الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لماذا قررت روسيا الانسحاب من سوريا؟

لماذا قررت روسيا الانسحاب من سوريا؟

19.03.2016
علي البلوي


اليوم السعودية
الخميس 17-3-2016
عمليا أعلن الرئيس الروسي خفضا لقواته في سوريا، وهذا الخفض شمل الاسلحة ذات الصفة الاستراتيجية، والتي تم التفاهم عليها مع الجانب الامريكي، وعمليا، إقرار وقف الاعمال العدائية هو قرار روسي امريكي، لكن اللافت ان الاسد يحاول ان يضع نفسه في سياقات الكلام الروسي هذه المرة، واضطر بيان الرئاسة السورية - بارتباك - الى الاشارة الى بيئة المصالحات السورية الجديدة، وهي مازالت نوايا مطروحة قد تؤدي الى بصيص أمل في اجتماعات جنيف الجارية، ولعلنا نرى ان ايران بدأت هي الاخرى في التراجع، ورغم انها ترفع راية وحدة سوريا الا انها مازالت تمني النفس بتفكيكها.
الانسحاب الروسي (التكتيكي الان) كما اعلن عنه واضح، ويشير الى ان المجموعات الروسية سوف تخرج، لكن القاعدة الجوية في حميميم والقاعدة العسكرية البحرية في طرطوس سوف تبقيان، وستكون مهمة القوة الموجودة مراقبة وقف اطلاق النار، في وقت مازالت فيه الصحافة الغربية تشير الى ان موسكو وفي توقيت سابق طلبت الى الرئيس السوري الاستعداد للمغادرة، وهو الامر الذي نجم عنه آنذاك "اغتيال" مدير الاستخبارات الروسية إيغور سيرغون، في 3/2/2016 عقب اجتماعه بالاسد في دمشق، على الرغم من ان موسكو ذكرت ان سبب وفاته ناجم عن الاجهاد والعمل المكثف، غير ان ثمة معلومات تشير الى وفاته في سوريا، خاصة وان بعض مصادر المعارضة اشارت الى ان سيرغون عرض سيناريوهات الوضع السوري والاقليمي والدولي على الاسد، وأكد عليه أن من الضرورة ان يقدم الاسد خطوة للامام، وذلك للحفاظ على وحدة سوريا، ونقل اليه في حينه رسالة الرئيس بوتين، في وقت بدأ الأسد يشعر ان القوة الروسية، تجاوزته من الناحية العملية، وبدأت تتعامل مباشرة مع قيادات في الجيش وبعض قيادات الامن السوري، واقطاب المعارضة.
الاعلان عن سحب القوات، لا يعني سحبها عمليا، بل هناك جدول للانسحاب، ولا يشمل الانسحاب كامل القوة الروسية، بل يشمل بعض القطع الاستراتيجية، كمنظومة الاتصالات الجوية، ومنظومة الدفاعات الجوية، وبعض وحدات القوات الخاصة، وعدد من المستشارين، لكن ستبقى مهمة ادارة الوضع العسكري تحت الرعاية الروسية المباشرة، بالتعاون مع الجيش السوري.
القرار الروسي لم يكن مفاجئا، فهو عمليا جاء بعد تفاهمات مع واشنطن، وبعد اغراءات غربية، برفع الحصار الاقتصادي عن روسيا، وتفاهمات حول بناء اعمدة الامن في اوروبا وتحديدا في اوكرانيا، وانتشار القوات الروسية، وايضا جاء باعتباره مطلبا رئيسا للمعارضة السورية، وايضا رغبة من موسكو التأكيد بأن قرارها سحب مجموعات القوات الروسية من سوريا، علامة جيدة لجميع أطراف الصراع، وأن يدعم هذا القرار عملية التسوية السلمية ودعوة وزارة الخارجية الروسية لتكثيف نشاطها الدبلوماسي في تنظيم عملية السلام لحل المشكلة السورية.
المفاجأة لم تكن للدول الغربية، بل كانت للاسد على التحديد، ولايران وحزب الله، الذي نقلت مصادر داخلية عنه بأنه متخوف جدا من الدور الروسي في سوريا، وانه يشعر بالمرارة فبعد سنوات من انخراطه في الازمة السورية، وقتلاه تجاوزوا 1500 قتيل، وفي نهاية المطاف فان الحل في سوريا لن يكون مغريا له، لا بل اكتشف ايضا، ان دوره في سوريا ولبنان، كان لغايات تحقيق المصالح الايرانية المتمثلة بصفقة الملف النووي ورفع الحصار الاقتصادي عن ايران، اضافة الى تراجع الدعم الايراني والحصار الخليجي.
