الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لماذا تراجع الحلفاء عن ضرب الأسد ؟

لماذا تراجع الحلفاء عن ضرب الأسد ؟

20.10.2016
عماد عريان


البيان
الاربعاء 19/10/2016
قبل أيام معدودات كانت منطقة الشرق الأوسط على موعد محتمل لسيناريو الجحيم الذي ظهرت مقدماته ومؤشراته في أكثر من مناسبة وأكثر من موقع، ولكن يبدو أن حسابات معقدة أدت إلى إرجاء هذا السيناريو المتعلق بالأزمة السورية والعودة مجددا إلى طاولة التفاوض بين القوى الكبرى الفاعلة والمحركة لهذا الملف والقوى الإقليمية التي يبدو أن بمقدور بعضها القيام بأدوار مؤثرة أو مساعدة.
وبالتأكيد جاء اجتماع لوزان العاجل مطلع الأسبوع الجاري بمشاركة وزيري الخارجية الأميركي والروسي في هذا السياق بحثا عن خارطة طريق لتسوية سياسية للأزمة السورية أو وقف للمعارك وهدنة عاجلة في حلب على أقل تقدير، هذا المؤتمر عقد بعد ساعات من اجتماع الرئيس الأميركي باراك أوباما مع كبار مستشاريه ومساعديه وتردد في نهايته أنه طلب منهم العمل مجددا على البحث عن تسوية سياسية للأزمة السورية بما يخالف الظروف والمؤشرات التي عقد في ظلها هذا المؤتمر.
فقد سبقته تكهنات عديدة بأن الرئيس اوباما سينتصر للخيار العسكري كوسيلة لحسم الصراع في سوريا، وأنه في سبيل تحقيق ذلك سيصدر تكليفات لأركان الإدارة الأميركية ببحث توجيه ضربات عسكرية قاصمة للقوات النظامية السورية وللرئيس السوري بشار الأسد.
وتزامنا مع ذلك صدرت تصريحات مباشرة وعلنية وواضحة من جانب وزير الخارجية البريطاني بأن بلاده ستبحث الخيارات العسكرية المحتملة ضد نظام بشار الأسد، وعلى الرغم من أن رئيسة الوزراء البريطانية اضطرت بعد ساعات إلى إصدار بيان يكذب وزير خارجيتها، إلا أنها تبقى التصريحات الأوضح من جانب مسؤول غربي رفيع المستوى في التحالف الدولي الذي تصدر عنه تصريحات تتحدث عن تدخل عسكري مباشر ضد الأسد.
ولهذه التصريحات أهميتها وخطورتها معا إذا ما تم ربطها بالتوقعات التي انطلقت من واشنطن قبل اجتماع أوباما مع أركان حكومته وكذلك بالتصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الأميركي جون كيري معربا فيها عن ضجره الشديد للمواقف الروسية وحتمية البحث عن بدائل أخرى بعد وصول المفاوضات إلى حوائط سد وعودتها مجددا للمربع الأول، أضف إلى ذلك تصريحات أخرى حول عزم القوى الغربية تزويد فصائل المعارضة السورية المسلحة بأسلحة حديثة من بينها منظومة صواريخ مضادة للطائرات لمواجهة الغارات الروسية – السورية في سماء حلب على وجه التحديد.
حقيقة الأمر أن القوات الجوية البريطانية – الأميركية كانت قد أقدمت على عمل سافر ضد القوات النظامية لبشار الأسد قبل أكثر من شهر عندما قصفت موقعا تحت سيطرة الجيش السوري في منطقة دير الزور، وهو الحادث الذي أدى إلى سقوط المئات من القوات السورية بين قتيل وجريح، وهو أيضا الحادث الذي زعمت واشنطن أنه وقع بطريق الخطأ.
وبالتأكيد هذا تفسير يصعب قبوله لكونه مقصودا وبدقة بهدف توجيه جملة رسائل على رأسها قدرة قوات التحالف على الوصول للقوات السورية في أي مكان وزمان وسحقها، وقد أدى الحادث كما هو معلوم إلى هجوم مضاد على قوافل الإغاثة الدولية وانهيار هدنة حلب وتفجير الموقف برمته في المدينة وصولا إلى شفير الهاوية.
وتؤكد هذه التطورات مجتمعة صحة ما كشفت عنه وسائل إعلام روسية بأن وزارة الدفاع الروسية احتاطت لاحتمال انسحاب الولايات المتحدة من المحادثات المشتركة أو انهيارها تماما.
فوضعت خطة احتياطية مضادة للخطة ب الأميركية، وفي هذا السياق جاء تصريح مصدر عسكري دبلوماسي رفيع المستوى بأنه تم وضع خطة لاتخاذ جملة إجراءات عسكرية وسياسية في حال انسحاب الولايات المتحدة من المباحثات وتحولها لتنفيذ ما يسمى بالخطة ب التي تتضمن من جملة أمور أخرى إمكانية زيادة الدعم للقوات التي تقاتل القوات النظامية في سوريا.
موسكو أعلنت أنها تستطيع زيادة الدعم المقدم للقوات المسلحة السورية إلى حد كبير عند الضرورة. بينما نشرت روسيا بالفعل أنظمة دفاع جوي من نوع إس 300 في طرطوس بشمال غرب سوريا، كما تدفقت قطع بحرية روسية على مياه البحر المتوسط.
وكانت روسيا قد نشرت بالفعل في نوفمبر الماضي أنظمة صواريخ من نوع إس 400 في قاعدة حميميم الجوية في شمال غرب البلاد. ومع صواريخ إس 300 وإس 400 تكون روسيا قد ضمنت دفاعا جويا عن أهم موقعين لها في سوريا، وهما طرطوس وحميميم في محافظة اللاذقية، حيث للطيران الروسي عشرات الطائرات والمروحيات العسكرية.
ولا تلقى الخطوة الروسية بالتأكيد ترحيبا في واشنطن، حيث تساءلت وزارة الدفاع الأميركية عن العدو الذي تريد موسكو أن تحمى نفسها منه بواسطة هذه الصواريخ.
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع بيتر كوك إن المتطرفين الذين تقول روسيا إنها تقاتلهم في سوريا مثل تنظيم داعش وجبهة فتح الشام - النصرة سابقا - ليست لديهم طائرات. ووجه كوك تحذيرا مبطنا إلى روسيا من مغبة استخدام هذه الصواريخ ضد الطائرات الأميركية.
ليظل السؤال معلقا؛هل اختارت واشنطن وحلفاؤها بالفعل التصعيد العسكري خيارا لحسم الحرب، وهل اضطرت لتأجيل اللجوء لهذا الخيار بعد التصعيد العسكري الروسي وظهور تداعيات جديدة لحسابات المكسب والخسارة نتيجة سيناريو الجحيم المحتمل؟ قد تكون واشنطن اضطرت بالفعل إلى إرجاء هذا الخيار ولكن الخطر لم يتراجع لتبقى سوريا ومعها منطقة الشرق الأوسط بأكملها في انتظار السيناريو الكارثي.