروادة” لفائدة إسرائيل، وعنصرا مزعزعا لاستقرار المنطقة، متهما بالرغبة في تغيير الحدود الدولية وبجلب “إرهابيين تكفيريين” (في إشارة إلى المرتزقة السوريين الذين يُفترض أنهم شاركوا في حرب 2020) على حدود إيران. وكان هذا ما صرح به وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في تصريح على قناة تلفزيونية لبنانية.
صحيح أن حرب 2020 كانت انتصارا لإسرائيل ومجمعها الصناعي العسكري الذي وفر جزءا من معدات الجيش الأذربيجاني. وقد تكلل هذا الانتصار بإسناد عقود مهمة لشركات إسرائيلية لإعادة بناء المناطق المحررة. لكن هذه المناطق حدودية مع إيران، وهو ما قد يفسر استياء الجمهورية الإسلامية وخوفها على أمنها. لكن إسرائيل، كما قال لنا مسؤول أذربيجاني، متجذرة في أذربيجان، ولذلك لا يمكن اعتبار وجودها في الأراضي التي تقع في جنوب قره باغ أمرا حاسما. ويبدو أن عودة هذه الحجة من الجانب الإيراني ضد جارتها هي صرخة يأس أمام عملية إعادة تشكيل جنوب القوقاز التي استبعدت منها إيران.
ممر الفتنة
بعد قرار وقف إطلاق النار في 10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، التزمت كل من أرمينيا وأذربيجان وروسيا بالعمل على مشروع طرقات جديدة، يهدف إلى إخراج جنوب القوقاز من عزلته. ويتمثل الجزء الأكبر من هذا المشروع في “ممر زنغزور” -الاسم الذي أطلقه عليه الأذريون، بينما يسميه الأرمنيون “سيونيك”. ويفترض أن يربط هذا الممر بين أذربيجان وبين إقليم “ناختشيفان” الأذربيجاني ذاتي الحكم والمحاذي لتركيا، مرورا بجنوب أرمينيا. وتساند تركيا هذا المشروع بقدر كبير، لأنه سيضمن لها طريقا يصلها مباشرة بأذربيجان وبالبلدان الأخرى الناطقة بالتركية في آسيا الوسطى، عبر بحر قزوين.
لكن هذا المشروع لا يصب في مصلحة إيران التي كانت إلى حد الآن الطريق الرابط بين أذربيجان وهذا الإقليم، ما يعني أنه قد يتم استبعاد الجمهورية الإسلامية من لعبة القوقاز، في حين يعزز السلطة التركية على أبوابها. وهو ما يفسر قرار إيران بحظر التحليق العسكري في الفضاء الإيراني للرحلة التي تربط باكو بناختشيفان، وقد جاء هذا الحظر كإجابة عن تمرين عسكري أذربيجاني تركي أجري في ناختشيفان في 5 تشرين الأول (أكتوبر). ومن ناحية أخرى، قد تمنح مشاريع الطرق الجديدة هذه -والتي قد يمكّن بعضُها من الربط بين أرمينيا وروسيا، وبين أرمينيا وتركيا- إمكانية ليريفان للخروج من عزلتها، ما سيتسبب لطهران في تراجع دورها المميز بالقرب من هذه الدولة المسيحية الصغيرة.
في النهاية، من غير المحتمل أن تؤدي كل هذه التوترات إلى اندلاع صراع حقيقي برغم صعوبة تقييم الخطر، بسبب انشغال الطرفين بأولويات أخرى. وستخسر إيران حتما في حال اندلاع صراع تواجه فيه قوى أجنبية مثل تركيا وإسرائيل.
في الفترة نفسها التي بدأت فيها التصريحات الحربية التي ذكرناها، استهلت الدولتان محادثات دبلوماسية لمحاولة العودة إلى علاقات أكثر ودية. وقد تحدث وزيرا خارجية البلدين عبر الهاتف في 13 تشرين الأول (أكتوبر)، وتطرقا إلى موضوع الاتجار غير القانوني من إيران إلى قره باغ، كما يبدو أن قمة ثلاثية بين أذربيجان وإيران وتركيا ستنعقد قريبا. وربما يكون ما نراه هنا مجرد ردة فعل أمام التغير الجذري الذي تعيشه المنطقة، وأمام انتهاء التأثير الإيراني على القوقاز.
ويبدو أن طهران التي لم يكن لها دور تلعبه تقريباً خلال حرب 2020، بخلاف القوى التركية والروسية، تلعب هنا ورقتها الأخيرة حتى لا يتم استبعادها نهائيا من المنطقة.
يبدو اليوم أن الشجار المؤقت الذي طرأ في كانون الأول (ديسمبر) 2020 بين إيران وتركيا، إثر إلقاء رجب طيب أردوغان في باكو قصيدة تنبئ بتحرير أذربيجانيين؛ أحدهما سوفياتي والآخر إيراني، قد يرمز إلى إدراك طهران حقيقة استبعادها من المعادلة القوقازية.
 
*أستاذ الفلسفة بالمعهد الفرنسي في باكو. ترجمت المقال من الفرنسية سارة قريرة.