اهمية الاعلان الروسي عن الانسحاب تكمن في رغبة موسكو اثبات حالة جديدة في السياسة الدولية تقوم على فرضية احترام القانون الدولي، ورفض المعارضات المسلحة والراديكالية، وان بامكان الدول الكبرى فرض الحلول السلمية، وايضا الحصول على موافقة عالمية على الدور الروسي في المسرح السياسي الدولي، كما ان العقيدة الامنية الروسية لا ترغب بتمدد الدور التركي في المنطقة العربية والاسلامية، وهي جزء من حلف الناتو، ايضا هي مع ايران قوية داخل ايران، وهي بالضد من التمدد الايراني في اطار الجيوبلتكس الروسي، خاصة وان ايران اقرب الى الغرب منها الى روسيا، وعليه فان روسيا حجمت الاحلام الايرانية في سوريا.
هذا الامر سيؤدي باعتقادي الى مضاعفة الضغط على الاسد، في مفاوضات جنيف الجارية، وهو عمليا مؤشر سلبي بالنسبة للاسد، كما انه مؤشر ايجابي للمعارضة السورية السياسية والعسكرية، التي ابلغت موسكو منذ فترة وجيزة، بأنها لا تعترض على المصالح الروسية في سوريا، وانها على استعداد لبناء علاقات تعاون معها، لكنها لن تقبل بحلول سلمية تعيد انتاج الاسد مرة اخرى، ولعل هذا الامر هو الذي سيضاعف الضغط على الاسد لقبول عملية الانتقال السلمي للسلطة.
هذه المتغيرات، تأتي في ظل متغير استراتيجي آخر في اليمن، بعد فك الحصار عن تعز، وبدء حالة من الارتباك لدى الحوثيين وعلي صالح، في ظل تقدم قوات المقاومة والجيش اليمني، وحصول انهيارات في الجبهة الداخلية وتغيير مواقف استراتيجية لبعض قيادات الحرس الجمهوري، او القيادات العسكرية التي انحازت الى جانب الحوثيين، ومطالبة الحوثيين عدم دخول الجيش الى صعدة، في اطار مفاوضات غير مكتملة، وبدء دخول المعونات الانسانية بشكل أفضل من السابق.
المتغير الآخر ان قيادات حزب الله في سوريا، قررت العودة الى لبنان، وان هذا القرار جاء بضغط روسي، وجاءت عودتهم دون تمهيد او سابق انذار، وتوحي بوجود خلافات داخلية قوية، خاصة وانه طلب اليها مغادرة الاراضي السورية منذ توقيع اتفاق الهدنة، كما انه يوحي بأن قرار انسحاب ميليشيات حزب الله وايران، جاء على غير ما ترغب به ايران، وهو الامر الذي دفع بقاسم سليماني للاستعجال بأمرين الاول شن حملة على السعودية ضمن حملة اعلامية ايرانية داخلية وخارجية، وثانيا الاستعجال بتثمين دور الحرس الثوري في حماية ولاية الفقيه، وجاء ذلك ردا على انتقادات لبرلمانيين ايرانيين أكدوا بأن مغامرات ايران الخارجية خاسرة ومكلفة وادت الى تشويه صورة ايران في العالم، كما انها جاءت ردا على مطالباتهم بتحجيم دور الحرس الثوري ليصبح مؤسسة ضمن مؤسسات الجيش الايراني.
التقييم الحقيقي للانسحاب الروسي، بأنه خطوة ايجابية، كما انه يبقى اعلانا ليس الا، وعلى المجتمع الدولي وقوى المعارضة السورية ان تختبر جدية هذا القرار، وقيمته في النهاية، وانه ليس استعراضا سياسيا مخادعا، كما ان مربط الفرس سيبقى في طبيعة الحل السلمي والموقف من وجود الاسد، لكن المؤشرات تظل ايجابية لفترة محدودة لحين ترجمة العملية الانتقالية الى لغة سياسية عملية وفقا للقرار الدولي 2254.